وضعت قوى إقليمية ودولية عديدة الزيارة التي قام بها رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إثيوبيا تحت المجهر، لأنها عبرت عن صياغة جديدة في العلاقات مع الدول الأفريقية قوامها الحفاظ على المصالح المشتركة والتأسيس لنمط حيوي في التفاعلات الإقليمية.
وتجنبت أبوظبي تكرار منظومات أخرى في التعامل مع دول القارة، فغالبية القوى التي ذهبت إلى أفريقيا في السنوات الماضية كانت مكبلة بميراث استعماري ثقيل أو انتهازية مفرطة أو منافسة محمومة أو لديها طموحات معبأة بتصورات عقائدية مقيتة، ما حوّل أو كاد أن يحوّل العديد من الدول الأفريقية إلى حقل تجارب لممارسة النفوذ.
وتركت دولة الإمارات كل هذه الثيمات وركزت على مبدأ تعظيم المصالح، واختارت إثيوبيا لتدشين تصورات عملية يمكن البناء عليها لشراكات خاصة مع دول شرق أفريقيا وغيرها عندما تنضج الظروف وتتراجع الصراعات في بعضها، وتعد العلاقة بين أبوظبي وأديس أبابا مرتكزا مهما يمكن الولوج منه إلى كافة أنحاء القارة.
ولم يأت اختيار إثيوبيا صدفة من قبل قيادة الإمارات، فقد وقع عليها الاختيار سابقا من جانب قوى دولية رأت في هذه الدولة إمكانية واعدة لتمثل نموذجا تنمويا يشع في المنطقة، حيث تمتلك الكثير من المؤهلات التي تساعدها على تحقيق معادلة صعبة في منطقة لم تبارحها الصراعات والنزاعات على مدار العقود الماضية.
أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة وقتها في الاختيارات، ورأت أن إثيوبيا، لأسباب كثيرة، هي المركز الذي يمكن الانطلاق منه في أفريقيا، ربما تعطل هذا المشروع لدواعي تشابكات إقليمية ومناوشات جانبية متفرقة، كما أن التحديات الداخلية التي واجهتها إثيوبيا، ولا تزال بدرجة أقل، أعاقت خروج هذا المشروع إلى النور.
وكشفت نوعية الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها الشيخ محمد بن زايد ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الجمعة، بين جهات مختلفة في البلدين، عن استعداد لتطوير علاقات الشراكة التنموية وتنويع مجالاتها في قطاعات مختلفة.
يفهم المراقبون من تفصيلات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم أن أبوظبي تذهب إلى أفريقيا بشكل مغاير عن غيرها، فقد اقتربت من أديس أبابا وفي ذهنها منح أولوية للبعد التنموي، حيث يمثل حاجة مُلحة لشريحة كبيرة من الإثيوبيين ويخفف عنهم مشكلات الفقر التي ظلت عائقا أمام تحويل دولتهم إلى عنصر للاستقرار في المنطقة.
شملت الاتفاقيات مناحي عدة، فهناك اتفاقية للتعاون في مجال المساعدة الإدارية المتبادلة في الشؤون الجمركية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات في مجال التطوير والتحديث الحكومي، والتعاون في مجال الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وإعلان مشترك للتعاون في مجال العمل المناخي.
ولعل المحتويات التي شملتها كل اتفاقية ومذكرة تفاهم تعبر عن وجود رغبة في أن تكون الشراكة دقيقة وعميقة، ولن تزعج أو تستهدف أحدا، فقوامها الرئيسي اقتصادي وتنموي وعلمي، وهو ما يميز مقاربة الإمارات عن غيرها من المقاربات التي اعتقدت أن الكثير من الدول الأفريقية حقل تجارب عسكرية أو مجال لعصر مواردها أو حتى مناكفة قوى أخرى.
أخفقت المقاربات الفوقية في تحقيق مصالح الدول الأفريقية، وبدأ الكثير من الحكام والشعوب يضجّون من التكالب على بلدانهم من قبل قوى شتى ومتنافرة، أغلبها مدفوعة بأهداف خفية أو سعيا وراء استكمال حلقات الاستعمار القديم في ثوب جديد.
لذلك فإن اعتماد أبوظبي على مقاربة قوامها البعد التنموي سوف يكون كفيلا بأن يوفر لها جاذبية إقليمية لا تجعلها قاصرة على إثيوبيا، فهي بداية لمشروع يجد في القوة الاقتصادية سبيلا لتحقيق المصالح المشتركة التي تحتاجها غالبية الدول الأفريقية.
تعاملت بعض القيادات الأفريقية بحساسية شديدة مع الاستعمار الأوروبي الكلاسيكي، وتعمل على نبذه وإيجاد توازنات بعيدة عن القواعد التي أرساها وكانت ضد مصالح شعوب القارة، حيث انطوت على استلاب فاضح لثرواتهم.
الرئيسية
الإمارات تشيّد علاقات خاصة مع إثيوبيا كمرتكز لعلاقاتها مع أفريقيا
الاثنين 2023/08/21
ShareWhatsAppTwitterFacebook
خطوة نحو تطوير علاقات الشراكة
لم تدخل الإمارات الدول الأفريقية من بوابة الاستعمار وإنما من بوابة هي في أشد الحاجة إليها وهي التنمية الاقتصادية، مراهنة على تبادل المصالح المشتركة بين الشعوب، ما يمهد لها من خلال اتفاقياتها الموقعة مؤخرا مع إثيوبيا المرور نحو بقية الدول وتعزيز نفوذها في القارة السمراء.
أبوظبي/ أديس أبابا – وضعت قوى إقليمية ودولية عديدة الزيارة التي قام بها رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إثيوبيا تحت المجهر، لأنها عبرت عن صياغة جديدة في العلاقات مع الدول الأفريقية قوامها الحفاظ على المصالح المشتركة والتأسيس لنمط حيوي في التفاعلات الإقليمية.
وتجنبت أبوظبي تكرار منظومات أخرى في التعامل مع دول القارة، فغالبية القوى التي ذهبت إلى أفريقيا في السنوات الماضية كانت مكبلة بميراث استعماري ثقيل أو انتهازية مفرطة أو منافسة محمومة أو لديها طموحات معبأة بتصورات عقائدية مقيتة، ما حوّل أو كاد أن يحوّل العديد من الدول الأفريقية إلى حقل تجارب لممارسة النفوذ.
وتركت دولة الإمارات كل هذه الثيمات وركزت على مبدأ تعظيم المصالح، واختارت إثيوبيا لتدشين تصورات عملية يمكن البناء عليها لشراكات خاصة مع دول شرق أفريقيا وغيرها عندما تنضج الظروف وتتراجع الصراعات في بعضها، وتعد العلاقة بين أبوظبي وأديس أبابا مرتكزا مهما يمكن الولوج منه إلى كافة أنحاء القارة.
ولم يأت اختيار إثيوبيا صدفة من قبل قيادة الإمارات، فقد وقع عليها الاختيار سابقا من جانب قوى دولية رأت في هذه الدولة إمكانية واعدة لتمثل نموذجا تنمويا يشع في المنطقة، حيث تمتلك الكثير من المؤهلات التي تساعدها على تحقيق معادلة صعبة في منطقة لم تبارحها الصراعات والنزاعات على مدار العقود الماضية.
أخذت دولة الإمارات العربية المتحدة وقتها في الاختيارات، ورأت أن إثيوبيا، لأسباب كثيرة، هي المركز الذي يمكن الانطلاق منه في أفريقيا، ربما تعطل هذا المشروع لدواعي تشابكات إقليمية ومناوشات جانبية متفرقة، كما أن التحديات الداخلية التي واجهتها إثيوبيا، ولا تزال بدرجة أقل، أعاقت خروج هذا المشروع إلى النور.
◙ دولة الإمارات اختارت إثيوبيا لتدشين تصورات عملية يمكن البناء عليها لشراكات خاصة مع دول شرق أفريقيا
وكشفت نوعية الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها الشيخ محمد بن زايد ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، الجمعة، بين جهات مختلفة في البلدين، عن استعداد لتطوير علاقات الشراكة التنموية وتنويع مجالاتها في قطاعات مختلفة.
يفهم المراقبون من تفصيلات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم أن أبوظبي تذهب إلى أفريقيا بشكل مغاير عن غيرها، فقد اقتربت من أديس أبابا وفي ذهنها منح أولوية للبعد التنموي، حيث يمثل حاجة مُلحة لشريحة كبيرة من الإثيوبيين ويخفف عنهم مشكلات الفقر التي ظلت عائقا أمام تحويل دولتهم إلى عنصر للاستقرار في المنطقة.
شملت الاتفاقيات مناحي عدة، فهناك اتفاقية للتعاون في مجال المساعدة الإدارية المتبادلة في الشؤون الجمركية، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات في مجال التطوير والتحديث الحكومي، والتعاون في مجال الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وإعلان مشترك للتعاون في مجال العمل المناخي.
ولعل المحتويات التي شملتها كل اتفاقية ومذكرة تفاهم تعبر عن وجود رغبة في أن تكون الشراكة دقيقة وعميقة، ولن تزعج أو تستهدف أحدا، فقوامها الرئيسي اقتصادي وتنموي وعلمي، وهو ما يميز مقاربة الإمارات عن غيرها من المقاربات التي اعتقدت أن الكثير من الدول الأفريقية حقل تجارب عسكرية أو مجال لعصر مواردها أو حتى مناكفة قوى أخرى.
أخفقت المقاربات الفوقية في تحقيق مصالح الدول الأفريقية، وبدأ الكثير من الحكام والشعوب يضجّون من التكالب على بلدانهم من قبل قوى شتى ومتنافرة، أغلبها مدفوعة بأهداف خفية أو سعيا وراء استكمال حلقات الاستعمار القديم في ثوب جديد.
لذلك فإن اعتماد أبوظبي على مقاربة قوامها البعد التنموي سوف يكون كفيلا بأن يوفر لها جاذبية إقليمية لا تجعلها قاصرة على إثيوبيا، فهي بداية لمشروع يجد في القوة الاقتصادية سبيلا لتحقيق المصالح المشتركة التي تحتاجها غالبية الدول الأفريقية.
تعاملت بعض القيادات الأفريقية بحساسية شديدة مع الاستعمار الأوروبي الكلاسيكي، وتعمل على نبذه وإيجاد توازنات بعيدة عن القواعد التي أرساها وكانت ضد مصالح شعوب القارة، حيث انطوت على استلاب فاضح لثرواتهم.
ويتكرر المشهد بصورة جديدة مع تنامي الدخول الصيني الانتهازي إلى بعض الدول الأفريقية، والتسلل الروسي متعدد الوجوه لمنافسة القوى الغربية والاستيلاء على ميراثها، وحتى التدخلات التركية والتطلعات الإيرانية لا تخلو من أهداف أيديولوجية، وجزء كبير من نتائجها يمكن أن يضاعف مخاطر الصراعات في القارة.
تركت الإمارات كل هذا جانبا ومنحت أولوية لفكرة المصالح المتبادلة، والتي تفتح المجال أمامها لتوطيد علاقات على مستويات متعددة، وتمنح مشروعها فرصة كبيرة للنجاح، لأنه يعزف على أحد أهم الأوتار الغائبة في مشروعات الآخرين التي تمت تجربتها السنوات الماضية ولم يسفر معظمها عن نتائج ملموسة تصب في مصلحة الشعوب الأفريقية التي يعلو صوتها طلبا لمزيد من التنمية.
وتواجه القيادة الإثيوبية تحديات كبيرة في الداخل والخارج يمكن أن تزداد صعوبة إذا أخفقت قيادتها في تحقيق قفزة تنموية، فالصراع الضاري في إقليمي أمهرة وتيغراي يمكن أن تتجاوزه الحكومة المركزية في أديس أبابا عندما تتمكن من تحقيق طفرات تنموية من خلال شراكات متباينة، في مقدمتها الشراكة الصاعدة مع الإمارات.
كما أن أزمة سد النهضة مع مصر والسودان يمكن تفكيكها إذا توصل الطرفان إلى تفاهمات تحقق لكليهما مصالحهما الحيوية، وتعد التنمية عنصرا مشتركا فيها، لأن أديس أبابا لن تتحمل أن تواصل طريقها الاقتصادي في غياب اتفاق مع القاهرة والخرطوم.
ناهيك عن تداعيات الحرب الراهنة في السودان على إثيوبيا التي تتجاوز الحدود العسكرية، فقد تتقاطع روافدها مع أزمات حدودية مزمنة بين البلدين، ونزوح جماعي كفيل بأن يستنزف الكثير من مقومات التنمية أو يعوقها ما لم تجد أديس أبابا حلا مناسبا.
تذهب الإمارات إلى إثيوبيا وفي ذهنها الشراكة التنموية التي تقودها إلى توطيد علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة، لكنها لم تذهب لتلعب دور مطفئ حرائق في إثيوبيا أو غيرها، فالتنمية هي القاطرة المهمة التي يمكنها أن تقوم بهذا الدور.
وتم في أديس أبابا خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد التوقيع على مذكرات تفاهم بشأن معيار الإمارات للتسليم الجيد للذهب، وأخرى بين شركة عملات الأمنية وبنك إثيوبيا الوطني، وبين شركة الاتحاد لائتمان الصادرات (ش.م.ع) وشركة التأمين الإثيوبية، وبين شركة الاتحاد لائتمان الصادرات (ش.م.ع) وبنك إثيوبيا التجاري، فضلا عن مذكرة بين شركة الاتحاد لائتمان الصادرات وبنك إثيوبيا للتنمية، وبين غرفة تجارة وصناعة أبوظبي وهيئة الاستثمارات الإثيوبية، وبين اتحاد غرف الشارقة وهيئة الاستثمار الإثيوبية، وبين موانئ أبوظبي وشركة إثيوبيا القابضة للاستثمار، وبين موانئ دبي العالمية ووزارة النقل واللوجستيات الإثيوبية.
وجرى وضع خارطة طريق بين مجموعة مصدر ووزارة المالية الإثيوبية، والتوقيع على خطاب نوايا بين شركة أبوظبي الوطنية للنفط (أدنوك) ووزارة الزراعة الإثيوبية، ومذكرة تفاهم بين مجموعة الظاهرة وهيئة الاستثمار الإثيوبية، وأخرى بين شركة تالك الاستثمارية ووزارة الزراعة الإثيوبية.
وتوفر القراءة المتأنية لهذه الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الكثير من المعطيات التي تؤكد أن ذهاب الإمارات إلى إثيوبيا هو بداية لتشييد نموذج قابل للحياة في شرق أفريقيا، وإشارة إلى أن المقاربات الجيدة يمكن أن تجد طريقها في قارة سئمت من استنزاف مقدراتها ونهب ثرواتها، وعلى موعد لنبذ جزء معتبر من صراعاتها.
المصدر: العرب