تعليق كتبته على دراسة من جامعة مشيغان الاميركية توصلت الى ان مصححي الاخطاء الإملائية واللغوية مصابون بامراض نفسية .
في هذه الدراسة( ان البعض يقع في الاخطاء الكتابية بسبب الكتابة على الكيبورد او عدم العلم بقواعد اللغة او ببعض الكلمات الّا ان ذلك ليس مبررا على الإطلاق لمن يصححون الاخطاء دايما) دراسة غريبة ! عدم العلم بقواعداللغة ليس مبررا لتصحيح الاخطاء اللغوية ! نتيجة هذا البحث من اغرب ما سمعت في حياتي.
ولعلّ هولاء الذين قاموا بهذه الدراسة مصابون بامراض نفسية اعقد واخطر من تلك التي اتهموها بمصححي الاخطاء اللغوية. ان كثيرا من العلماء والزهاد يحبون العزلة للتامل والتفكير والتدبر ، وربما اختلط لدى الدارسين بين هذه العزلة المحمودة عند العلماء وبين الانطواء المذموم عند أصحاب العقد النفسية.
لست من المولعين بتتبع الاخطاء الإملائية واللغوية، وذلك ليس لانني ارى عدم اهمية ذلك، وانما خوفا من الغرق في بحر هذه اللغة الغنية الواسعة في مفرداتها ولغاتها ولهجاتها واوجه إعرابها وبنائها وتركيبها، الّا انني ارى انه من القسوة الشديدة ان نتهم من يسدّ ثغرة علمية بالاضطراب النفسي استنادا على دراسة اشك في جديتها ونزاهتها. وحتى لو افترضنا صحة هذه الدراسة ونزاهتها، فهل الانطواء لدى عدد من علماء اللغة يكون دليلا على عدم اهمية تصحيح الاخطاء اللغوية كما توهمنا النتيجة التي توصلت اليها الدراسة؟.
وكما ان لكل علم قواعد لا بد من مراعاتها، فكذلك اللغة لها قواعدها التي لا بدّ من اتباعها، ولا يهمنا ان كان عالم اللغة منطويا على نفسه او منزويا في بينه،. فكل ذلك لا يؤثر على مقدرته اللغوية وحقه في التصحيح والتقويم. ارى في مثل هذه الدراسات استسهال الاخطاء اللغوية وإلقاء اللوم على المصحح البريء وتبرئة المخطيء بل وتشجيعه على المضي في خبطاته اللغوية التى تهمّه الا بعضا من الانطوائيين نفسيا ! وقد امر امير المؤمنين عمر بن الخطاب بضرب كاتب عمرو بن العاص لانه اسقط (السين) في باسم الله, حين كان يكتب لعمر، ولما سئل الكاتب فيم ضربك عمر؟ قال: ضربني في السين. رحم الله عمر، فاذا كان ضرب في السين، فماذا كان سيفعل لو رأى الى ما آلت اليه لغتنا اليوم من إهمال وعبث، والناس لا يسقطون السين فحسب ولكنهم يسقطون الكلمة والجملة والبناء والتركيب، ثم يتهم كل من حاول تصحيحه بالانطواء او الاضطراب النفسي !
وكتب عامل إلى الصاحب ابن عباد في التماس عمل،: إن رأى مولانا يأمر لإشغالي ببعض أشغاله فعل. فوقع الصاحب تحتها: من كتب لإشغالي لا يصلح لأشغالي. فهذا العامل كما ترى اخفق في طلبه لانه اخطا في قوله ( إشغالي). وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام للرجل الذي أخطأ في حضرته: ارشدوا أخاكم فقد ضلّ. لقد عدّ الرسول اللحن نوعا من الضلال..