أغنية بلدوين من أشهر الأغاني الصومالية، ومن أقواها تعبيرا ووصفا وبلاغة، مما يدل على أن اللغة الصومالية لغة غنية بالرصانة الأدبية، والبلاغة التعبيرية، وقد ألفها أديب كبير من أدباء الصومال لاسيما من المناطق الشمالية، وهو محمد إبراهيم ورسمه الهدْرَاوِي، وقام بتلحينها الأديب عبد الكريم جير، وكلاهما توفيا قريبا رحمهما الله، وأدَاها صوتا شجيا الفنان الصومالي الكبير حسن آدم سمتر، وهو من أشهر ألبومه وأحسنها.
بلدوين هي مدينة صومالية استراتيجية محبوبة لدى الناس؛ أنتجت أعدادا ضخمة من الكوادر الصومالية وعلمائها، وهي مدينة جميلة يتلوّى بها نهر شبيلي كما تتلوى الأفعي غصن الشجر، وحكاية الأغنية التي اشتملت وصفا لمدينة بلدوين وحَسْنائها التي شربت من معين نهرها؛كأنها قصة واقعية وقعت من الأديب المؤلف، وقد جاء النظم – كله – في صياغ الاستفهام التقريري، وهو من أحسن أنواع جذب الانتباه، وقد نزلت سورة كاملة من القرآن في هذا مثل الصياغ وهي سورة الفيل، وقد تأمَّلتُ على ذاك النظم – بعد أن أرهقني توزيع كتابي الجديد – لكي أريح نفسي وقرائي، فلنقف مع هذه الحكاية الرائعة، وهذا الأدب الجميل:
Bi’i waa jacaylow
boodhari inuu dilay
been baan u haystee
bi’i waa jacaylow
boogaan la dhayinoo
cidi baanan karinoo
beerka iyo wadnaha iyo
bogga kaaga taalliyo
inuu yahay bir caashaqu
been baan u haystee.
هذا تقرير وإثبات لحقيقة العشق ووجوده، ومشقته، وهو كمقدمة للحكاية والقصة التي رآها ولاقها الأديب في مدينة بلدوين، أو ما يعرف ببراعة الاستهلال وهي الإلماح إلى ما فيه مقصود النظم، وقد اشتمل هذا المقطع على وصف العشق بأنه قرحة في الصدر لا تبرؤ أبدا، وهذا الوصف دقيق جدا، فالعشق الحقيقي لا يتلاشي مع مرور السنين والأيام، مهما كانت الظروف وتقلّبت الأزمان.
Webigoo butaacoo
beeraha waraabshoo
dhulku baadku jiifoo
dhirta ubaxu buuxshoo
badarkiyo gelleyddii
laga tuuray baalkoo
canabkii bislaadoo
bulladiyo ciyaaraha
lagu waa bariistoo
beeluhu gu’ joogaan
saw bari samaadkii
beledweyne maan tegin?.
بدأ الأديب بالصفة قبل الموصوف، وهذا تعبير قوي جدا، جذب انتهابي وإعجابي بهذا الأديب البارع، فلم يذكر اسم بلدوين إلا في آخر المحطة، تعظيما لشأنها، وتفخيما لها لِمَا تأوي تلك المدينة من شخصية عجيبة سيأتي وصفها، وقد بدأ الأديب وصفه بأهمّ معالم المدينة وهي النهر والمحصولات الزراعية، ولكي يجعل الجوّ ملائما جدا للعشق ذكر أن وقت زيارته للمدينة كان في فصل الربيع الجميل الذي يلعب فيه أهل بلدوين كل صباح بألعابهم المعروفة، فيالها من روعة وجمال ووصف غريب.!!!
Dhanka bari magaalada
saw boqorod joogtoo
biyo dahab la moodoo
bilicdii haweenkiyo
loo dhammeeyoo.
Timo boqonta joogoo
baal goray la moodoo
baarkana casaankii
bidix midig is gaaroo
bul cad lagu sideeyo.
bar ku seexanaysoo
barkanaysa qaaroo
huuwanaysa baaloo
igu beertay lahashoo
u buseelay maan baran?.
يمزج الأديب وصف المدينة التي وصفها بأنها جميلة الدينا، بوصف آخر أجمل من المدينة نفسها حيث تعطي المدينة مزيدا من الروعة والجمال، فذكر أن في الضفة الشرقية من المدينة فتاة جميلة رشيقة حسناء،!! وتبرز القوة الأديبة التي منحها الله لهذا الأديب في وصفه لتلك الحسناء حيث شبه لونها بماء الذهب لاصفراره، ثم وصف شَعرها بالدقة واللون الأسود المحيط بالأحمر، ووصفه بالطول المفرط، حيث ذكر أن طول شَعرها يبلغ الكعبين، وأنها تضطجع على بعضه وتغطي ببعضه جسمها من البرد والحرّ، ولتلك من مبالغات البلاغة التي اشتهر بها فحول الأدباء والشعراء، فليس هناك شَعر يبلغ هذا المبلغ من الطول ولكنه الإفراط في وصف الجمال.
Saw goor barqa ahoo
bishu ay siddeed tahay
aniga iyo beerlula
isku maanan soo bixin.
saw bariidadaydii iyo
badashadeedii..
buundada ciyaartee
beledweyn ku taalee
biyo lulata guudkood
badhtankeeda maahayn?.
هذه هي ساعة الصفر التي فجَّرت القصة، وجعلتها مكتوبة وملفوظة ومحفوظة في الأذهان، ولكي يجعل الجوّ مناسبا للرؤية الدقيقة ذكر أن وقت اللقاء كان ضحى تداعب الشمس وجوه الناس،!! ولكي يؤكد أن هذه الواقعة الغريبة كانت في بلدوين دون غيرها ذكر أن مكانها كان في وسط الجسر المشهور في وسط المدينة فكان هذا اللقاء الساخن، ولكي يعطي لهذا الجسر التاريخي أهمية كبيرة ذكر أن أولى طلعات الكلام المتبادل كانت على متنه.!!
Sow bixiso weeyee
balan maanu dhiganoo
beri joog imay oran.
sow bayd go’aygii
layguma bushaarayn.
maantaa la baxayaa
bulshadii imay oran.
sow waa bestayoo
socod beegsan maayee
Ina baaja caawoo
I baxnaansha maan oran
sow taliye baasoo
ba’ anoo war moogee
taydii ma beeneyn
sow badiba kooxdii
goortay badheedheen
baabuurka fuuleen
ana baal kamaan korin?.
ثم يذكر الأديب بداية أزمة قصته، حيث اتفق مع معشوقته الحسناء على متن ذاك الجسر المزدحم في عقد لقاء خاص بعيدا عن أعين الناس، ولكي يعطي الأزمة شدَّة وبأسا يذكر أن الحسناء طلبت منه أن يؤخر اللقاء إلى غد، ثم يشتد الأمر حينما يذكر له رفقاؤه وزملاؤه بأن السفر والعودة إلى مقديشو في نفس الموعد مع المعشوقة، فيا لها من أزمة،!! ولم يتمالك نفسه عندما أعلن أنه مريض ويطلب تأخير السفر،!! ولكن قائد المجموعة – وكانت في مهمَّة عمل في بلدوين – رفض الطلب وأبطله، فوصفه بأنه جاهل مشؤوم،!! ولكي يعطي للسامع مبررا لمغادرته (المشؤومة) للمدينة يذكر الأديب أنه لما رأى معظم الرفقاء قد ركبوا المركبة اضطرَّ للركوب.
Boholyow daraaddii
sow baraq nuglaantii
balo lagu ducaystiyo
baryo kuma maqnaynoo
biri may xumaatoo
batroolka daadsho
ka wadaa bukoodoo
bogsan waayo maan oran
Sow beriga waagiyo
barqa kulul dhexdoodii
geed baaxad weynoo
dherer iyo ballaar lehoo
baladweyn ku caanoo
la yiraahdo baaroo
bilig dheer hirkiisii
ma bidhaansanaynoo
bulxankiisa yeedhiyo
ma maqlaynin baaqoo?.
ثم يذكر الأديب محنة مفارقته لمدينة بلدوين، وأنه اضطر للدعاء بالشر، نتيجة حبّه لمدينة بلدوين ومعشوقته، حيث سأل الله أن يعطل المركبة، وأن ينـزل الله على سائقها داء لا يبرؤ منه، حيث حال دون لقيا معشوقته، وبينما أعطى حسَّه وانتباهه لشجرة عريضة طويلة اسمها (baar) يشاهدها ويتعجَّب بها تشغله عن متابعة أخبار المركبة ، ومن الوصف البليغ للأديب أنه أضاف الشجرة لبلدوين، وذلك لربط العارض بالقصة، والصفة بالموصوف، وأنه من الشمال حيث لا يعرف الشجرة لكونها معروفة في ضفاف نهري شبيلي وجوبا في جنوب الصومال.
Sow baaxad soorihii
iyo laba boglayntii
maan noqon bestayoo
bacadkii ma dheelliman.
sow galab boqoolkii
annagoo barwaaqiyo
meel baadle joognoo
tumanaynna Beerrey
Sooma soo baraarugin
riyo beena weeyee
saw baalla daymii
baabuur lalaayoo
haad baalle moodoo
fananaayo buur dheer
isma oran ka boodo
nafta sow ma biimayn
nin Banaadir joogoo
baledweyn la haystoo
waxaan ahay la baabee
saw baadi doonkii
wali baafis maan ihi
يواصل الأديب قصة محنته حيث ذكر أنه مرض في الطريق بعد أن تعب من مواصلة السير وحده، وأنه رأى في المنام أنه وفي وقت مساء متأخر كأنه في مكان جميل فيه طعام وشراب ولعب في حدائق جميلة، لكنه يتفاجئ بعد أن صحا بأنه في مكان خال فيها التلال المعروفة في إقليم هيران، ولا يوجد فيها مواصلات وسيارات،!! ومن الوصف البليغ أنه شبه السيارات بطائرات بعيدة لبعدها عنه، وأن جمال بلدوين كانت حاضرة في ذهنه حتى في منامه، وبينما هو وصل إلى منطقة بنادر وهي مقديشو العاصمة يذكر الأديب أنه لن يتراجع عن البحث عن معشوقته مهما كانت الظروف.
ثم يختم الأديب نظمه بالدعاء لمدينة بلدوين ولمعشوقته التي نشأت وترعرعت في تلك المدينة بالرفاء والعافية والطمأنينة.