إن أراضي مملكة اثيوبيا حتي القرن التاسع عشر الميلادي كانت محصورة في إقليمي الأمهره وتجراي المرتفعات الاثيوبية في الشمال، أما شرقها وغربها وجنوبها كانت تحت سيطرة شعوب وقوميات أخري ، لكن التوسع الحبشي في تلك الأراضي تمت بمساعدة مادية وسياسية مباشرة من القوى الأوربية في القرن التاسع عشر في عهد الإمبراطور منليك الثاني، حيث تكونت إثيوبيا الحديثة بحدودها السياسية المعترف بها دوليا في عهده.
ظلت أثيوبيا دولة داخلية ليس لها سواحل على البحر، ولم تصل عبر التاريخ علي البحر الا في فترات معينة في القرن العشرين في عهد هيلاسلاسي حيث قام ضم ارتيريا الى مملكته عام 1962م فأصبح لإثيوبيا منفذا علي البحر الأحمر حتى استعادة ارتيريا استقلالها عام 1991م.
قد كان ملوك الحبشة يحلمون على مر التاريخ بالوصول الي منفذ علي البحر. وأضحي الامبراطور منليك الثاني مهندس التوسع الاثيوبي يعمل للوصول الى البحر الأحمر ليجد لإمبراطوريته منفذا ساحليا يفتح الباب أمامه على العالم الخارجي، ولذا استخدم منليك الثاني كل مشاعر العنصرية الدينية في حملته التوسعية ليكسب تأبيد ومساعدة الدول الأوروبية حيث كان يقول ان زيلع وعدن يقعان تحت سيطرة أيدي المسلمين وأنه يعيش في جزيرة مسيحية محصورة بين مسلمين ووثنيين.
كما أن احتلال منليك الثاني مدينة هرر التاريخية عام 1887م كان هدفه الأساسي الوصول الى البحر حيث اقترح منليك على إيطاليا باحتلال إيطالي وإثيوبي مشترك للأراضي الصومالية زيلع وبربر ، كما كان هناك اتفاقا سريا بين فرنسا واثيوبيا بشأن هرر الصومالية المسلمة وتحويلها الى مستعمرة فرنسية مقابل ان تحصل إثيوبيا على ميناء على البحر بمساعدة الفرنسيين . كما أن الامبراطور هيلا سلاسي إثر اقتراب اعلان الوحدة الصومالية من قبل اجتماع وفدي الشمال والجنوب في مقديشوا 16 ابريل 1960م استدعى الامبراطور هيلا سلاسي في أديس أبابا سفراء الولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وفرنسا ، ويوغسلافيا حيث صرح لهم بخطورة الحالة الراهنة في القرن الافريقي بتوحيد الأقطار الصومالية ، واعتبر ذلك تجزئة للحبشة ، كما احتج الامبراطور هيلا سلاسي لدى الأمم المتحدة عام 1949م عندما وضع الصومال تحت الوصاية لفترة عشرة سنوات تحت الإدارة الإيطالية تنال بعدها الاستقلال ، حيث اعتبر ذلك انتهاك لحقوق اثيوبيا الشرعية في مقاطعات الصومال وبنادر في المحيط الهندي.
وصرح رئيس وزراء هيلا سلاسي صرح في خطابه أمام مؤتمر تأسيس منظمة الوحدة الافريقية 1963م أن اثيوبيا كانت مملكة استمرت ثلاثة الاف عام ، وان حدودها كانت تمتد الى البحر الأحمر وسواحل المحيط الهندي ، بينما لم تكن هناك دولة تسمى الصومال كما أن هيلا سلاسي انتهج سياسة التفريق بين الأحزاب الصومالية المختلفة مستخدما في ذلك شتى الوسائل ، وأسس أحزابا تابعة لاثيوبيا تدعوا انضمام شمال الصومال الى اثيوبيا ، ولكن تيار الوحدة كان قويا ما جعله يسكت أصوات الانفصاليين.
وبعد سقوط الملكية الاثيوبية عام 1975م وبداية العهد الجمهوري في اثيوبيا ، استولى السلطة في اثيوبيا منجستوا هيل مريام وبدأ عهد ما كان يعرف في تاريخ اثيوبيا (عهد الدرك).
تزامن ذلك العهد باقتراب استقلال جيبوتي ساحل الصومال من فرنسا ، حيث بذلت حكومة الدرك بقيادة منجستوا هيل مريام أقصى جهودها بضم ساحل الصومال (جيبوتي) ، إلى اثيوبيا وذلك طمعا لحصولها منفذا على البحر الأحمر.
وبعد سقوط حكومة منجستوا هيل مريام عام 1991م ومجيء جبهة تجراي على رأس السلطة بقيادة ملس زيناوي دأبت على تأجيج الحرب الاهلية التي اندلعت في الصومال ، وتسليح الفصائل المنتاحرة كل على حدّة وذلك لتحقيق هدف اثيوبيا غير المعلن في ذلك الوقت وهو الحصول على ميناء في البحر.
هذا الطموح القديم والمتجدد هو الذي دفع رئيس وزراء اثيوبيا الحالي أبي أحمد تفجير قنبلة جيو سياسية في القرن الافريقي ، حيث بدأ أبي أحمد بعد وصوله السلطة تدشين فرع جديد من جيشه “قوات بحرية” مع أن إثيوبيا لا تطل على البحر وبدأ أبي أحمد تجهيز هذه القوات بدعم من فرنسا وبعض الدول الغربية وإسرائيل ، وبدأ تحقيق أطماعه على الواقع والوصول الى البحر الأحمر بعقد اتفاق ما سمي بمذكرة تفاهم مع أقليم صومال لاند والذي هو جزء من الصومال عبر مابات يطلق بتأجير ساحل على البحر الأحمر تصل مساحته حوالي 20 كيلو متر لمدة 50 سنة مقابل اعتراف إثيوبيا إقليم صومال لاند كدولة مستقلة ، وهذا تجاوز واعتداء سافر على سيادة الدولة الصومالية وعلى أراضيها ، وإذ يطمح أبي أحمد أن يحقق ما لم يستطع تحقيقه أباطرة إثيوبيا عبر التاريخ على أراضي الصومال ، سيظل الهدف هو تحقيق وصول اثيوبيا إلى البحر على حساب الشعوب الأخرى ، وإن اختلفت المسميات “التأجير ، إتفاقيات أو محاولة استيلاء” .
ولذا ما زالت اثيوبيا الى يومنا هذا تجد أمامها سور ضخم أو حاجز متماسك الوحدة والهدف والأماني وهو الشعب الصومالي، حيث حاول ملوك اثيوبيا ورؤسائها قديما وحديثا إزالة وتحطيم السور أو الحاجز والخروج الى البحر على أساس الدعوة أحيانا أن أراضيها تمتد من البحر الأحمر إلى سواحل المحيط الهندي وهو ادعاء يمثل إهانة للحقائق التاريخية ، وأحيانا بعقد اتفاقيات مع الدول التي استعمرت الصومال لغرض الحصول على منفذ بحري ، وأحيانا بزرع أحزاب تابعة لها داخل الجسم الصومالي تعمل لصالح اثيوبيا ،
لكن لم تجد هذه المحاولات التي قامت اثيوبيا عبر تاريخها القديم والوسيط والحديث طريقا تصل بها منفذا الى البحر ، ولن تجد في تاريخها المعاصر.
والتاريخ يعيد نفسه ، ولن يكذب التاريخ وإن لعب اللاعبون في تزييفها.