يعتبر الدستور عقدا اجتماعيا يتعايش به الناس، وليس بمقدور أحد تغييره من تلقاء نفسه.
في العالم هناك طريقتان فقط لتغيير الدستور، الأول موافقة الناس من جميع الأطياف على هذا الدستور، والثاني: أن تفرض حكومة عسكرية هذا الدستور على الناس من غير رضاهم، وهذه الطريقة القسرية غالبا ما تدوم.
يمكن أن نتعلم من طريقة تغيير الدستور دون اتفاق من السنوات العشر الأخيرة، كم دولة انهارت نتيجة الدستور دون اتفاق أو كادت، نذكر على سبيل المثال:
اليمن:
عندما انتصرت الثورة العربية التي قادها شباب اليمن، وأطاحت بحكومة علي عبد الله صالح، وتولى عبد ربه منصور هادي مقاليد السلطة في البلاد، أطلق خطة وطنية لإعداد دستور مختلف عن الدستور السابق جاءت ضده قوى مختلفة ذات تأثير كبير، وانتهت الفوضى التي بدأت في تلك المرحلة باستيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، وبالتالي انهارت الحكومة المركزية.
السودان:
وفي السودان، عندما أطيح بالرئيس عمر البشير من السلطة وتولت قوى متحالفة القيادة، أعلنوا دستوراً جديداً وألغوا الدستور السابق. وقد أدى الصراع والخلاف الناتج إلى وصول السودان إلى ما هو عليه اليوم. تعرضت العاصمة الخرطوم لأسوأ تدمير في تاريخها على الإطلاق. السودان، الذي كان له مقام في أفريقيا، دمره الخلاف على دستور لم يتفق عليه أحد.
ليبيا:
تمت الإطاحة بمعمر القذافي في انتفاضة مدنية ومسلحة، والليبيون منذ سنوات يعيشون بموجب قوانين مؤقتة تم الاتفاق عليها. غير أن الحكومة الليبية في العاصمة طرابلس وضعت خطة لدستور جديد، مما أدى إلى صراعات دامية تدخلت أطراف دولية جيوسياسية فيه.
كان تدمير ليبيا بسبب الخلاف على دستور مثير للجدل أضعف ودمر الدولة التي كان لها تأثير كبير في الدول العربية والإفريقية.
كينيا:
في كينيا، ساد النقاش والجدل الناجم عن رغبة في تغيير الدستور أجواء البلاد وكاد أن يتحول إلى صراع، لكن أنقذته السلطة القضائية التي حكمت بعدم شرعية خطة تغيير الدستور، وعللوا ذلك أن أصبح تغيير الدستور جزءا من حملة انتخاب رئيس البلاد.
الختام:
إن انحراف الإدارة الحالية للرئيس حسن شيخ محمود عن عملية استكمال الدستور وفق القانون، وشروعها في إقرار دستور جديد سببه التجاهل أو الجهل بواقع الشؤون في البلاد والمنطقة، وهي رغبة جنونية يمكن أن تدخل البلاد في الفوضى.
على الرغم من معرفة الرئيس الصومالي بأن لا أحد يوافق على هذه الخطة الدستورية، ولا حتى أصدقائه الشخصيين، بالإضافة إلى إدارتي أرض الصومال وبونت لاند الغائبتين، والرؤساء السابقون للبلاد، فإنه خطوته هذه تعتبر مجازفة كبيرة، وإذا أصرّ على هذه الخطوة فإن عواقبه ستكون وخيمة لا سمح الله.
إن مستقبل البلاد يواجه مفترق طريقيتن؛ أحدهما أن الأزمة الناجمة عن هذا الدستور، والتي سيتحملها رئيس الجمهورية وحده، ستكون سبباً في تشرذم الدولة الأمة وتفكك الشعب، وحلها يتطلب عقد مؤتمر مصالحة جديد.
والثاني هو أخطر من ذلك، أن تؤدي الأزمة التي ستنشأ عن الدستور الجديد إلى تفاقم الوضع في البلاد، مما قد يؤدي إلى أن تفكر الجماعات الإرهابية في الاستيلاء على البلاد على غرار طالبان في أفغانستان، فهل يخطط الرئيس حسن شيخ للسير على خطى الرئيس الأفغاني أشرف غني؟.
وأخيرا: كان للرئيس حسن شيخ خلال ولايته السابقة أصدقاء يمسكون بيده ويتشاورون معه أحياناً، لكن خلال ولايته الحالية فإن الوطن والشعب يواجهان مصيرا مجهولا، والسؤال: هل يسلك الرئيس الصومالي طريق تشرذم الدولة؟!!