هذا السؤال يتجدد كل سنة مع تخرج الآلاف من طلابنا إلى سوق العمل، ويتجدد أيضا عند المنعطفات الصعبة التي تمر بها أمتنا الصومالية، ويتجدد مرة أخرى عندما نقارن نظامنا التعليمي بالأنظمة التعليمية لدول أخرى، وعند صدور تقارير دولية تحدد مستوى التحصيل العلمي لطلبتنا ومستوى الكفاءة لدى مؤسساتنا التعليمية. عند كل ذلك يأتي هاجس الرضا عن مستوى المُنتج التعليمي النهائي للمُدخلات التعليمية، ويثور التساؤل عند أغلب العاملين في حقل التربية و التعليم الصومالي، وعند الآباء كذلك الذين يهمهم جميعاً الوقوف على نتائج تعبهم وجهدهم.
وقبل شروعي في كتابة هذا المقال حاولت أن أقف على بعض البحوث التي تناولت مخرجات العملية التعليمة في الصومال، لعلي أجد من بين مخرجاتها ما يدل أو يوحي إلى معدل الرضا من عدمه من العملية ككل، لم أجد من بين الكتابات التي اطلعت عليها، ما يشير إلى ذلك، فأغلب ما تم كتابته ، حتى الآن ، في وزارة التربية والتعليم الصومالية ، كان يدور حول ما يجب أن تكون عليها العملية التربوية في الصومال، وبشكل أو بأخر كان الحديث يدور حول جودة التعليم المرجوة، لاعن تقييم كلي وشامل لنتائج العملية التعليمية التي بين يدينا الآن بشكل شامل، ومع ذلك فإنَ قراءة الأرقام الإحصائية الواردة في تلك التقارير ، على سبيل المثال ، والتي تبشر على أنّ نسبة الأمية قد انخفضت وعادت إلى مستوى يٌقارب إلى زمن ما قبل الحرب الأهلية، وأن زيادة عدد الملتحقين في التعليم الأساسي قد أرتفع في السنوات الأخيرة إلى ما نسبته 30%، وبأن المساحات الجغرافية التي وصل إليها التعليم في الصومال قد إتسعت ، وأن أغلب العاملين في سوق العمل هم من خريجي نظامنا التعليمي عند قراءة أو سماع كل ذلك “نرضى”.
وأما عندما نقرا في نفس تلك التقارير بأن نسبة الأمية مرتفعة جداً في مناطق الأرياف وفي البدو الرحل ، وفي مناطق النزاع المسلح ، وبأن مستوى إعدادِ المعلمِ غير مُرض إن لم يكن معدوماً، وأن المناهج الدراسية غير مستقرة ولا متسقة “نستاء” ، وكل ذلك بمجموعه يعني أنّ مستوى مدخلات ومخرجات البيئة التعليمية الصومالية لا ترقى إلى المطلوب ولا تفي أو تغطي إحتياجات المجتمع. فالرضى الكلي عن نظامنا التعليمي ينبغي أن يُقاس على مدى ملائمته وتلبيته لأهداف واحتياجات المجتمع الصومالي، وإلى أي درجة يُحقّق انتقال أثر التعليم إلى الواقع المُعاش بكلّ أبعاده بشكل إيجابي.
وبشكل أو بأخر نحن راضون أمام آلاف الاشخاص الذين تغيرت حياتهم إلى الأفضل، وممتنون لهذا التعليم بأنه ساهم في تحريك عضلات الوطن الاقتصادية والاجتماعية، ولكن عندما ننظر إليه من جوانب أخر ، فإنّه ما مازال أمامنا طريق طويل لكي نصل إلى مرحلة الرضا المطلوبة عن المنظومة التعليمية ككلّ ، خاصة عند استحضار معطيات الواقع واستمرار بعض المشكلات الاجتماعية والثقافية في الوطن ، مثل تفاقم ظاهرة البطالة، وعدم قدرة الوطن على الخروج من دائرة الدول التي تعتاش على المساعدات الخارجية .
إنّ غياب الصومال الطويل من المنافسات والمسابقات الدولية الخاصة في مجالات التربية والتعليم، وعدم مشاركته في صناعة المعرفة المعاصرة، يجعلنا نقف ونتسأل عن السُبل الممكنة التي تقودنا إلى نظام تعليمي نحن واثقون في نتائجه النهائية بدرجة مرضية، وأفضل سبيل إلى تحقيق ذلك هو جعل النقاشات عن مستقبل التعليم في الصومال نقاشات مفتوحة يُشارك بها الجميع بجانب أصحاب التخصصات في مجالاتهم المختلفة، لعلنا بذلك نتلمس الطريق الصحيح إلى تعليم أفضل يلبي احتياجات المجتمع بابعادها المختلفة.