إرهاب صامت: كيف يخترق داعش المجتمعات الريفية في شمال الصومال دون مقاومة كافية؟
في لحظة محورية من نضال الصومال المتواصل ضد الإرهاب، أطلقت القوات الفيدرالية والإقليمية هجومًا واسع النطاق ضد اثنين من أخطر التنظيمات المتطرفة في البلاد: داعش-الصومال في الشمال، وحركة الشباب في المناطق الوسطى.
ويمثل هذا الجهد المنسق نقطة تحوّل في مسيرة الصومال نحو استعادة سيادته، وتطهير أراضيه من الإرهاب، وتأمين مستقبل مستقر وآمن لمواطنيه. لقد اتسمت هذه العمليات بالشجاعة والتضحيات، وشكّلت دليلًا على إصرار الصومال الراسخ على إعادة بناء دولته بعد سنوات من الصراع. وبفضل الانتصارات العسكرية الأخيرة، ووحدة شعبه، ودعم الشركاء الدوليين، يبرهن الصومال على أن مستقبله سيكون مرادفًا للصمود، والقوة، والكرامة الوطنية.
السياق العام لنضال الصومال ضد الإرهاب
يعود الصراع الصومالي مع الإرهاب إلى خلفية تاريخية من عدم الاستقرار السياسي والتدخلات الخارجية. فعقب انهيار الحكومة المركزية في أوائل التسعينيات، سعت الجماعات المتطرفة إلى استغلال الفراغ في السلطة. وظهرت حركة الشباب في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، مرتكبةً فظائع بحق المدنيين ومحاولة فرض فكر متطرف.
وفي عام 2015، انشق فصيل عن الحركة وأعلن ولاءه لتنظيم داعش، مشكّلًا ما يُعرف اليوم بـ”داعش-الصومال” في المناطق الشمالية. ورغم اختلاف الشبكات، فإن الحركتين تتقاسمان الهدف ذاته: زعزعة استقرار الصومال وإخضاع شعبه.
غير أن الحكومة الصومالية، بدعم من القوات الإقليمية والمجتمعات المحلية، تقف الآن في مواجهة هذا التهديد بصلابة، رافضة أن يُعرَّف وطنها بالعنف أو التطرف.
عمليات بونتلاند ضد داعش: دفع استراتيجي في الشمال
تُعدّ الحملة ضد تنظيم داعش في إقليم بونتلاند مثالًا ساطعًا على تصميم الصومال. فقد شنّت قوات بونتلاند، بدعم جوي واستخباراتي من حلفاء كتركيا والولايات المتحدة، عمليات ناجحة في جبال المسكاد، التي كانت تُعد سابقًا ملاذًا آمنًا للمسلحين.
وقد أسفرت إحدى العمليات الكبرى عن القضاء على 57 عنصرًا من التنظيم، في ضربة قاسية استهدفت قيادته وبنيته التحتية. وتحت قيادة رئيس بونتلاند، السيد سعيد عبد الله دني، أظهرت القوات الإقليمية قدرًا عاليًا من المهنية والشجاعة والانضباط.
ورغم التهديدات المتواصلة، مثل العبوات الناسفة المزروعة من قبل المسلحين، تواصل الوحدات الخاصة تمشيط الجبال والقرى، محرّرةً المجتمعات المحلية ومعيدةً الأمل لسكانها. وسيظل أبناء بونتلاند، مثل الإخوة الثلاثة من عائلة قريود، رمزًا للتضحية في سبيل حرية وسيادة الصومال.
المنطقة الوسطى: جبهة مشتركة ضد حركة الشباب
في أقاليم وسط الصومال، تتغير موازين القوى تدريجيًا ضد حركة الشباب. فقد استعادت القوات الحكومية، بدعم من الميليشيات المحلية والشركاء الدوليين، السيطرة على مدن استراتيجية مثل “عيل بور” و”عيل دير”، والتي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم لسنوات.
وفي أواخر عام 2024، تم تحرير مدينة “عيل بور” في عملية كبرى، مما أعاد فتح طرق التجارة والمواصلات الحيوية. ورغم محاولات التنظيم تنفيذ هجمات انتحارية، فقد تصدّت لها القوات الصومالية الوطنية بحزم.
وتشير الهجمات المتفرقة التي يشنها التنظيم إلى تراجع قوته وتزايد يأسه. في المقابل، تقوم القوات الحكومية بتحصين المناطق المحررة، لمنع أي محاولة لإعادة التمركز أو الهجوم.
اليوم، تشهد الأقاليم الوسطى من الصومال فجرًا جديدًا مع تحسّن الوضع الأمني وتراجع التهديدات المتطرفة، بفضل شجاعة أبناءها وإصرارهم.
دور الميليشيات العشائرية: من التشرذم إلى الوحدة الوطنية
لطالما كانت الميليشيات العشائرية مصدرًا للتناحر والانقسام، غير أنها باتت اليوم تشكّل قوة وطنية حاسمة في مواجهة الإرهاب. فقد نجحت الحكومة الصومالية في تعبئة المجتمعات المحلية للدفاع عن أراضيها جنبًا إلى جنب مع القوات النظامية.
ورغم محاولات حركة الشباب استغلال الانقسامات العشائرية، خصوصًا في مناطق مثل “غلغدود”، فإن غالبية العشائر الصومالية تقف اليوم موحدة ضد الإرهاب. وبرغم بعض الخلافات المحلية، أثبت التحالف بين الدولة والمجتمعات المحلية فعاليته في تحرير مناطق مهمة من سيطرة المتطرفين.
المشهد السياسي: وحدة في وجه التحديات الأمنية
في ظل قيادة الرئيس حسن شيخ محمود، يشهد الصومال روحًا جديدة من الوحدة الوطنية والتصميم السياسي. ورغم استمرار بعض الخلافات السياسية، فإن خطورة التهديد الأمني دفعت العديد من الفاعلين السياسيين إلى تجاوز الخلافات والعمل المشترك.
وقد أسفرت الجهود الرامية إلى تعزيز التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية عن نتائج ملموسة، حيث أصبحت العمليات العسكرية أكثر فعالية وتم تثبيت الانتصارات المحققة على الأرض. ويظل الهدف الأساسي واضحًا: تأمين كافة أراضي الصومال، وتعزيز الحكم الشامل، وإعادة بناء دولة خالية من الخوف.
الدعم الدولي: رافعة لتعزيز صمود الصومال
يحظى الكفاح البطولي للصومال بدعم دولي ملموس. فقد قدمت دول مثل الولايات المتحدة وتركيا والمملكة المتحدة، إلى جانب قوات الاتحاد الإفريقي، دعمًا حيويًا شمل الضربات الجوية، وتبادل المعلومات الاستخبارية، والتدريب اللوجستي والعسكري.
وقد أسفرت العمليات الدقيقة، بدعم من المراقبة الأميركية، عن القضاء على قيادات داعش في بونتلاند، بينما أدت القوات الخاصة الصومالية المدرّبة على يد الأتراك دورًا حاسمًا في العمليات الميدانية.
كما ساهمت قوات الاتحاد الإفريقي، ضمن بعثة “أتميس”، في تحقيق الاستقرار في المناطق المحررة، مما أتاح للمجتمعات استئناف حياتها الطبيعية.
ورغم أن هذه الانتصارات صومالية في جوهرها، فإنّ الشراكات الدولية كانت أساسية في تسريع وتيرة التقدم وضمان تفكيك شبكات الإرهاب قبل تنفيذها لأية عمليات جديدة.
الحلقة المفقودة: الدور الاستراتيجي لإقليم جوبالاند
رغم التقدم المحرز في بونتلاند، غلمدغ، وهيرشبيلي، لا يزال إقليم جوبالاند الجنوبي بحاجة إلى الانخراط الكامل في المجهود الوطني لمكافحة الإرهاب. ويُعد ميناء كسمايو — عاصمة جوبالاند — نقطة استراتيجية حاسمة في قطع خطوط إمداد حركة الشباب.
تُبذل حاليًا جهود لتجاوز الانقسامات السياسية وضمان مشاركة فاعلة للإقليم في الاستراتيجية الوطنية الشاملة. وإذا تحقق ذلك، فإنّ تعاون جوبالاند سيكون الضربة القاضية لبقايا التنظيمات المتطرفة في الجنوب.
الخاتمة: نحو فجر جديد للصومال
يقف الصومال اليوم على أعتاب عصر جديد — عصر لا تُعرّفه الفوضى أو الخوف، بل الصمود والوحدة والأمل. وتمثّل الانتصارات الأخيرة ضد داعش في بونتلاند والشباب في الوسط نقطة تحول حاسمة في التاريخ الصومالي الحديث.
إنّ رؤية الرئيس حسن شيخ محمود، المبنية على الدفاع القوي، والمصالحة الوطنية، والشراكات الاستراتيجية، تقود البلاد نحو مستقبل يعيش فيه المواطن بسلام وكرامة وازدهار.
لقد أكدت تضحيات الجنود، وثبات المجتمعات المحلية، وتصميم القيادات الوطنية، حقيقة واحدة لا تقبل الشك: الصومال يحقق النصر في معركته ضد التطرف.
ورغم استمرار التحديات، أثبت الشعب الصومالي أنه لن يسمح مجددًا لأحد بأن يحتجز بلاده رهينة للعنف.
من جبال بونتلاند إلى سهول غلمدغ، الرسالة واضحة: الصومال ينهض، أقوى وأكثر وحدة من أي وقت مضى. فرياح التغيير تهبّ على القرن الإفريقي، والصومال في طليعتها — يتقدم بثبات نحو السلام والسيادة والتجدد الوطني.
روبلي أحمد عيدلي — باحث في قضايا السلام والأمن، وكاتب