لقي فوز الأكاديمي والسياسي الصومالي السيد محمد عبدالله محمد فرماجو في الإنتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر فبراير 2017م ترحيبا محليا وإقليميا ودوليا، حيث خاضت الكيانات والأحزاب المشاركة فيها منافسة شرسة وسط تراجع حدة التحالفات القبليّة عن المشهد الملتهب سياسيا بصورة ملفتة للنظر أثناء فترة الإنتخابات الرئاسية ثم الإنتقال إلى نحو بناء شراكة سياسية جديدة بين القوى السياسية الجديدة، شراكة تقوم على أسس ومبادئ وطنية، مع تحقيق مصالحة سياسية بين الكيانات السياسية الصومالية المتشاكسة بغية انهاء عهد الإقصاء السياسي، وترسيخ دولة المؤسسات بدلا من تحكم شخصيات على مصير العباد والبلاد.
بيدأن الأزمات السياسية السابقة لا تزال تراوح مكانها رغم استمرار جهود قيادة البلاد في عرض تجاربها في المشهد السياسي الملغوم والمكهرب، إلا أنها لم تنجح في تغيير مسار السياسة الداخلية الصومالية حيث وصلت التجاذباب السياسية بين الحكومة والمعارضة إلى مستويات غير مسبوقة وهو ما ينذر بعواقب سياسية وخيمة على البلاد إذا لم يتم إحتوائها قبل فوات الآن.
وقد ألقيت الضوء على أبرز التحديات الماثلة أمام القيادة الجديدة، وتعقيدات المشهد السياسي إثر إنتخاب السيد محمد عبدالله فرماجو رئيسا لجمهورية الصومال الفدرالية في مقال نشر في أبريل 2017م،إلا أن البعض إنزعج من مضمون تلك المقالة السابقة ظنا منهم أنها بمثابة نذير شؤم لمستقبل العمليّة السياسيّة رغم إدراكهم تلك التحديات الجسيمة والماثلة أمام الحكومة الصومالية الفدرالية فحدث ما حذرته في المقالة السابقة!.
أما الخطابات والرسائل السياسة الصادرة من القيادة والموجهة إلى الكيانات السياسية المعتبرة والشعب أيضا فإنها لم تشف العليل ولم ترو الغليل ولم تطفئ الحرائق السياسية المشتعلة في أكثر من جبهة سياسية، ولم تفتح الأبواب المغلقة أمام أغلب رموز المعارضة السياسية؟ ولم تعثر المفتاح الضائع في بحور أزمات البلاد المتراكمة على الدولة منذ ميلادها عام 1960م! مايعني أن لعنة التشرذم السياسي قد تحولت إلى ظاهرة وثقافة سياسية يصعب تغييرها، أو تقليل مخاطرها على الوطن في الوقت المنظور.
تحدثت في المقالة السابقة عن التركة الثقيلة التي انتقلت إلى العهد الجديد، دون بروز أفق سياسية، مع ضبابية في الرؤية للدولة، وتكريس ثقافة الإنتقام من بعض الكيانات والأحزاب السياسية بابعادها عن التشكيلة الوزارية القديمة والجديدة، وتحكم شخصيات معينة على القرارات المصيرية للدولة بدلا من ترسيخ دولة المؤسسات في العهد الجديد.
التحديات
ونطرح أسئلة حول المحاور التالية وهي: إلى أين وصلت الشعارات الوطنية التي رفعتها القيادة الجديدةأثناء فترة الحملات الإنتخابية؟ وهل إتضحت معالم الخطة السياسيّة الصومالية في العهد الجديد؟ وهل تمكنت الحكومة من تشخيص أزمة التجاذبات السياسيةأم لا؟.
أولا: إذا كانت الوطنية آخر خندق وحصن للسياسي الصومالي خاصة أثناء تسويق مشرعه السياسي بغية الوصول إلى كرسي الحكم فإن معيار نجاحه أو فشله عقب الفوز مرهون بأفعاله وتصرفاته السياسية وذلك في تعاطيه مع قضايا الوطن الشائكة والحسّاسة، وهنا مربط الفرس وحجر الزاوية حيث تبرز قوة الشخصية الوطنية ومعدنها إلى العلن بدفاعها عن سيادة الدولة واستقلالية قرارها،والكرامة الوطنية، كما تضع مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية، والعشائرية، والفئوية.
لقد كاد فرماجو أن يجتاز هذه العقبة بشق الأنفس بانتهاج سياسة جديدة في إدارة الدبلوماسية الصومالية والعلاقات الخارجية، ولكنه وقع في حفرة أخرى شديدة الخطورة دون إداركه ربما، وهي قصة تسليم العقيد عبدالكريم شيخ موسي (قلب طغح) إلى دولة إثيوبيا بسرعة فائقة وبدون مقدمات ودون إجراء تحقيقات معمقة حول ملابسات الحدث تفاديا من نتائجها وتبعاتها المستقبليّة بيد أن القصة كانت لها دلالات آخري وهي إسقاط رمزية الرئيس فرماجو الوطنية، وتلطيخ نضاله وتاريخه السياسي السابق واللاحق أيضا.
إن تسليم العقيد شيخ موسي إلى إثيوبيا تعكس مستوي العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وتعاونهما فيما يحقق المصالح المشتركة بينهما وفق رؤية الحكومة الصومالية، إلا أن أديس أبابا وجدت فرصة ثمينة للانتقام من القيادة الجديدة التي وصلت إلى السلطة بسبب رفعها شعارات وطنية ومعاداة لإثيوبيا حيث كان إنتصار فرماجو في الإنتخابات الرئاسية يوما مشهودا.
وبرغم إقالة مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي من منصبه لدوره في القضية ومسؤوليته المباشرة في تسليم الرجل إلى إثيوبيا إلا أن قضية العقيد (قلب طغح) لن تنتهي إلى هذا الحد بل ستبقي في أذهان الصوماليين إلى أمد طويل.
ثانيا: إتساع رقعة الإنقسام السياسي في المشهد الصومالي وذلك لخمسة أسباب رئيسية وهي:- غياب الشراكة السياسية في الحكومة، وبروز تباين وجهات النظر بين الحكومة الفدرالية وبين الإدارات الإقليمية حول الدستور، والتشريعات الجديدة المعروضة أمام البرلمان،وأزمة الخليج،واللجوء إلى القوة العسكرية في إسكات المعارضة السلمية
محاولات إعداد بعض أعضاء البرلمان مشروع سحب الثقة من الرئيس محمد فرماجو، ورد الحكومة على هذه الخطوة تعكس مستوى التوتر السياسي والتجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة وهو ما لم يكن متوقعا إلا أن السلطة هي التي خلقت الفرصة الذهبية للمعارضة في وقت مبكر جدا.
إن التعديل الوزاري الطفيف في الحكومة قد يؤدي إلى إخماد بعض الحرائق السياسية ذات الطابع العشائري إلا أن المرحلة الحالية تتطلب إستيعاب بعض رموز المعارضة في السلطة، وإن كانت الأخيرة هي الأقوي إداريا وسياسيا وماليا مقارنة بالمعارضة التي تعاني من شح في التمويل، وغياب رؤية سياسية مشتركة، فضلا عن سعيهم لاسقاط رئيس البلاد وهو سيناريو آخر أقل ما يوصف به أنه كارثي على الوطن.
ثالثا: عدم تنفيذ الخطة العسكرية الرامية لبسط الحكومة سيطرتها الكاملة على المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب المتطرفة، والهجوم علي معاقلها بشراسة علما بأن القوي المناوئة للدولة مندفعة وهي في موقع الهجوم علي الدولة بينما الأخيرة والإدارات الإقليمية في موقع الدفاع.
إن الصومال يملك المقومات الأسياسية في شتى المجالات، وما يحتاجه في الوقت الراهن هو التوافق الوطني وتحقيق الإستقرار السياسي في البلد.
وبرغم وجود التحديات سالفة الذكر إلا أن الفرص المتاحة كثيرة، حيث تلقت الحكومة الصومالية دعما ماليا من بعض الدول الشقيقة والصديقة وتصرف جزءا من تلك الأموال إلى إعادة إعمار الصومال، كما تبلورت الخطة الوطنية المتصلة في إعادة هيكلة الجيش الصومالي وإن أحدثت موجة من الردود العينفة من بعض أعضاء البرلمان.
وقد أحرزت الحكومة تقدما في ملفات الحرب على الفساد، وصرف رواتب الموظفين، ونزع فتيل الأزمة السياسيّة بين الحكومة الفدرالية وبين الولايات الفدرالية، ورفع مستوى التعاون بين الصومال وأمريكا في محاربة الإرهاب، وتوجيه وسائل الإعلام الصومالية.
إن أمام فخامة الرئيس السيد محمد فرماجو فرصة لمراجعة مشروعه السياسي، وتقييم أداء حكومته وفريقه، والتعامل مع الوقائع والمعطيات ومخرجات العملية السياسية القائمة على المحاصصة القبلية، وتحقيق مصالحة سياسية والتي لا تستثني على أحدا إلا من أبي، علما بأن الإستقرار السياسي في البلاد سيتحقق عندما تتوفر ثلاثة أمور وهي: الثقة المتبادلة، وتحقيق مصالحة سياسية، وحل الأزمة السياسية بالطرق السلمية والدستورية.