مدخل لإطار مفاهيمي للشعبوية السياسية:
الشعبوية يمكن تعريفها كأيديولوجية أو فلسفة سياسية بأنها: نوع من الخطاب السياسي الذي يستخدم دغدغة عواطف الجماهير لتحييد القوى العكسية؛ لكسب تأييد الناس وللحفاظ على نسبة جماهيرية معينة تعطى مصداقية وشرعية للحاكم أو المرشح للمنصب ( حسب زعمهم)
وقد يستُخدم المصطلح أحيانًا بالترادف مع الغوغائية لوصف السياسيين الذين يقدمون إجابات مفرطة فى البساطة على أسئلة معقدة بطريقة عاطفية للغاية.
وقد شهدت انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 تصاعداً ملحوظاً في المشاعر الشعوبية وتمثل ذلك في حملتي المُرشحيّن بيرني ساندرز من الحزب الديمقراطي ودونالد ترامب من الحزب الجمهوري اللذين اتسمت آراؤهما بمعاداة المنظومة الحاكمة.
وعكس الشعبوية هي النخبوية (النسبية) بجانبها الإيجابي وهي تقدم المعلومات والحقائق بالأرقام والبيانات والوثائق
لمخاطبة عقل الناخب لا عاطفته.
وبعيدا عن الخوض في تعاريف الشعبوية وتأثيرها على الفلسفات والايديولوجيات والقموميات والمذاهب الفكرية والمعارف الابستمولوجية نقف على بعض أعراض الشعبوية وأدواتها من الناحية السياسية وسبل مواجهتها في الصومال:
اولا: الشعبوية السياسية في الصومال.
عندما تكون المجتمعات في مراحل الفوضى الاجتماعية تكون سهلة الانقياد للغوغائيين وتميل إلى تقديس الأشخاص بعيدا عن العقلانية والمنطق ولعل حالة الصومال تصلح للنمذجة السياسية في الشعبوية على حد قول الفيلسوف الفرنسي جاستاف لوبون:… ” تتكون القيادات الاجتماعية في هذه المرحلة (الفوضى الاجتماعية) من أشخاص يعملون في التهييج والإثارة دون أن يقدموا برامج محددة وواضحة وتلقى قبولا منقطع النظير في هذه المرحلة من الغالبية الساحقة من الناس الذين يطلق عليهم العامة والرعاع”
ثانيا: أعراض الشعبوية السياسية في الصومال
لعل النقل السابق اشار إلى بعض اعراض الشعبوية في السياسية الصومالية ضمنيا ومنها:
١_ سهولة الانقياد لدى شريحة واسعة من الساسة لما يطلبه عنهم المخاطبون_ غير مكترثين بالنتائج ؛وذلك بسسب العاطفة الجياشة لمشاعر الولاء للقبيلة او المجموعة أو الفصيل او القائد او حب السلطة لحد المتيم.
٢_ تغييب العقل وتعطيل المنطق؛ وذلك لضعف الوعي السياسي والاندفاع إلى العمل دون تفكير مسبق وتنظير فلسفي أو تخطيط استراتيجي والشروع في التطبيق دون النظر في العواقب المترتبة عليه.
٣_ سرعة تصديق الشائعات والمأثرات الخارجية والتبني بالأفكار البسيطة على شكل قواعد مطلقة واتخاذ القرارات بناء عليها قبل أن يمر على المعادلة العلمية لاتخاذ القرار الإداري وهي:
تحديد الهدف من اتخاذ القرار+ الوصف والتشخيص+ وضع الحلول البديلة+ المفاضلة بين البدائل+ تنفيذ القرار+متابعته وتقييم نتائجه= صنع القرار الصحيح.
٤-ترديد مقولات دون هضم معانيها وتوضيح دلالاتها او تحديد مصطلحاتها من قبيل: ” التغيير المستمر” قبل أن نتسائل كيف يجتمع الاستمرار مع التغيير للزوم الدور عليهما؟ إلا أن نجيز اجتماع الدوران والتووازن في لحظة واحدة كماهو الحال عند مهرجي كوميديا السيرك ومحترفي لعبة الجمباز!
٥-بناء على النقاط الأربعة أعلاه وغيرها هناك مؤشر واضح على أن السياسية الصومالية ليست بمأمن عن الأفكار الشعبوية التي يحذر منها المحللون الاجتماعيون غير انا لسنا متأكدين ما إذا كانت وصلت حد الظاهرة، وقد رأينا بغض آثارها السلبية في السنوات الأخيرة على السياسة الصومالية عامة وعلى مواسم الانتخابات خاصة ولا أدل على ذلك خطابات بعض المرشحين للانتخابات الرئاسية الأخيرة ٢٠٢٢م.
ثالثا: أدوات الشعبوية في السياسة الصومالية.
يصعب حصر الوسائل أو الأدوات التي يستعملها الساسة الشعبويون عامة والصوماليون خاصة ولعل أشهرها ما يلي:
١_ الإعلام الحكومي ذو الانتماء السياسي أو الجهوي؛ وذلك لتوجيه الرأي العام من بوصلة معينة أو بدون بوصلة للعمل على إجماع الناس برأي واحد بغض النظر عن صوابيته من عدمه .
فالزعيم الشعبوي يؤسس على إقصاء مزدوج: فهو من جهة ينزع الشرعية عن الآخر، ومن جهة ثانية يقصي على المواطنين الذين لا يتبنون سياسته؛ لإن جوهر الشعبوية ليس معارضة النخبة وانتقادها فحسب وانما رفض التعديية السياسية برمتها وبالتالي بث روح الفرقة بين المجتمع والتعصب لفكرة الانتماء السياسي للحرب أو الشلة مما يؤدى إلى انقسام حاد بين كل مؤسسات المجتمع بما فيها المجتمع المدنى ممثلا بالمثقفين بل حتى في صفوف المؤسسات الأمنية؛ وما محاولة السطو على الكونغرس من أنصار ترامب عنا ببعيدة، وما جرى من محاولات التقليد من بعض الساسة الشعبويين الصوماليين في الآونة الأخيرة.
٢_ الإعلام الجديد أو البديل من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها؛ وذلك إما إنشاء آلاف المواقع الإلكترونية الافتراضة- وهو ما اصطلح عليه حديثا بالذباب الإلكتروني وإما باستئجار شركات أو الاتفاق مع مؤسسات أو دول لتزوير الحقائق وتضخيم الاحداث بما فيها نتائج الانتخابات لتكثير سواد المؤيدين وللتأثير على المجتمع بأن السياسي الشعبوي هو الحائز على ثقة الجماهير.
٣_ الأجهزة الامنية.
من أخطر أدوات الساسة الشعبويين إدخال المؤسسات الأمنية في السياسة وللساسة الشعبويين الصوماليين تاريخ مظلم لاستخدام المؤسسة الامنية في السياسية؛ ففي انتخابات ٦٩ ١٩م حاولوا استخدام الشرطة للتاثير على الانتخابات فلم تفلح المحاولة في بدايتها لسبب أو لآخرة فتولت مؤسسة الجيش كبر المهمة فكانت النتيجة معروفة: نهب وتزوير فتعبئة شعبوية ثم انقلاب، أما في عهد الثورة فقد بلغت الشعبوية ذروتها واستخدمت جميع الأدوات الإعلامية والأمنية والمالية المتاحة في عهدها إرشاد المجتمع إلى أهداف الثورة المجيدة ومبادئها الاشتراكية.
٤_ المال
من أهم أدوات الساسة الشعبويين استخدام المال بحديه في المنح والمنع وذلك؛ إما بمحاولة شراء الذمم بالمال السياسي في كسب التأييد لوصول المنصب أو الاستمرار والبقاء في الحكم، وإما المنع والحرمان على حد المثل: جوع كلبك يتبعك.
وللساسة الشعبويين الصوماليين قديما وحديثا تاريخ مظلم في استخدام المال العام والمساعدات للهيمنة دون رقيب أو حسيب؛ وذلك لضعف المراقبة المالية في مؤسساتهم إن وجدت لديهم مؤسسات.
رابعا: سبل مواجهة الشعبوية السياسية في الصومال
من الواضح أن ظاهرة الشعبوية ليست طارئة، بل مارست في تاريخ الشعوب حركات من المد والجزر والظهور والخفوت، كما أن عودتها اليوم بمثابة الإعلان عن فشل أو غياب طروحات سياسية عدة وتأزم العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
ولعل المفتاح لمواجهة الشعبوية السياسية هو التوزيع العادل للشراكة المجتمعية فى الإدارة عن طريق الإدلاء بالآراء ؛ فظهور الشعبوية السياسية ملازم لمؤشرات الأزمة “الوجودية” والعطب وهي نتاج أزمة اجتماعية تحتاج إلى مواجهة فكرية.
ومن أهم سبل مواجهة الشعبوية في السياسية الصومالية:
١_ التوعية المجتمعية من خلال:
_ التثقيف والتنوير عبر الوسائل المختلفة
_نشر الوعي السياسي السليم في المجتمع.
_ تكوين الإحزاب السياسية والنقابات المهنية واتحادات الشغل لتكون بديلا عن الاصطفاف الجهوي والقبلي.
_ تعزيز الشراكة الوطنية وتكوين ثقافة الوطن للجميع دون إقصاء لأحد باسم الوطنية العنصرية.
_ إجراء حوار مع التنظيمات الشعبوية وعدم اقصائهم وتقديم مقترحات مضادة لحقيقية فكرهم؛ وذلك بإدانة التصريحات غير الديموقراطية وغير الأخلاقية لا سيما الخطابات العنصرية والتصنيفية.
_ التدريب القيادي على الخطابة وفنون الإلقاء الجيد للقادة السياسيين لإكسابهم التواصل الإيجابي مع الجمهور
٢_البعدعن التسييس في:
_الوقائع العادية أو العرضية
_القضايا العدلية والامنية
_ الإغاثة الإنسانية
_ الواجبات الوطنية والحقوق الاساسية للمواطن.
بقلم/ نوح جافو