تعتبر الصومال الجزء الذي تجاهلت عنه الولايات الامريكية ضمن استراتيجاتها لمكافحة الارهاب في افريقيا وذلك بسبب سنوات من الخوف المستمر الذي نجم عن عملية استعادة الامل المنحوسة والتي شارك فيها قوات متعدّدة الجنسيات تحت اسم قوات الفرقة الموحّدة والذاكرة السيئة الخالدة التي خلفت عملية (بلاك هاوك داون) عزّزت إرث التدخل الامريكي في الصومال بأذهان الأمريكيين قادة وشعبا.
مؤخرا،وقّع الرئيس الأمريكي جون بايدن أمرا لإعادة نشر مئات من قوات العمليات الخاصة التابعة للجيش الامريكي في البلاد الممزّقة بسبب الحروب،وهذه الخطوة بصورة كبيرة تعكس ضد قرار رئيس الامريكي السابق دونالد ترامب لسحب القوات الامريكية البالغ قوامها نحو 700 جندي من الصومال في عام 2020وبعد ذلك القرار مكثت القوات التي كانت تقوم بتدربب وتقديم الاستشارات للقوات الصومالية وقوات اتحاد افريقيا بفترة قصيرة،ومع ذلك فان نظام العمل التناوبي والانتقالي كان يعدّ خطرا ومكلّفا ولا يجدي نفعا.فعملية تعبئية القوات ذهابا وايابا جلبت مخاطر كبيرة لامريكا والقوات المتحالفة معها.في السابق ادارة اوباما استخدمت بسلاح ليزر في عمليات هجومية بمساعدة “قوات العمليات الخاصة،والغارات الجوية،والمقاولين من القطاع الخاص والحلفاء الافارقة”وقد نتج هذا النهج في الماضي عن مقتل جنود الحلفاء واستمرار مخاطر التصعيد.
لتعزيز سلامة ونشاط امريكا والقوات المتحالفة معها يجب الوجود الدائم على الارض ليتمكّن من شن هجوم اكثر فعالية ضد الشباب ،حاليا اجبرت التقارير الرئيس بايدن على اتخاذ هذا القرار والتي ذكرت انه من الممكن ان تكون هناك زيادة الهجمات التي تشنّها الشباب بنسبة 71%،فالشباب اكبر واغنى تنظيم مرتبط بتنظيم القاعدة،وايضا الحركة لها القدرة على مواصلة شن هجماتها على البلاد المجاورة،وتشكّل تهديدا مباشرا للمواطنين الامريكيين ومآربهم وقد اتضح هذا الأمر بعدما قامت الشبات بشنّ هجمات دمويّة على قاعدة جوية امريكية في خليج ماندا بكينيا عام 2020.
الاننخابات الصومالية وانتقال بعثة الاتحاد الافريقي من اسم أميصوم الى أتميس:
يأتي قرار اعادة نشر القوات الامريكية في الصومال إثر الانتخابات النيابية والرئاسية التي شهدت في البلاد وعودة حسن شيخ محمود الى السلطة والذي ترأس البلاد سابقا بين 2012-2017
وقد أبدى محمود رغبته في الشراكة مع القوى الخارجية الاقليمية حيث من المرجّح ان يكون ذلك عاملا يؤكّد استراتيجية واشنطن الامنية المتنامية في القرن الافريقي.
وقد رحّب الرئيس حسن شيح بخطوة ادارة بايدن لاعادة نشر القوات الامريكية في الصومال.
وقد تزامن هذا التطوّر ايضا مع اعادة التشكيل والانتقال من بعثة الاتحاد الافريقي(اميصوم) الى بعثة الاتحاد الافريقي الانتقالية(اتميس) في الصومال والتي تم تأسيسها في واحد من ابريل 2022.وتتركّزمهام اتيمس على تدمير الشباب وتوجيه وتدريب قوات الامن الصومالية وإجراء التخطيط المشترك معهم .ومما لا شكّ فيه ان التهديد الذي تشكّله الشباب يلقي الضوء على انّ الحكومة الصومالية الوليدة بحاجة الى تحقيق توصّل الى توافق سياسي واسع النطاق بشأن بنية الأمن القومي والذي يفتح المجال للانتقال المستدام الى نظام امني بقيادة وملكية الصوماليين ولتحقيق ذلك ومن الضروري الحصول على مصدر تمويل مستديم وشراء المعدات وتوسيع نطاق الدعم الاستراتيحي الجوي وخاصة فيما يخصّ بالطائرات المروحية.
لاتزال بعض التحديات عالقة:
لاتزال هناك مخاوف جمّة فيما يتعلّق بوجود القوات الامريكية على الأراضي الصومالية بما في ذلك عدم وجود اطار زمني واضح لنشر القوات ،وامكانية تكرار سيناريوتراجيديا العمليات التي حدثت في التسعينيات ونشر القوات يسمح بشرعية مزاعم الجماعات الارهابية والتي تشكّك في تضلّع امريكا في تأجيج الحرب بالمنطقة بصورة كبيرة اضافة الى ذلك ومن الممكن تساؤل حول قضية تخصيص الموارد في وقت يشهد ويستمرّ في المسرح الأروبي اشتعال فتيل الحرب بينما نشر القوات الامريكية في الصومال يكشف عن نفسه على انه استمرارية “خوض الحرب الأبديّة”
علاوة على ذلك فانّ الشباب تعتبر قوة عسكرية ساسيّة كبيرة في الصومال، وبالتالي فهي تحتاج لمزيد من استجابات اكثر وضوحا .وهذا الامر –حزئيا-تم احتواءه عبر نشر القوات الامريكية والذي من شأنه سيكون مشاركا في بناء القدرات لصالح ” الحكومة الجديدة والشركاء الاخرين في الصومال لتحويل العمل الاستحباراتي الى العمليات”.
ومع ذلك،وكانت الصومال نفسها تتعرّض لمختلف التحديّات مثل صراعات طويلة الامد،والجفاف والتزوح التاتج عن تغيّر المناخ مع وجود طرق محدّدة لحل الشكاوى والتي تحتاج الى حلول منهجيّة وتوفير مدخل للجماعات الارهابية وفي المقابل انّ نشر القوات الامريكية في الصومال اصبح ضروريا.
فانّ قرار بايدن بتعليق القوانين التي صاغها دونالد ترامب التي تسمح بتوجيه ضربات الطائرات المسيّرة دون اذن مسبق من البيت الابيض سيعزّز استيلاء البيت الايبض بقوّة وصرامة على الجيش الامريكي وأجهزة المخابرات التي تقدر على تخطيط وتنفيذ مهام سرية بالاضافة الى ذلك منذ انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتّحدة الامريكية فالغارات الجوية الامريكية تم تحديدها بصورة كبيرة على تلك الغارات التي تذبّ عن القوات الشريكة التي تتعرّض لتهديد عاجل او في حالة الدفاع الجماعي للقوات الصومالية عن الذات .عمليا، وهذا يعني الغارات لن يكون لها تأثير الا بوجود مستشار امريكي يقف جنبا الى جنب مع القوات الصومالية.كهذا النهج سيكون فقط بمثابة حل مسعف مؤقت دون استئصال الاسباب الجذرية للتزاعات.
الجدل حول تجدّد الحرب في الصومال:
منذ اكثر من خمسة عشر عاما ماتزال امريكا تحاول بكبح جماح حركة الشباب مستخدمة بقوّة عسكريّة دون تحيقق ايّ تقدّم ملموس,عمليا،فانّ مليارات الدورات التي تمّ استثمارها في التدريبات والمعدّات وبقاء امريكا لم تجد نفعا.
وانّ فشل الولايات المتّحدة الامريكية في بناء افغانستان والذي بموجبه نتج عن حكم طالبان مع انسحاب القوات الامريكية لرسالة تحذير وتثبيط لأمريكا وتنتهج نفس المسار في الصومال.
والقرار في الوضع لراهن حول إعادة نشر القوات يميط اللثام عن الحقيقة حيث انّ امريكا لا تزال تراقب عن كثب فيما يتعلّق بأولوياتها لمكافحة الارهاب. ومن الضروري خلق التعاون الوثيق المنسّق مع قوات المشاة الصومالية المعروفة “بدنب” التي كانت تشارك في العمليات الهجومية في البلاد .وهذا يحتاج لجبرها بنية صادقة من القيادة الصومالية والدعم المستمرمن الدول المجاورة مثل جيبوتي وكينيا والمجتمع الدولي .علي الرغم من كون هذا القرار لإرسال القوات الى الصومال متكرّرا وليس دائما الا انّه بالتأكيد يوضّح رغبة امريكا في كبح جماح مستوى خطر التهديد من الشباب وتحقيق هدفها الاوسع نطاقا الخاص بانهاء الوضع المضطرب في قرن افريقيا .
وبطبيعة الحال،ومن الصعب اثارة الجدل حول حاجة الصومال لمزيد من القوات الامريكية بل وعلي عكس ذلك تتطلّب لضخّ استثمارات ضخمة في المساعي الرّامية لاحلال السلام التي بقيادة المجتمع الصومالي والتي تعتمد- اي المساعي- على بناء الثقة وجسر التواصل بين السكان المحليين.وقرار بايدن لتجديد الحرب الامريكية في الصومال يستمر ليضع امريكا في عقليّتها المبنيّة على “العسكرية اولا”والتي فشل فيها سابقا لتحيقيق النتائج المنشودة.
فشرعية الدولة الصومالة لن تتولّد\تتحقّق بسبب التّدخل الأجنبي العسكري او التدريبات وعوضا عن ذلك تتولّد\تتحقّق بسبب تكثيف الجهود الدبلوماسية لاستئصال جذور النزاعات والصراعات..
كتب هذا التقرير بالانجليزية: :Abhishek Mishra
وهو باحث في مؤسّسة أو اراف قسم الدراسات الاستراتيجية، مهتمّ بالقضايا التنموية في القارة السمراء
منشور في موقع مؤسّسة او ار اف.
ترجمه الى العربية:مهندس مصطفى اسحاق علي
كاتب ومترجم صومالي مستقلّ.
الترجمة خاص لموقع: “قراءات صومالية”.