وبعد تفطن الحركة السلفية الدور التخريبي لعسكرة الدعوة وإغلاق المعسكرات رجعت إلى نشاطها الدعوي، ولكنها لم تكن تنازلت عن السعي إلى الحكم الإسلامي؛ لذلك شارك أغلب التوجهات عندما نشاطات المحاكم الإسلامية أو رحب بها، وكان الهدف المعلن من المحاكم تصحيح الأوضاع الفاسدة وإعادة الأمن وتحقيق الحكم الإسلامي.
متى تغيرت النغمة؟
ومن الملاحظ أنه بعد وصول أول رئيس ذو توجه إسلامي إلى سدة الحكم ظهر نوع من التماهي مع السياسة الدولية، وتوقفت الشعارات المطالبة للحكم الاسلامي، اذا استثنينا الدور الذي قام به البرلمان الثامن حين صوت وبأغلبية ساحقة بأن تكون الشريعة الإسلامية المرجع الأساسي للحكم، ولكن لم يحدث بعد ذلك أي تطبيق عملي لأسلمة القوانين، وقد كان القرار في حينه نوعا من سحب الشرعية من الحركات المسلحة التي كانت تحارب الحكومة التي يقودها الإسلاميون آنذاك كالحزب الإسلامي، وحركة الشباب.
وبعد ذلك الوقت أصبح أبناء التيار الإسلامي شبه أغلبية في البرلمان الصومالي بل نستطيع أن نزعم أن حكومتي شريف شيخ أحمد، وحسن شيخ محمود كانتا تتمتعان بأغلبية مريحة من التيارات الإسلامية من كلا المجلسين، وبالإضافة إلى الرئيس، مما جعل للإسلاميين ثقلا سياسيا لا يستهان به، ولكنه سرعان ما أصبح هذا الثقل منزوع الدسم، وتم تدجينه في الأروقة القوى الدولية الداعمة للصومال حتى أصبح البعض منهم يتبرأُ من إنتمائه السابق لإبعاد تهمة التطرف عن نفسه، فضلا عن أن يدافع عن إجتهاداته الفكرية الجديدة هذا وإن كان يحمل اجتهادا فكريا!، بينما أصبح الحديث عن الشريعة في المحافل السياسية في الصومال نوعا من التغريد خارج السرب.
ما بعد المعترك:
ومع وصول أبناء التيار الإسلامي في أروقة الحكم في الصومال أصبح الصوت التقليدي للحركة الإسلامية يخبو، واختفت المطالبة في تطبيق الشريعة؛ وقد تشكلت قناعة لدى بعض رموز الحركة الإسلامية تشير إلى انتهاء الدور التنظيمي للحركات الإسلامية، وينبغي عليهم أن يهتموا بالجانب الإصلاحي والإغاثي والتعليمي فقط، ويتركوا الشأن السياسي للأحزاب، ومع سهولة إنشاء الأحزاب لم نسمع بروز حزب يمثل أحد تلك الحركات مما يشير إلى تلك القناعة.
ومن المؤكد أن دور التقليدي للحركات الإسلامية في الصومال قد انتهي بعد المحاكم الإسلامية، مع بقاء الدور الدعوي والتعليمي والخيري فعالا، أما المجال السياسي فبات حكرا على الاجتهادات الفردية، ومن يرغب في السياسة ما عليه إلا أن يطلب وُدَ قبيلته والمجتمع الدولي، ويتنكر للمطالب التقليدية للحركة الإسلامية، وحتى في داخل مجلس الشعب لم يستطع الإسلاميون تشكيل كتلة برلمانية تحمل توجهات سياسية واضحة؛ لأن التمثيل القبلي لدى بعض هؤلاء أهم من التمثيل الإسلامي بعد أن عصفت الخلافات القبلية أغلب الحركات التقليدية؛ لذلك تحول شباب الحركة الإسلامية الذين توجهوا نحو السياسة جزء لا يتجزء من سياسة المحاصصة القبلية، وهذا كله يضع علامات استفهام على دور المحاضن التربوية للحركات الإسلامية التي فشلت في مهمتها وانشغلت بحماية الجماعة من الاختراق!
ونظرا لنجاح الدور الدولي في ادخال بعض الإسلاميين في المعترك السياسي، وفشل الحركة الاسلامية في ترويض القبيلة وتشظي أجنحتها، ثم فقدانها الرؤية لاستراتيجية الواضحة للتعامل مع طموحات الأجيال اللاحقة للمؤسسين أصبح دور الحركات الإسلامية التقليدية قد اختفى من الساحة وبلا رجعة رغم بقاء بعض الجيوب لحماية الجندي المجهول!، والتباكي على اللبن المسكوب.
ويبدو أن انتهاء هذا الدور التقليدي ليس حكرا على الحركة الصومالية فقط، بل هو عام للإسلام السياسي في العالم، ولكن أغلب الحركات الاسلامية في العالم تفاعلت مع واقعها الجديد، وما زال بعضها يمارس دورا سياسيا في داخل البرلمانات كحركات ذات توجهات واضحة، لا كأفراد، إضافة إلى ذلك فإن تلك الحركات تنشر أدبياتها الحركية واجتهاداتها الفقهية مما يتيح للباحثين متابعة فكرها السياسي، لمعرفة الإنجازات والإخفاقات، بينما أغلب رموز الحركة الصومالية يعيش في المرحلة المكية ويخاف من الظهور في الإعلام.
وعليه فإن السؤال الذي يلح على الجميع هو هل صلاحية الحركة الاسلامية التقليدية في الصومال قد انتهت، أو أنها في طور المراجعة؟، وهل هناك مشروع سياسي للإسلاميين في الصومال أم أن دورهم يقتصر على دعم الأمن والاستقرار؟، وما هي الطريقة المثلى لتطبيق الشريعة في الدولة المعاصرة؟
✍️ عبدالقادر ورسمه