خطورة قرارات محكمة عدالة شرق أفريقيا في ظلّ المحسوبية المتجذّرة داخل مؤسسات الدولة الصومالية
يمثّل القرار الأخير الصادر عن المحكمة العليا التابعة لمحكمة عدالة شرق أفريقيا (EACJ) تحوّلًا خطيرًا يكشف عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها مؤسسات الدولة الصومالية.
فالقرار لا يقتصر على الطعن في نزاهة انتخاب تسعة أعضاء لبرلمان شرق أفريقيا، بل يسلّط الضوء على شبكة المحسوبية الراسخة داخل الهياكل الحكومية، وهي المحسوبية التي أفسدت مسار الحياة السياسية والإدارية لعقود طويلة.
وما كشفته المحكمة من فساد، ومحسوبية، وغياب للشفافية، ليس إلا تعبيرًا دقيقًا عن واقع أعمق؛ واقعٌ ترث فيه كلّ حكومة أخطاء سابقتها، حتى أصبحت المحسوبية هي القاعدة، وغدت الشفافية استثناءً نادرًا محدودًا.
ومن هنا تتجاوز خطورة القرار بُعده القانوني إلى رسالته السياسية والإقليمية: أنّ الدولة الصومالية، بصيغتها الحالية، عاجزة عن إنتاج عملية سياسية عادلة تقوم على احترام القانون ومبدأ تكافؤ الفرص.
ويضع القرار البلاد أمام ثلاثة مخاطر رئيسية:
1. فقدان الثقة الدولية في قدرة الصومال على إدارة مؤسساته
إذ إنّ توصيف الانتخابات بأنها غير شفافة ومثقلة بالفساد ينعكس مباشرةً على مصداقية الدولة في أبرز المحافل الإقليمية، ويقود — بالضرورة — إلى التشكيك في نزاهة الاستحقاقات الانتخابية التي تعتزم الحكومة الحالية تنظيمها داخل البلاد؛ سواء في مقديشو التي لا تزال تفتقر إلى ضمانات قانونية حقيقية لسكانها، أو في آليات اختيار أعضاء البرلمان الفيدرالي القادم وما يترتب عليها من انتخاب الرئيس المقبل.
ومآل ذلك كلّه أنّ الدولة ستواجه صعوبة متزايدة في تبرير أيّ إجراءات رقابية أو إصلاحية مستقبلية، فيما يصبح خطابها السياسي بشأن الانتخابات المقبلة أقرب إلى الوهم منه إلى المصداقية.
2. تعميق الانقسام الداخلي
فالكشف عن هذا المستوى من المحسوبية يبرز حجم التنافس غير العادل داخل البرلمان وسائر مؤسسات الدولة، من أدنى درجاتها الإدارية إلى أعلى هرمها التنفيذي، وهو ما يزيد الاحتقان السياسي ويضعف الثقة بين المواطن ومؤسسات الحكم، كما ينعكس سلبًا على مكانة النظام الصومالي أمام المحافل الدولية.
3. إضعاف مكانة الصومال داخل مجموعة شرق أفريقيا وتقليص هيبة الدولة داخليًا
فالقرار يمثل سابقة قانونية محرجة، ويفرض ضغوطًا سياسية وقانونية إضافية على الحكومة لإعادة النظر في منظومتها الإدارية والانتخابية. كما أنّ انعكاساته الداخلية تمسّ هيبة الدولة، وتُشعِر المواطن بأن مؤسسات الحكم لا تزال رهينة الولاءات لا الكفاءات.
لقد أكّد هذا الحكم أنّ الأزمة الراهنة ليست مجرد أزمة انتخابات، بل هي أزمة نظام سياسي وإداري يقوم على الولاءات الشخصية والمحسوبية بدلًا من القانون والكفاءة. وما لم يُعاد بناء منظومة الحكم على أسس شفافة، مستقلة، وعادلة، فستظلّ الصومال عالقة في الحلقة نفسها من الفشل، مهما تبدّلت الحكومات وتغيّرت الوجوه.
إنّ مواجهة هذه الأزمة تتطلّب إرادة حقيقية للإصلاح، وبناء مؤسسات قائمة على الشفافية والعدالة، وسيادة القانون، والكفاءة. فالتغيير لا يتحقّق إلا بالالتزام بمبادئ الإسلام الحنيف على نهج السياسة الشرعية، وبمشاركة المواطنين الفاعلة في صياغة مستقبل دولتهم، لإعادة هيبة الدولة الصومالية وتعزيز أدائها داخليًا وخارجيًا، بعيدًا عن النظام الفيدرالي الفاسد الحالي الذي كرّس المحسوبية وفرّق المجتمع.
بقلم: علي أحمد محمد المقدشي
















