في الأسبوع الماضي شاركت في المؤتمر السنوي للجنة الفنية لخبراء التعدين التابعة للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين، والتي عقدت في العاصمة المغربية الرباط.
كانت هذه زيارتي الأولى للمغرب وكانت فرصة للوقوف على المعالم الأثرية لهذا البلد العريق. ورغم أني لم أتمكن من زيارة مراكش وفاس – أعرق المدن المغربية والمغرب العربي قاطبة – إلا أني انبهرت بما رأيته من المعالم الإسلامية في كل من الرباط والدار البيضاء Casablanca ووقفت عن قرب على تمازج الثقافة العربية والأمازيغية بالثقافتين الفرنسية والإسبانية سواء في اللغة أو الأطعمة أو الملابس ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اسم العاصمة الإقتصادية في المغرب هي الدار البيضاء بالعربية وCasablanca باللغات الأجنبية وهي ترجمة للدار البيضاء باللغة الإسبانية.
أما مدينة الرباط فقد أسست على يد دولة المرابطين وكانت نقطة لتجمع جيوش المجاهدين المتجهة إلى الأندلس ، ثم حولها الموحدين إلى مدينة محصنة وسموها “رباط الفتح”.
لا يمكن ذكر المغرب إلا مقرونا بذكر الأندلس فمن المغرب عبرت جميع الجيوش الإسلامية التي حررت وحكمت الأندلس ابتداء من موسى ابن نصير وطارق ابن زياد، ثم عبدالرحمن الداخل، مروراً بالمرابطين بقيادة يوسف ابن تاشفين ثم دولة الموحدين ومؤسسها ابن تومرت.
في الدار البيضاء تجولت في شارع موسى بن نصير وفي الرباط شارع ابن تومرت فتذكرت رواية نجيب الكيلاني (عمر يظهر في القدس) وهو يصور ظهور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في القدس وفي زماننا الحالي.
واسم الفاروق يرمز إلى العزة والكرامة والشموخ في التاريخ الإسلامي، في حين تأتي (القدس) في هذا الزمان دليلاً صارخاً على تخاذل المسلمين وتقاعسهم ، فخجلت ماذا سيكون ردي على هولاء الأبطال اذا سألوني عن قرطبة ، والزهراء ، وإشبيلية وطليطلة وغرناطة.
ولكن رغم واقعنا المرير، إلا أني رأيت في المغرب بلدا فيه كل مقومات التطور والإزدهار ، من بنية تحية حديثة، ومستوى تعليمي جيد واستقرار سياسي يحسد عليه، كل هذه الأمور تجعلني أتفاءل في المستقبل وربما تجعلني أحلم بأن يصلي ابني في جامع قرطبة.
من الأشياء التي جذبت انتباهي في المغرب ، المئذنة ، وهي مصممة بطريقة لم أشاهدها في أي بلد عربي آخر ولا أدري هل هي خاصة بالمغرب أم تشاركها باقي دول المغرب العربي.
في المغرب صليت خلف الإمام وهو يقرأ قراءة ورش عن نافع وأنا المتعود على قراءة حفص، فظننت أنه أخطأ فهممت أن أصحح له ثم تداركت وتذكرت أني في المغرب.
في المغرب صليت الفجر في المسجد خلف إمام مالكي فلم يقنت -وأنا الشافعي القح- فانزعجت للوهلة الأولى، ثم تذكرت دفئ العلاقة والإحترام التي كانت بين الإمامين الشافعي والمالكي.
في المغرب يوجد علماء فطاحل أمثال أحمد الريسوني وسعيد الكملي وزيد الخير مبروك وغيرهم.
في المغرب يوجد جامع وجامعة القرويين في مدينة فاس وهي أقدم جامعة في العالم وأنشأت سنة 245 هجري الموافق 859 ميلادي على يد فاطمة بنت محمد الفهري ، درس فيها سيلفستر الثاني ، الذي شغل منصب البابا من عام 999 إلى 1003م، ويقال أنه هو من أدخل بعد رجوعه إلى أوروبا الأعداد العربية. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزاً للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة.
في المغرب عراقة الماضي وجمال الحاضر وتفاؤل المستقبل وعبق الورد وشذى الياسمين.
تلك كانت رحلتي الأولى إلى المغرب عسى أن تليها رحلات أخرى للمغرب ولباقي دول المغرب العربي.