لم يكن مجلس البرلمان الصومالي محصنا من الخلافات السياسية منذ 2000م حيث كانت الخلافات تنفجر داخل قبة البرلمان في جميع الحكومات الإنتقالية المنتهية عام 2012م، إلا أن المؤسسة التشريعية الصومالية دخلت في مرحلة الاستقرار الوظيفي إثر خروج الصومال من المرحلة الإنتقالية عام 2012م.
إلا أن المؤسسة التشريعية عادت إلى عادتها السابقة وهي الإختلافات في مطلع عام 2018م، حيث قدم بعض أعضاء البرلمان مشروع قرار إلى النائب الأول لرئيس البرلمان السيد عبدولي إبراهيم مدوبي بغرض سحب الثقة من رئيس البرلمان السيد محمد شيخ عثمان جواري، وهو ما أدي إلى إثارة عاصفة سياسية داخل البرلمان الصومالي، فضلا عن السلطة التنفيذية بسبب تأييد عدد كبير من الوزراء العريضة الموجهة ضد السيد جواري، ما يعني أن الأزمة الحالية ليست منحصرة داخل البرلمان بل السلطة التنفيذية أصبحت جزءا من اللعبة السياسية والدستورية الرامية إلى إزاحة السيد جواري من كرسي الرئاسية بدعوى عدم تعاونه مع السلطة التنيفذية التي كانت في مرمي أعضاء البرلمان، وبالتالي فإن رئيس البرلمان لم يساهم في وقف تحركات بعض أعضاء البرلمان الذين اقتربوا من تقديم قرار سحب الثقة من رئيس الوزراء.
جذور الأزمة
ووفق ما جاء في بيان أصدره بعض أعضاء البرلمان الذين قدموا مشروع سحب الثقة من السيد جواري فإنهم أعتمدوا على الدستور الإنتقالي، واللائحة الداخلية للبرلمان أيضا، علما بأنهم اكدوا عدم إلتزام السيد جواري علي اللوائح الداخلية للبرلمان، ومن أبرز الإتهامات الدستورية الموجهة إليه مايلي:-
- عرقلة جهود البرلمان الرامية إلى مراجعة الدستور الإنتقالي الصومالي بغية تأسيس دولة المؤسسات، والقانون في المرحلة القادمة.
- عدم إلتزامه باللوائح الداخلية المنظمة في إدارة شؤون البرلمان وبطريقة مستمرة وفق ما جاء في البيان
- اعتداؤه بصورة مباشرة وغير مباشرة على روح الديمقراطية المتصلة بأنشطة البرلمان.
- ارتكابه بأفعال غير شرعية وغير دستورية مثل إستغلاله للدستور بطريقة غير قانونية مثل تضييق الخناق على أعضاء البرلمان وعدم إتاحة فرصة الحوار وإبداء الآراء أثناء جلسات البرلمان، وتورطه في قضايا فساد والمحسوبية.
- فشل السيد جواري في إستكمال لجان البرلمان المتبقية مثل لجنة الخدمات البرلمانية المخولة لتقديم الخدمات إلى أعضاء البرلمان.
بيد أن السيد محمد شيخ عثمان جواري رئيس البرلمان نفي تلك الإتهامات الدستورية الموجهة إليه من قبل بعض أعضاء البرلمان الذي يشكلون الأغلبية فيه، كما شن هجوما على دولة رئيس الوزراء السيد حسن علي خيري وذلك بسبب توقيع الوزراء الأعضاء في البرلمان على المشروع الموجهة إلى السيد محمد شيخ عثمان جواري.
وساطة مجلس الشيوخ
وقد شكّل مجلس الشيوخ الصومالي الفدرالي لجنة من داخل المجلس في 17 مارس 2018م بغية دراسة أزمة البرلمان الحالية، كما أصدر المجلس بيانا يدعوا فيه جميع الأطراف الإلتزام بالهدوء ونزع فتيل الأزمة، وحل الأزمة عبر الحوار والدستور الصومالي.
وقد عقدت اللجنة لقاءات مع رئيس البرلمان جواري، ونائبيه الأول والثاني، ورئيس الوزراء، والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، فضلا عن أعضاء البرلمان المؤيدين لمشروع سحب الثقة من السيد جواريوالمعارضين له.
توصيات مجلس الشيوخ لإحتواء الأزمة
وأصدر مجلس الشيوخ الصومالي الفدرالي بيانا مهما إثر إنهاء اللقاءات والإجتماعات مع الجهات المعنية في الأزمة السياسية والدستورية حيث أكد البيان ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والتماسك الداخلي، ووحدة البرلمان،والإبتعاد عن كل ما يتعارض مع مصالح الوطن والشعب،وإتباع الطرق القانونية والدستورية المنصوصة في المادة 65 من الدستور التي تنظم وتحدد طرق سحب الثقة من رئيس البرلمان.
وأكد المجلس إستعداده المساهمة في حل الأزمة المشتعلة داخل مجلس البرلمان، ووحضورهم أثناء تنظيم جلسات الإقتراع لإنهاء الأزمة، وفي حال عدم تنفيذ مشروع سحب الثقة عن الرئيس جواري فإنه مشروع القرار سيكون ملغاة.
وطلب المجلس من الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو التدخل في الأزمة بغرض الوصول إلى حل نهائي بمشاركة جميع الأطراف المعنية
إلا أن وساطة مجلس الشيوخ قد إنهارت بسبب تمسك الطرفين من أعضاء البرلمان على مواقفهما، والمضي قدما في افتتاح جلسة المناقشة لمشروع سحب الثقة من رئيس البرلمان السيد محمد عبدالله جواري.
تصعيد الأزمة
وقد أصدر النائب الأول لرئيس البرلمان السيد عبد الولي شيخ إبراهيم مودي بيانا صحفيا في 29-3-2018م أكد فيه عقد جلسات البرلمان يوم السبت الموافق 31-3-2018م، وأن أجندة المجلس مناقشة مشروع سحب الثقة من السيد جواري.
وأن الشرطة الصومالية هي المسؤولة عن ممتلكات مقر البرلمان، ومفاتيح الأبواب، وعدم السماح بإدخال الأسلحة إلى مقر البرلمان لضمان سير مناقشات البرلمان بصورة سلسلة وآمنة.
أما مسؤولية حماية النائب الأول لرئيس البرلمان، ورئيس البرلمان بالإنابة، والنائب الثاني لرئيس البرلمان، ورئيس البرلمان تقع على عاتق الشرطة الصومالية المتواجدة في مقر البرلمان، ويتركون جميع أعضاء البرلمان حراسهم في المواقع المخصصة لهم خارج مقر البرلمان.
وطلب السيد مدوي من أعضاء البرلمان العمل مع الأجهزة الأمنية المسؤولة عن حماية مقر البرلمان.
غضب السيد جواري.
من جانبه أصدر السيد محمد شيخ عثمان جواري بيانا صحفيا مساء يوم 30-3-2018م شديد اللهجة حيث وصف خطوات وقرارات النائب الأول لرئيس البرلمان السيد عبدولي بأنها غير شرعية، وكشف جواري إستقباله القائد العام لقوات الشرطة الذي سلم بدوره ورقة إلى السيد جواري تأكد فيه أن القيادات العسكرية والأمنية والشرطة الصومالية، إضافة إلى قائد قوات أميسوم المتمركزة في محيط مقر البرلمان يأخذون الأوامر من النائب الأول لرئيس البرلمان.
وهو ما أثار حفيظة رئيس البرلمان السيد جواري الذي شن هجوما عنيفا على الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، وقال إنه تخلى عن مسؤوليته بحماية الدستور الذي ينص فصل السلطات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا للمادة 87 من الدستور، إلا أن السلطة التنفيذية تنفي اتهامات السيد جواري، وأن الأزمة الحالية هي أزمة دستورية منحصر داخل قبة البرلمان، وأن أعضاء البرلمان هي الجهة المسؤولة عن إتخاذ القرارات المناسبة حيالها.
كما وجه السيد جواري خطابا مفتوحا إلى إلى القيادات العسكرية والأمنية والشرطة يشدد فيه ضرورة إلتزامهم في الحياد وعدم الوقوف مع طرف ضد طرف آخر تطبيقا للمادة 127 من الدستور.
وقد ذهب السيد جواري إلى أبعد من ذلك وذلك عندما وصف القوات الصومالية المتمركزة حاليا في محيط مقر الشرطة بأنها غير شرعية حيث لا تتبع له، كما ذكر أنه من حق رئيس البرلمان وأعضاء البرلمان الدفاع عن أمنهم، وحصانتهم، وحرمة مقر البرلمان.
سيناريوهات الأزمة
وفي الحقيقة فكلما تبرز أزمة سياسية في السطح فإن الجهات المعادية للدولة الصومالية ستكون المستفيد الأول في التجاذبات السياسية، وفي هذا السياق شدد رئيس الوزراء الصومالي السيد حسن علي خيري ضرورة الإبتعاد عن الخلافات السياسية لأن ذلك سيعطي فرصة لأعداء الدولة الصومالية.
أما مصير رئيس البرلمان السيد محمد شيخ عثمان جواري فهي مرتبطة بما سيتصدر من جلسات أعضاء البرلمان تحت قبة البرلمان، ولكن لا أحد يتكهن طريقة سحب الثقة منه أو العكس، وفي حالة إجراء الإقتراع السري عبر الصندوق فإن النتيجة سيتم إعلانها مباشرة، وبحضور عدد /ن أعضاء البرلمان، وشخصيات صومالية من المجتمع المدني والعلماء.
ويتحدث البعض عن إمكانية تعديل اللوائج الداخلية التي تنظم سحب الثقة من رئيس البرلمان بطريقة سرية، ليتم تعديلها في جلسة البرلمان الأول حيث سيتم التصويت لصالح سحب الثقة من السيد جواري عن طريق رفع الأيدي على طريقة مصادقة رئيس الوزراء
لم تتضح معالم إنهاء الأزمة المشتعلة داخل أعضاء البرلمان إلا أنه من المأكد وصول الطرفين المتصارعين داخل البرلمان إلى طريق مسدود
وأن إستمرار الأزمة على هذا المنوال لا تطاق لأنها باهظة الثمن على الجميع خاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، كما أنها ليست لمصلحة الحكومة والوطن والشعب، فهل سيحقق مشروع سحب الثقة من رئيس البرلمان أهدافه ؟ أم لا؟!.