الرئيس حسن شيخ محمود، الرجل المحظوظ الذي كسر عُرف انتخابات الصومال في نصف قرن في جميع انتخابات البلاد، بحيث أعيد انتخابه مرة ثانية لينال نصيبا وافرا لم يظفر به سياسي صومالي من قبله، وليُمنح فرصة ثمينة من أجل إحرازه الهدف الأكبر المنشود بتطبيق شعاره الانتخابي “صوماليون متفقون، مع العالم متصالحون”، المرسوم بشكل القطار فائق السرعة.. اختار هذا الشعار بحنكته وخبرته المحلية ودرايته بواقع الصومال المرير من جفاف، واقتتال ديني، وخلافات قبلية بائسة، وتدخلات خارجية أجنبية، لكي يستفيد من أخطائه السابقة خلال ترؤسه البلاد لأربع سنوات (2012-2016م)، أيضا بخبرته وتجاربه إبان معارضته للنظام الرئيس السابق محمد فرماجو لخمس سنوات.
مقالنا هذا ينظر ويتحدث عن إنجازات الرئيس بعد سنة كاملة من حكمه، خلافا للقاعدة التي تقيس حكم الإنسان بعد 100 يوم من حكمه، لأن الصومال ليس كأمريكا والبلاد الغربية التي تقاس بمعيار الأزمان القصيرة. فالبلد أنهكته الحروب والسنوات القاحلة طيلة 30 سنة، ولكن بما أن الموضوع نوقش من قبل القنوات المحلية وبما أن الرئيس نفسه شارك وناقش قبل شهر في ندوة شبابية وأجاب عن الأسئلة الصعبة خلال حكمه في هذه السنة، فلا بد من إبداء الرأي ومحاولة إظهار أهم الإنجازات بميزان الصوماليين، وليس بعيون أجنبية متطفلة، غير مدركة حقيقة الواقع، لذللك سنقوم بإذن الله بتقسيم أهم الإنجازات إلى المستوى الداخلي، والمستوى الخارجي.
المستوى الداخلي
1- مواجهة أكبر تحدٍ للصومال وهو الجفاف:
الرئيس حسن شيخ محمود واجه بسرعة وبفهم عميق؛ التحدي الأكبر للصومال وهو الجفاف، أو الشح الشديد للأمطار وأزمة المناخ العالمية، والذي يعتبر بمثابة تهديد وجودي لطبيعة الإنسان الصومالي وبيئته. من أجل ذلك عيّن الرئيس النائب عبد الرحمن عبد الشكور مبعوثا خاصا لهذه الأزمة، مدركا حجم المعاناة التي يعيشها الشعب الصومالي تحت وطأة الجفاف الذي يمكن أن تهدد بمجاعة لسبعة ملايين شخص لا قدر الله. وجعل من مهام المبعوث الإعلان عن المناطق المنكوبة وأن يلفت أنظار المجتمع الدولي لحجم المجاعة التي تنتظر الشعب الصومالي، كما جعل من أهم أولوياته وضع خطط واستراتيجيات لأجل التخلص من التحديات الجفافية والتصحرية المتكررة في كل عام وإلى الأبد.
وفعلا قد حقق النائب عبد الرحمن عبد الشكور الهدف المرجو وزار جميع الدول العربية والدولية والهيئات المهتمة بشؤون الصومال الإنسانية، حيث وعدت جميع هذ الفئات بما يقرب من مليارين ونصف المليار دولار أمريكي عونا.
كما واستحدث الرئيس لأول مرة وزارة البيئة والتغيير المناخي دفعا للكوارث البيئية المتكررة، وحدّاً من تداعيات التغير المناخي، ومكافحة التصحر، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وهذا أيضا من أكبر حسناته الجديدة كرئيس صومالي جديد.
2- إعلان الحرب على حركة الشباب
الرئيس بدأ بإعلان حرب بلا هوادة على حركة الشباب المسلحة، وهيّج القبائل ضدها وبدأ بقتال الحركة بطريقة جديدة وبثلاثية أهداف ممنهجة وهي:
أولاً: فقد بدأ بتجفيف منابع الدعم المالي للحركة، حيث اجتمع مع تجار المال والبنوك وطلب منهم عدم التعامل معهم، وحجز جميع الأموال المشبوهة وهددهم بأنهم تحت العقاب بكل من تعامل مع هذه الحركة، وقد استجابت شركات الاتصال والبنوك لتوجيهات الرئيس، وهذا أدى إلى أكبر ضربة موجعة للحركة، حتى فُهم من قبل الناطق باسم الحركة بتهديده لأصحاب البنوك وأنه سيحاسب جميع من يستمع لتوجيهات الرئيس؛ ما أشعر الجميع بأنه فعلا قد بدأ الصراع بين التجار وحركة الشباب.
ثانيا: اقترح الرئيس فكرة عقد مؤتمر عام لجميع علماء المسلمين في الصومال بكافة أطيافهم، وطالبهم بترك الخلافات الجانبية والاهتمام بتكثيف التوعية الدينية ضد حركة الشباب ومحاربتها فكريا بإشراف وزارة الأوقاف. وفعلا رأينا أكبر مؤتمر لجميع المشايخ المؤثرين بالشعب الصومالي بجميع اتجاهاتهم؛ من صوفية (قدرية- صالحية)، وإخوانية (حركة الإصلاح- وآل الشيخ- وحركة دم الجديد)، وسلفية (حركة الاعتصام- وسلفيين مستقلين- والسلفية العلمية التقليدية). وقد أجمع العلماء في هذا المؤتمر بعد أربعة أيام من المناقشة الطويلة على أن حركتي الشباب وداعش إرهابيتان مارقتان، ويجب مقاتلتهما كحكم فرقة الخوارج والبغاة، كما اعتبر المؤتمر أن أي نوع من التعاون معهما أو إخفاء أي عضو منهما يعتبر من المحرمات الشرعية.
ثالثا: الرئيس حسن شيخ محمود استفاد من ثورة بعض القبائل ضد حركة الشباب وأمدهم بالمال والجيش والعتاد، وحقق انتصارات كبيرة وهذه الطريقة وإن كانت تشبه طريقة الصحوات في العراق ضد القاعدة 2006م ولكن تختلف عنها؛ أولاً: أن مقاتلة الشباب هي بإشراف صومالي وليس أجنبيا، وثانياً: أن تمويل هذه الثورة هو تمويل محلي أيضا من الشعب نفسه ومن الدولة لذا يكون الانتصار مختلفا عن العراق وعن سوريا.
3- الاجتماع مع زعماء الولايات الفدرالية أكثر من مرة
الرئيس حسن شيخ محمود اجتمع مع زعماء الولايات الفدرالية في أكثر من ستة مؤتمرات لأول مرة خلال عام، للإشراف على حالة الطوارئ، ولإغاثة الشعب الصومالي المنكوب، ولتنسيق جهود تحرير البلاد جميعا من حركة الشباب، أيضا لاستتباب الأمن في المناطق المحررة من هذه الحركة.
والمفاجأة الكبرى في المؤتمر الأخير هي أن القادة السياسيين اتفقوا قبل أسابيع بعد نقاش دام أربعة أيام بقرار تاريخي، وبتغيير بعض بنود الدستور وإعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد، فقد أقروا تعديل بند دستوري وهو إلغاء منصب رئيس الوزراء، واستبداله بنائب الرئيس في هيكل الحكومي للدولة، وشرعنة الانتخابات القادمة، وإنشاء لجنة انتخابية عامة تتكون من 15 عضوا. وقرروا أيضا أن تكون لأول مرة انتخابات ديمقراطية مباشرة من الشعب عن طريق صناديق الاقتراع، على أن تجرى الانتخابات البلدية ومجالس البرلمانية المحلية في منتصف العام المقبل 2024، وبحزبين سياسيين فقط.
الرئيس حسن عيّن السياسي عبد الكريم جوليد مبعوثا لصوماليلاند لبدء محادثات بين صوماليلاند -الشمالية المستقلة عن الصومال ولم تحصل على اعتراف دولي- وبين الصومال الجنوبي، أيضاً لإيجاد حل معوقات استكمال الدستور والتي من دونها لا يأتي الاستفتاء على الدستور الرسمي للبلاد.
4- أهم ما حقق الرئيس في المستوى الداخلي:
الرئيس حرر ولايتين صوماليتين من حركة الشباب خلال ما يقرب السنة في المرحلة الأولى، وأَمَّن العاصمة مقديشو نسبياً من قبل 3000 عنصر من الشرطة العسكرية المدربين من دولة أوغندا، فهذا الإنجاز الأمني إذا استمر واستكمل الرئيس الولايتين الباقيتين فيكون حائزا على كل الإنجازات لرؤساء الصومال خلال ثلاثة عقود، ويكون كفيلا أيضاً لكل النجاحات القادمة من مشاريع واقتصاد وتنمية.
الرئيس بصدد توقيع بعض التعديلات في الدستور والتي استأنفت طبعا من رؤساء الولايات الفدرالية في الاجتماع الأخير، مرورا باللجنة التأسيسية للدستور، وبموافقة البرلمان على هذه التعديلات خلال الشهور القادمة سيكون هذا الإنجاز من أكبر الأعمال البطولية خلال حكمه؛ بحيث يكون الرئيس القادم منتخبا عن طريق صناديق الاقتراع، ويكون رئيساً ذا صلاحيات أوسع، والأهم من ذلك كله أن هذا الإنجاز يكون صالحاً لنظام الحكم الرشيد، حيث يتفق جميع فقهاء الدستور على أن هذا التغيير يتناول بندا في الدستور كان سبباً بمشكلة الخلافات المتكررة التي كانت دائما تحصل بين الرئيس ورئيس الوزراء.
المستوى الخارجي:
على المستوى الخارجي نجح في إعادة العلاقات الباردة بين الصومال وبعض الدول العربية والإقليمية مثل مصر، والإمارات العربية المتحدة، وجيبوتي، وكينيا، كما زار دولا أخرى لها علاقات متينة مع الصومال أيام الرئيس السابق محمد فرماجو، مثل تركيا، وقطر وإرتيريا، وإثيوبيا.
كل هذه الزيارات لها أهمية لشعاره “مع العالم متصالحون”، وسياسته الخارجية التعاونية النشطة بحيث تمكّن من خلال جولاته السياسة من تحقيق ما يسمى “صفر مشاكل”، إدراكا منه أن سلامَ وتنميةَ البلدِ لا يمكن تحقيقه إلا من خلال جو تصالحي تفاهمي سلمي واستقراري من الجيران، والعالم أيضاً، وهذا ما أدى إلى عقد اتفاقيات مهمة أمنية وتنموية وتجارية من قبل دول الخليج، (مثل الإمارات وقطر)، وأفريقية (مثل أوغندا وكينيا).
الرئيس نجح خلال توليه مقاليد البلاد بضم الصومال إلى السوق المشتركة، بما تسمى مجموعة دول شرق أفريقيا (EAC)، وهي إحدى منظمات الاقتصادية الإقليمية وتضم سبع دول واقعة في منطقة البحيرات الكبرى، مما سيحقق للصومال المستقبل التجاري كما يسهل التجارة مع دول المنطقة.
ختاما، لقد كان عام حكم الرئيس مفعما بالأمل، ولكن مع دخول العام الثاني من حكمه، الآمال كبيرة وكثيرة، ونتطلع لأن يكون الرئيس بمهارة القائد في تحريك مياه الراكدة منذ عقود، من إصلاحات سياسية، وإعادة تأهيل الشعب من جديد على الوحدة والتصالح والتعاون بما ينفعهم، وإقامة مشاريع عملاقة، وأن تكون لديه رؤية مستقبلية لإعادة تقديم الصومال للعالم الخارجي بصورة جميلة.. هذه هي أمنياتنا والأمنيات في كل عام تتشابه كثيرا، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
الأماني حلم في يقظة والمنايا يقظة من حلم
المصدر: موقع: عربي 21.