إن سعادة أيّ مجتمع وتقدّمه ورفاهيته يقدر بمدى اهتمامه بالأولويات وترتيبها…
في عام 1996 درستُ في معهد البخاري هذه العبارة: (لِنفْعَلِ الأهمَّ قبل المُهمّ)…هذه هي تعريف الأولوية…أما الويكبيديا فيعرّفها بالحالة التي يقدم فيها أمرٌ على غيره من الأمور، إما لسبب عامل الأهمية (أمر مهمّ) أو بسبب عامل الزمن (أمر عاجل).
في الإسلام فإن الله جعل لكل شيء أولوية ومرتبة، فقال تعالى: {أجعلتُم سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله}..نزلت عندما جادل بعض المسلمين أو طلقاء مكة بأن رعاية الكعبة وسقاية الحجاج أهم عند الله، فأنكر الله عليهم، بل إن الأولوية هي اكتمال الإيمان والجهاد في سبيل الله مع أن السقاية والعمارة مهمة عند الله.
في واقعنا الاجتماعي فإننا نفعل المهمّ قبل الأهمّ، بل نفعل التافه قبل المهمّ.!!
فحكوماتنا تنفق الملايين في برامج ترفيهية في حين أن مئات الآلاف بل الملايين من شبابنا عاطلون عن العمل تماما..فهم معرّضون إما للالتحاق بالجرائم أو الهجرة غير الشرعية.!
تعيّن الحكومة مستشارين يأخذ كل واحد منهم خمسة آلاف دولار، في حين أن الموظّف الذي تقع عليه مسؤولية العبء الإداري يأخذ مرتبا بسبعمائة دولار.!! بل يمكن أن لا يعمل هذا المستشار شيئا!!.
في بلدية مقديشو ترى العجب العجاب،، ملايين الدولارات تنفق في المرتبات العالية وفي الرشوة، في حين أنه يمكن توظيف خمسة آلاف عامل نظافة يستطيعون أن يجعلوا مقديشو أنظف مدينة في العالم!!.
يأخذ الجندي الذي يسهر الليل كله في الحاجز، وفي النهار يقف في الشمس مائتي دولار فقط من غير رعاية ولا تأمين له إذا اعترت عليه عاهة أو مصيبة، في حين أن الموظف أو المدير أو النائب يستريح في أرقى فندق، أو يغيب في عواصم أجنبية ويأخذ ثلاثة آلاف إلى خمسة آلاف دولار…ثم يتحدّثون عن الأمن واستتابّه.!!!
التدريس أحقر مهنة في مجتمعنا، ويمارسها من فشل في الحصول على وظائف مرموقة،، هذا المدرّس الذي ينتج غدا المهندس والطبيب والسياسي والعسكري.!!
الشيخ الداعية يتحدث عن المخدرات في حين يُقتل مئات الأشخاص بلمحة بصر، ويسفك دماءهم باسم الإسلام وبغير حق، ثم لا يتحدث عن حرمة دم المسلم وكبره عند الله في محاضراته وتوعياته، ومقاصد إسلامنا مرتبة على أولوية الحفاظ على النفس والعقل والعرض والمال على الترتيب..
فالنفس مقدّم على العقل، والعقل مقدّم على العرض، والعرض مقدم على المال..
كل شيء فوضى، فالدعاة الإسلاميون خارجون عن التغطية..
المؤسسات التعليمية خارجة عن الأولوية، تفتتح مئات الجامعات، في حين أن مليوني طفل بحاجة إلى تعليم أساسي…ومليون خريج جامعي يحتاجون إلى معاهد مهنية،، لا يعرفون أساسيات البحث العلمي ولا الكتابة وتحريرها…بل إن أداءهم اللغوي والتقني والمعلوماتي ضعيف للغاية…فماذا تزيدنا افتتاح مزيد من الجامعات، في حين أننا بحاجة إلى معاهد مهنية وتقنية؟!!.