مقدمة:
شهدت الصومال منذ الاستقلا بمراحل مختلفة من عملية تداول السطلة، تتراوح ما بين ديمقراطية وليدة، وحكم عسكري، وفترات فراغ من السلطة، وصولاً إلى مرحلة إعادة بناء الدولة. على الرغم من التحديات الجمة ، تُظهر رغبة الشعب الصومالي إلى تطورات ملفتة للنظر في تحقيق الاستقرار وإبداء الحرية السياسية من خلال العودة إلى إرادة الشعب عبر الانتخابات.
لأن الانتخابات ليست مجرد عملية سياسية لتغيير القيادة، بل هي وسيلة فعالة لتحقيق الاستقرار والتنمية في المجتمعات التي عانت من الأزمات والصراعات، مثل الصومال.
وعودة الشعوب إلى ممارسة حقها في اختيار قيادتها، يمثل لحظة فارقة في تاريخ الدول، حيث تضع حجر الأساس للاستقرار السياسي والاجتماعي، وبناء دولة قادرة على تلبية تطلعات مواطنيها وضمان حقوقهم؛ وعليها فإن هذا المقال يسلط الضوء على أهمية العودة إلى إرادة الشعب من خلال الانتخابات، مع استعراض تاريخ موجز للعملية الانتخابية في الصومال، وأمثلة وشواهد من دول نجحت في تحقيق الاستقرار عبر هذه العملية.
تاريخ موجز للعملية الانتخابية في الصومال (1960-2022)
شهدت الصومال تطورات كبيرة في نظامها السياسي منذ الاستقلال في عام 1960م منها:
١-الفترة الديمقراطية (1960-1969)
الاستقلال والانتخابات الأولى (1960):
في 1 يوليو 1960، أُعلن استقلال الصومال من الاستعمار البريطاني والإيطالي، في توحيد شطري البلاد وجرت انتخابات برلمانية قبل الاستقلال مباشرة في المناطق الشمالية (النستعمرة البريطانة) والمناطقة الجنوبية (الصومال الإيطالي) لاختيار ممثلي البرلمان الوطني.
وتم انتخاب آدم عبد الله عثمان كأول رئيس للصومال في 1960.
٢-الانتخابات البرلمانية (1964):
أُجريت انتخابات برلمانية ديمقراطية، وكانت المنافسة قوية بين الأحزاب السياسية، خاصة حزب “رابطة الشباب الصومالي” (SYL) الذي هيمن على المشهد السياسي.
٣-الانتخابات المباشرة الثانية بعد الاستقلال (1967):
أعيد انتخاب آدم عبد الله عثمان رئيسًا للجمهورية، ولكن في انتخابات برلمانية لاحقة في 1967، تم انتخاب عبد الرشيد علي شرماركي رئيسًا للصومال.
الحكم العسكري (1969-1991)
الانقلاب العسكري (1969):
اغتيل الرئيس عبد الرشيد علي شرماركي في أكتوبر 1969م.
وقاد الجنرال محمد سياد بري انقلابًا عسكريًا استولى من خلاله على السلطة، مما أنهى نظام الأحزاب وبالتالي غابت الانتخابات عن البلاد.
غياب الانتخابات:
خلال حكم سياد بري (1969-1991)، ألغيت الانتخابات، وحكم البلاد بنظام شمولي وحزب واحد. ركز النظام على بناء دولة اشتراكية، ولكن البلاد شهدت تفاقم الفساد والقبليات مما أدى إلي إنهيارها.
الحروب الأهلية (1991-2000)
أدى انهيار نظام سياد بري إلى دخول البلاد في حرب أهلية استمرت لسنوات، مع غياب كامل لأي سلطة مركزية أو نظام انتخابي.
غياب الانتخابات مجددا:
خلال هذه الفترة، لم تُجرَ أي انتخابات على المستوى الوطني، وظهرت إدارات محلية في بعض المناطق مثل “أرض الصومال” و”بونتلاند”.
إعادة بناء النظام السياسي (2000-2022)
بداية المرحلة الانتقالية (2000-2012)
في عام (2000): عُقد مؤتمر المصالحة في جيبوتي، كان بداية أمل للصومال بعد سنوات من الانهيار، رغم إخفاقات الحكومة الوطنية الانتقالية، إلا أن المؤتمر أسس لمرحلة جديدة من الجهود الدبلوماسية والسياسية لإعادة بناء الصومال. وتم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة عبد القاسم صلاد حسن، وبدأت الصومال أولى خطواتها نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة، لكن العقبات الداخلية والخارجية حدّت من تحقيق أهداف الحكومة.
نتائج مؤتمر عرتا بجيبوتي:
أبرز نتاىجه كانت اعتماد نظام المحاصصة العشائرية في تقاسم السلطة على طريقة (4.5) لضمان تمثيل جميع العشائر الصومالية في الحكومة.
في عام ٢٠٠٤م انتخب عبد الله يوسف أحمد رئيسًا للحكومة الانتقالية، ولكن العملية كانت غير مباشرة، حيث شارك شيوخ القبائل والبرلمانيون في اختيار القادة. وهي فترة تميزت باضطرابات سياسية وأمنية شديدة. في ظل رئاسته، واجهت البلاد تحديات كبيرة تتعلق بالحروب الأهلية، التدخلات الإقليمية والدولية، ومحاولات توطيد دعائم الدولة بعد سنوات طويلة من الانهيار السياسي.
وقائع الحروب والصراعات:
من أبرز مخلفات الصلات ما يلي:
- النزاعات الداخلية:
استمرت الاشتباكات بين الفصائل المسلحة التي كانت تسعى للسيطرة على أجزاء مختلفة من البلاد، لا سيما العاصمة مقديشو.
كما برزت حركات إسلامية، أبرزها اتحاد المحاكم الإسلامية، الذي أصبح قوة رئيسية بحلول عام 2006 وسيطر على معظم الجنوب بما في ذلك مقديشو العاصمة.
- تدخل القوات الإثيوبية (2006-2009):
طلب عبد الله يوسف مساعدة إثيوبيا لمواجهة اتحاد المحاكم الإسلامية بعد سيطرتها على مقديشو، وأدى التدخل الإثيوبي إلى اندلاع معارك عنيفة، أسفرت عن سقوط آلاف القتلى ونزوح مئات الآلاف، مما زاد من التوترات بين الحكومة الانتقالية والمعارضة الشعبية.
- ظهور حركة الشباب:
بعد هزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية، ظهرت حركة الشباب كجماعة متطرفة مسلحة، وبدأت في شن هجمات ضد القوات الإثيوبية والحكومة الانتقالية.
انتقال السلطة وتحديات الحكم:
الخلافات السياسية:
عانت الحكومة الانتقالية من الانقسامات الداخلية، بما في ذلك خلافات بين عبد الله يوسف ورئيس الوزراء علي محمد جيدي حول إدارة شؤون البلاد.
وفي نهاية المطاف، استقال علي محمد جيدي عام 2007 بعد ضغوط من عبد الله يوسف.
استقالة عبد الله يوسف (2008):
بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، أعلن عبد الله يوسف استقالته في ديسمبر 2008، مما فتح المجال لمرحلة انتقالية جديدة في البلاد.
توحيد البرلمان :
توحيد البرلمان وزيادة عدد أعضائه إلى أكثر من 500 كان جزءًا من خطة أوسع لتحقيق الاستقرار السياسي في الصومال، بعد انضمام فصائل من اتحاد المحاكم الإسلامية إلى العملية السياسية. رغم التحديات التي واجهت هذه الخطوة، إلا أنها مهدت الطريق نحو تشكيل حكومة اتحادية دائمة ونهاية المرحلة الانتقالية.وحدث ذلك تحديدًا مابين(2008-2009).
تم انتخاب شريف شيخ أحمد، أحد قادة اتحاد المحاكم الإسلامية سابقًا، رئيسًا للصومال في عام(2009).وأصبح البرلمان الموحد مسؤولًا عن انتخاب رئيس جديد للصومال في عام (2012).
من أبرز إنجازات هذه الفترة:
إنهاء الفترة الانتقالية، واعتماد دستور جديد مؤقت، وتأسيس حكومة اتحادية دائمة، وتعين 135 من شيوخ العشائر الذين يمثلون العشائر الصومالية لتنظيم انتخاباب غير مباشرة في أول مرة داخل البلاد بعد تأسيس الجمهورية الثالثة وطرد حركة الشباب من مقديشوا كقوة عسكرية مسيطرة في بعض المحافظات .
الانتخابات غير المباشرة (2012)
وفي عام (2012): تم انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في أول انتخابات غير مباشرة تنظمها الحكومة الفيدرالية الانتقالية داخل البلاد وكانت فترة رئاسة الأولى
وقد تميزت فترة رئاسة حسن شيخ محمود الأولى بمحاولاته الجادة لإعادة بناء الدولة الصومالية وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي؛ حيث كان له دور بارز في إرساء أسس النظام الفيدرالي، وتحسين الأمن، ودفع عجلة التنمية إلى الأمام؛ على الرغم من التحديات الأمنية السياسية والعقبات الاقتصادية التي كانت تحد دون تحقيق تطلعات الشعب الصومالي بالكامل.
أبرز الإنجازات والوقائع خلال فترة رئاسته الأولى:
- تعزيز مؤسسات الدولة:
إعادة بناء الحكومة الفيدرالية:
عمل على تأسيس نظام فيدرالي جديد في الصومال بهدف تعزيز الحكم المحلي وإشراك الأقاليم المختلفة في صنع القرار.
فتشكلت إدارات فيدرالية، إقليمية جديدة، مثل: تكوين مجلس الشيوخ الفيدالي، وتآسيس ولاية جلمدغ، ولاية جنوب غرب الصومال، ولاية جوبالاند، وولاية هيرشبيلي.
إقرار دستور مؤقت:
أُقر على الدستور المؤقت من قبل الجمعية التأسيسية الوطنية، التي تكونت من 825 عضوًا يمثلون مختلف العشائر والمجتمع المدني والمجموعات السياسية، وتم تعزيز الجهود المبذولة لتنفيذ الدستور الفيدرالي المؤقت، الذي كان نقطة انطلاق لبناء نظام يعتمد على التشاور واتخاذ القرارات الجماعية.
- العلاقات الدبلوماسية والدعم الدولي:
عودة الصومال إلى الساحة الدولية: خلال فترة ولاية حسن شيخ محمود الأولى كرئيس للصومال (2012-2017)، لأنه ركز على إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية وتعزيز الدعم الدولي، حيث كان ذلك جزءًا من الجهود الرامية لإعادة الصومال إلى الساحة الدولية بعد عقود من النزاع والفوضى.
أهم ملامح العلاقات الدبلوماسية والدعم الدولي خلال فترة ولايته:
استعادة العلاقات الدبلوماسية:
اهتمت البلاد في عهد الرئيس حسن الشيخ بناء العلاقات مع دول الجوار مثل إثيوبيا وكينيا، رغم التوترات القائمة بسبب القضايا الحدودية، والنزاع مع حركة الشباب. وشارك الرئيس في مبادرات إقليمية لتعزيز الأمن والتعاون الاقتصادي، خاصة في إطار الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)
تعزيز العلاقات مع الدول العربية:
أعاد بناء علاقات قوية مع دول الخليج، خاصة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، والتي قدمت دعماً مالياً ومساعدات إنسانية، شاركت البلاد في اجتماعات جامعة الدول العربية لتعزيز مكانة الصومال داخل العالم العربي.
علاقات مع الدول الغربية:
عمل على تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، حيث تم دعم الصومال في مجالات مكافحة الإرهاب وبناء المؤسسات.
الدعم الدولي:
حصل الصومال على دعم كبير من الأمم المتحدة عبر بعثتها (UNSOM) التي قدمت مساعدة فنية وسياسية لدعم بناء الدولة، وتم تعزيز جهود إعادة الإعمار من خلال برامج إنسانية وتنموية.
الاتحاد الأفريقي:
لعبت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) دوراً محورياً في دعم الأمن ومكافحة حركة الشباب. وتلقت قوات الأمن الصومالية دعماً وتدريباً من الاتحاد الأفريقي وشركاء دوليين.
الدعم المالي:
تمكنت حكومة حسن شيخ محمود من الحصول على مساعدات مالية كبيرة من الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي لدعم إعادة بناء الدولة وتحفيز الاقتصاد.
تم التركيز على إصلاح القطاع المالي لتعزيز الشفافية وزيادة إيرادات الدولة.
تحسين صورة الصومال دولياً:
ركز حسن شيخ محمود على تغيير صورة الصومال من دولة فاشلة إلى دولة تعمل لاستعادة عافيتها.
وشارك في قمم دولية ، إقليمية عديدة لتقديم الصومال كبلد يسعى للاستقرار والتنمية.
في عام 2013، تم الإعلان عن الصومال كعضو مؤسس في “منتدى إسطنبول” لتعزيز التعاون الدولي.
التحديات:
رغم التحسن في العلاقات الدبلوماسية، فقد استمرت التحديات مثل الفساد وعدم الاستقرار الأمني وتأثيرهما على الدعم الدولي، والخلافات السياسية الداخلية، والصراع مع حركة الشباب، أثرت سلباً على الاستفادة الكاملة من المساعدات الدولية.
وفي ظل رئاسته، استعاد الصومال الاعتراف الدولي وتم تعزيز علاقاته مع المجتمع الدولي.
عُقد مؤتمر لندن 2013 لدعم الصومال، حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم المساعدات المالية والإنسانية.
مكافحة الإرهاب وتحسين الأمن:
نفذت الحكومة عمليات عسكرية بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AMISOM) والقوات الصومالية لتحرير العديد من المناطق من سيطرة حركة الشباب.
واستعادت الحكومة السيطرة على مناطق رئيسية مثل مدينة براوي، ومدينة ربطوري في منطقة بكول، وعدة مدن أخرى .
وبدأت الحكومة في إعادة بناء الجيش والشرطة وتدريبهم بمساعدة شركاء دوليين مثل تركيا والولايات المتحدة.
الإصلاح الاقتصادي وتحسين إدارة الموارد:
عملت الحكومة على تحسين إدارة الأموال العامة والحد من الفساد، وإن كانت هذه الجهود قد واجهت تحديات كبيرة.
عودة النظام المالي:
استأنفت البنوك الدولية تعاملها مع الصومال، وبدأ الصومال تطوير نظام مالي أكثر شفافية.
النزاع البحري مع كينيا:
قدمت الصومال قضية نزاع الحدود البحري مع كينيا إلى محكمة العدل الدولية في فترة رئاسة حسن شيخ محمود الأولى، وفي عام 2021، قضت المحكمة لصالح الصومال في معظم المناطق المتنازع عليها، في ظل رئاسة محمد عبدالله فرماجو، مما اعتُبر انتصارًا دبلوماسيًا كبيرًا.