إنتهت يوم الثلاثاء الموافق 5-6-2018م فعاليات المؤتمر الوطني الصومالي المنعقد في مدينة بيدوا العاصمة المؤقتة لولاية جنوب غرب الصومال الفدرالية، وسط عاصفة سياسية هبت على المؤتمر، وما إذا كانت مخرجات المؤتمر ستساهم في إحتواء الخلافات المفتعلة بين المركز والولايات، مع إزالة الشكوك المتزايدة بينهما، فضلا عن وضع خارطة طريق جديدة في المجالات السياسية والعسكرية والإقتصادية بغية الإنتقال إلى مرحلة أفضل ومن معالمها:-
توحيد الجبهة الداخلية المضطربة، وتحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة الشباب المتشددة، وتوزيع خيرات البلاد الطبيعية، ومراجعة الدستور الإنتقالي ثم عرضه على الشعب للإستفتاء ليصبح دستورا دائما، وإجراء الانتخابات العامة في موعدها المقررة 2020م
وقد ترأس فخامة الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو فعاليات المؤتمر، حيث إستغرق لمدة ثلاثة أيام، بمشاركة دولة رئيس الوزراء السيد حسن علي خيري، ونائب رئيس الوزراء، ورؤساء الولايات الفدرالية الخمسة وهم: بونت لاند، وجوبالاند، وجنوب غرب الصومال، وغلمدغ،وهرشبيلي، وعمدة مدينة مقديشو العاصمة، وشخصيات أخرى فدرالية وولائية أيضا.
وقد هيمنت حالة الشد والجذب والتوتر على المؤتمر في يومه الأول وذلك نتيجة الكلمات المتضاربة الملقاة من القيادات الفدرالية، والولائية في المؤتمر الأمر الذي إستدعى إلى مراجعة أجندة المؤتمر، بغية خلق أرضية مشتركة، ولغة مشتركة لمواصلة المشاورات والحوارات المثمرة بين الجانبين.
وقد توصلت الأطراف المشاركة في نهاية المطاف إلى مناقشة أهم الملفات المطروحة أمامهم.
أبرز محاور البيان الختامي
وقد أصدر المجلس الوطني بيانا ختاميا يشمل أربعة محاور أسياسية وهي: الإنتخابات العامة البرلمانية والرئاسية المزمع إجرائها عام 2020م، واقتسام ثروات البلاد الطبيعية، والأمن، وتوحيد السياسات العامة للدولة الصومالية.
المحور الأول: إجراء الانتخابات العامة في البلاد 2020م
وقد إتفقت الأطراف الثلاثة من الحكومة الفدرالية الصوماية، والولايات الفدرالية، وإقليم بنادر على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2020م، وأن تكون مباشرة ومتاحة حيث يشارك المواطنون في عمليات التصويت لإختيار من يمثلهم في أعضاء البرلمان، وكذلك إنتخاب رئيس البلاد بناءا على مشروعه السياسي، وهي خطوة مهمة تستحق الإشادة نظريا وفي حال تنفيذها عمليا فإن الصومال ينتقل إلى عهد جديد، عهد الديمقراطية الحقيقية، كما سيدخل صانعوا هذا التحول الديمقراطي إلى التاريخ من أوسع الأبواب.
وفي هذا السياق شدد المؤتمرون ضرورة مراعاة الظروف الأمنية،والإقتصادية قبل موعد الانتخابات، وتخصيص حصص للقبائل الصغيرة التي تقطن في مناطق القبائل الكبيرة في الصومال.
وفوق هذا وذاك فمن الأهمية بمكان أن تعزز الانتخابات القادمة الوحدة الوطنية، وتخلق الثقة بين الصوماليين، وأن تكون مبنية على النظام الديمقراطي حيث يتنافس الأحزاب فقط في الانتخابات الفدرالية والولائية.
ومن الملفات الحيويّة في هذا المحور تسجيل الناخبين، وتعميم الانتخابات على جميع محافظات البلاد، وهو ما يتطلب تحرير جميع المناطق الخاضعة لسيطرة حركة الشباب المتطرفة قبل وصول موعد الانتخابات القادمة، ويعد هذا البند من أهم التحديات الماثلة أمام الدولة الصومالية.
وقد نال الدستور حظه من المناقشة في هذا المحور وذلك لأهميته ومحوريته في تنظيم الانتخابات القادمة حيث أكد المجلس ضرورة مصادقة قانون الانتخابات عام 2018م، إضافة إلى تطبيق الهيئات الرسمية المعنية بالإنتخابات القادمة مخرجات المؤتمر الحالي في بيدوا عاجلا، ومراعاة المحاصصة القبلية في قوائم الأحزاب السياسية التي ستخوض الانتخابات.
المحور الثاني: تقاسم الخيرات الطبيعية للبلاد ( البترول، والمعادن )
أجمع المشاركون في المؤتمر على ضرورة تقديم الخدمات الأساسيىة إلى جميع المواطنيين الصوماليين بطريقة متساوية، وقد أدركت القيادة الصومالية الفدرالية والولائية أهمية إستخراج الخيرات الطبيعية الكامنة في الصومال، وتمويل المشاريع التنموية ورفع مستوى المعيشة لهم.
الخيرات الطبيعية الكامنة في البر والبحر، مملوكة للدولة الصومالية الفدرالية، ودول الأعضاء في الحكومة الفدرالية، والقيادات العليا للحكومة الفدرالية ورؤسا الولايات الفدرالية هي الجهة المختصة لمناقشة قضية الخيرات الطبيعية في الصومال.كما أن وزارة البترول، والتعدين هي المسؤولة عن إعداد القوانين المنظمة لإستخراج الخيرات الطبيعية، إضافة إلى منح التراخيص للشركات، وبالتعاون والتنسيق مع الهيئات البترولية الولائية.
كما ستقوم وزارات البترول الولائية بإعداد قانون الإستثمار في الخيرات الطبيعية وفي حدود صلاحياتهم، وبالتنسيق أيضا مع وزارة البترول الفدرالية.
إنشاء شركة وطنية صومالية تابعة للحكومة الفدرالية الصومالية، حيث ستتولى مهمة إدارة جميع الملفات المتصلة بتنقيب البترول، والمعادن، وتصديرها أيضا إلى الخارج.
ويكون للولايات الفدرالية أيضا شركة مختصة في إدارة هذا القطاع الحيوي وفي حدود صلاحياتها وفق ما جاء في البيان الختامي.
وفي هذا السياق حدد البيان الختامي الحصص الخاصة للحكومة الفدرالية الصومالية والولايات الفدرالية وهي: للحكومة الفدرالية الصومالية نسبة 55% من الخيرات الطبيعية والولايات الفدرالية 25% والمنطقة المستخرجة منها البترول والمعادن 10% أما المناطق الأخرى غير المستخرجة من البترول فستحصل 10%
المحور الثالث: الأمن
وفي هذا المحور أكد المؤتمرون حماية الوحدة الوطنية، والدفاع عن سيادة البلاد، كما اتفقوا على إعداد الجيش الصومالي وتجهيزه لمواجهة التهديدات الإرهابية في البلاد، للوصول إلى مرحلة يستطيع الصومال أن يحل محل القوات الإفريقية إثر إنسحاب القوات الأخيرة من الصومال.
وشدد البيان الختامي ضرورة إستكمال المرحلة الأولي من إعداد القوات المسلحة الصومالية والشرطة على المستويين الفدرالي والولائي، ويطلق على القوات المسلحة الصومالية التابعة للويالات بـ ” قوات الدراويش ”
وعن إغلاق الطريق العام الذي يربط العاصمة مقديشو إلى مدينة بيدوا العاصمة المؤقتة لولاية جنوب غرب الصومال قرر المجلس الوطني مشاركة قوات الدراويش التابعة لإدارة جنوب غرب الصومال الحملة العسكرية المنطلقة قريبا بغية فتح الطريق العام الذي يربط مدينة بيدوا إلى مقديشو العاصمة، كما تتولى قيادات القوات المسلحة الفدرالية إدارة هذه المعركة والإشراف عليها أثناء سير العمليات العسكرية فقط.
وحدد المجلس الوطني سقفا زمنيا لتقديم اللجنة العسكرية المشتركة خطة عملها إلى المجلس خلال ثلاثين يوما، كما تبذل الدولة الصومالية جهودا مكثفة لتحقيق الاستقرار، وانتعاش الاقتصاد، ورفع سيادة القانون قبل المرحلة الإنتقالية التي تسبق على إنسحاب القوات الإفريقية من الأراضي الصومالي.
وفي هذا السياق تلتزم الحكومة الصومالية الفدرالية تقديم المساعدات العسكرية إلى قوات الشرطة،وقوات الدراويش التابعة للولايات الفدرالية خلال ستين يوما.
كما تقدم الحكومة الفدرالية الصومالية المساعدات العسكرية إلى ولايتي بونت لاند، وغلمدغ لأنهما يواجهان حركة الشباب المتشددة، وداعش في مناطقهما بمفردهما حيث لا تتواجد القوات الإفريقية هنالك.
ورحب المجلس الإصلاحات الأخيرة في قيادة القوات المسلحة الصومالية، وتشكيلاته العسكرية،ونظام الترقيات، والأنظمة العسكرية والمالية المتصلة بالمؤسسة العسكرية.
وقد أمر المجلس اللجنة المسؤولة عن إعادة هيكلة الشرطة الصومالية أن تقدم خطتها الشاملة إلى المجلس خلال 90 يوما.
وثمّن المجلس الجهود المبذولة الرامية إلى تحقيق الاستقرار في مقديشو العاصمة، كما أشار المجلس أن محافظتي شبيلي السفلى والوسطى تقعان ضمن الحزام الأمني لمقديشو العاصمة، وبالتالي يجب التركيز فيهما، وتحقيق الاستقرار الأمني فيهما.
المحور الرابع: السياسات العامة
إمتدح المجلس إنجازات الوزارات الفدرالية والولائية المسؤولة عن وضع خارطة الطريق السياسية في البلاد،كما أشاد المجلس التقدم الذي أحرز في إصلاح المؤسسات المالية للدولة الصومالية،والعمل مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تحقيق ذلك، فضلا عن توحيد الجهود لمحاربة الفساد المالي المنتشر في مؤسسات الدولة.
كما قرر المجلس توحيد قيمة الضريبة المحصولة من المواني،والمطارات، والأنشطة التجارية الأخرى بصورة عاجلة، وتشغيل الأعضاء الممثلين للولايات الفدرالية في لجنة مراجعة الدستورالإنتقالي، وتكثيف الحوارات والمشاورات حول الملفات الفدرالية العالقة بغية إستكمالها، ورحب المجلس مقترح تأسيس المجلس الوطني الاقتصادي.
تجدر الإشارة إلى أن مخرجات مؤتمر بيدوا لا تختلف كثيرا من مخرجات المؤتمرات السابقة والتي لم تجد طريقها للتنفيذ، فهل ستكون النتائج الحالية مجرد حبر على ورق؟ أم أن المجلس الوطني سيتغلب على التحديات الكبيرة الماثلة أمامه قريبا؟