مختار روبو بعد فراره من الشباب زار صديقه احمد مدوبي ولم يكد يعرفه. لم ير أمامه ذلك الشيخ المتهالك ذي اللحية الكثة المشتعلة شبيا متوشحا بندقيته على كتفه مرتديا الزِّي الافغاني الرث الفضفاض وانما رأى أمامه كهلا كأنما بلغ أشده للتو مفتول العضلات تبدو عليه آثار النعمة ونضارة العيش قد هذب لحيته وشذبها ولا يرى فيها اثر الشيب مرتديا بدلة فاخرة قصيرة الكم على مقاسه غير فضفاضة ويعرف محليا ب”الفيتشاري” واضعا قلمه على جيبه اليسرى وممسكا عصاه على يده اليسرى مستريحا على أريكة في الصالون الرئاسي.
دخل الشيخ مختار على الصالة ولم يصدق ما رأته عيناه من المنظر الرهيب. وقف مشدوها سارحا في ذكريات الماضي يصعد طرفه في الغرفة تارة ويصوبه في احمد مدوبي تارة اخرى. نهض الشيخ احمد وربته على كتف صديقه بحنان وأجلسه على الجانب المقابل من الأريكة ثم قال له مرحبا با شيخ مختار، حللت اهلًا ونزلت سهلا. سكت الشيخ مختار ريثما يستجمع ذكرياته، ثم دار بينهم الحوار التالي:
شيخ مختار: ما هذا يا شيخ احمد. اراك تغيرت وفتنتك الدنيا.
شيخ احمد: الله وحده هو الذي لا يتغير، وسبحان الله مغير الأحوال. اما متاع الدنيا فلا حرج فيها اذا لم تصدك عن ذكر الله.
شيخ مختار: اري لك ملكاعظيما يا شيخ احمد، وهل لى ان أسالك بعض الأسئلة لعلي اجد عندك جوابا شافيا.
شيخ احمد: لا باس. تفضل.
شيخ مختار: قل لي من المسلم يا شيخ احمد؟.
شيخ احمد: المسلم من سلم الناس من أذاه.
-شيخ مختار: ومن هو المؤمن؟
شيخ احمد: المؤمن من آمن الناس في دينهم وأنفسهم.
فاطرق الشيخ مختار مليا، ثم تابع في طرح الأسئلة.
ومن هو الكافر؟
الكافر من كفر (بتشديد الفاء) المسلمين.
-ومن المجاهد؟
الذي جاهد نفسه وقهرها
-ومن الشهيد؟
الشهيد من شهد الناس على حسن اخلاقه وتعامله مع الناس.
– ومن المرتد؟
– المرتد من ارتد سلاحه على قومه
– ومن الخوارج؟
– الخوارج من خرجوا على شعوبهم.
– سكت الشيخ مختار وأطرق اطراق الشجاع، ثم قال: صدقت والله ولم تقل الا الحق، وبم توصيني يا شيخ احمد؟
-اوصيك ان تتبع خطاي خطوة خطوة، وانا دليلك على الطريق الى العُلى ومرشدك الى تتويجك ملكا على باي وبكول.
-جعلت نفسي فداك يا شيخ احمد، قل لى ما الطريق الى ذلك؟ فإنني سئمت حياة المشقة والضنك والجهاد وأريد ان أخذ نصيبي من الدنيا كما تأخذ انت نصيبك من الدنيا.
-حسنا با شيخ مختار، اسمع مني واصغ الي جيدا فأنت صديقي ورفيق دربي فإنني أمحضك النصح والرائد لا يكذب أهله.
-اثق فيك يا صديقي، ولولا ثقتي فيك لما شددت الرحال الى ذراك.، فأرشدني الى الطريق، جزاك الله خيرا.
-تنحنح شيخ احمد ثم سكت برهة ريثما يستجمع الافكار ثم قال له: اسمع يا صاح، وقديما قالوا “خير الكلام ما قل ودل” فأنا لا أريد ان أطيل عليك الكلام وأدور بك والف فيما لا يفيد. انك ان أردت عرش باي وبكول فالطريق الى ذلك يبدأ من الأمريكان ويمر بنيروبي وينتهي بأديس أبابا.
-حملق الشيخ مختار وزمجر وارعد وأزيد ووقف غاضبا محمرا عيناه ، فقال ما ذا تقول يا شيخ احمد؟ الطريق هو واشنطن وأديس أبابا ونيروبي! والله ما كنت أظن انك تتجرأ على ان تتفوه امامي بمثل هذا الكفريات. فوالله، انك لتعرف انه لم يرفع راية جهاد في اي بقعة من بلاد المسلمين الا وكان لي فيها صولات وجولات. انا الشيخ مختار ابو منصور، أسد باي وبكول. قهرت الأمريكان في شوارع مقديشو وذقت الاثيوبيين كأس الذل والهزيمة ايّام المحاكم وغزوت معسكرات الجنود الكينيين في الحدود وتركتهم بين قتلى وجرحى. فوالله، ما في طول البلاد وعرضها جبل الا علونه وأطلقت منه المدافع ولا واديا الا هبطته مطاردا الأعداء ولا نهرا الا عبرته متقصيا اخبار المعتدين ولا غابة الا ونصبت فيها كمينا للغازين. أنسيت كل هذا يا احمد وتقول لي بوقاحة “الطريق الى عرش باي وبكول في أيدي هولاء الكفار. فوالله، لو كان معى اليوم حزامي الناسف لفجرته في وجهك وكتبت الله لي الشهادة بذلك.
– هون عليك شيخ مختار، لا ترعد ولا تزبد. فوالله، ما أردت الا النصح وانت الذي سألتني عن ذلك، والدين النصيحة كما ورد في الاثار. والامر إليك وما علي الا النصح والإرشاد. يبدو انني أخطأت التقدير، فما زلت شبابي الهوى والفكر، ولو انني استقبلت امري ما استدبرته وعرفت خبايا نفسك لما بعثت إليك دعوة لحضور داري. وهذا فراق بيني وبينك فانج بنفسك قبل ان يأتي رجال الأمن ويجروك من الغرفة جرا.
– جلس الشيخ مختار في وجوم وساد في الغرفة السكون وأطرق يفكر ثم قال: عفوا، لا تؤاخذني شيخ احمد، فأنت كريم من آل كرام وانا حديث عهد بالشباب كما تعرف ولا أستطيع الفكاك من افكارهم بيسر واحتاج الى وقت طويل للتأقلم مع الأوضاع المستجدة والافكار الجديدة واعدك انني لن أعصي لك أمرا بعد اليوم وإنني حزمت امري واتخذت قراري بان احذو حذوك واتبع خطواتك حتى لو ذهبت الى تل أبيب لذهبت معك، ولكن كيف السبيل الى هذا الطريق التي اشرت اليه آنفا؟
–
– حسنا، قبلت اعتذارك هذه المرة با شيخ مختار، وهاأنا اعطيك السبيل الى هذه العواصم. دعني اولا ألفت انتباهك الى شيي مهم يتعلق بهندامك وشكلك وزيك، فتغيير الشكل دليل على تغيير الافكار والشكل عنوان الشخص والهندام بريده الى النفوس. ابدا باللحية اولا وشذبها وخففها وان استطعت فاحلقها فان اللحية الكثيفة مصدر ذعر عند هولاء الكفار ولديهم عقدة من اللحية المرسلة، ثم اخلع هذا الزِّي الافغاني الفضفاض والبس بدلة أنيقة على مقاسك وانا سادفع لك فاتورة البدلة الاولى، ولا تنس تغيير الحذاء فهذا الساندل المفتوح الذي تلبسه من شارات المتطرفين. وبعد ذلك تتبادل الرسايل مع الضباط العسكريين الأمريكان في القواعد الامريكية في افريقيا وخاصة الضباط في قاعدتهم العسكرية الأكبر في جيبوتي واشرح لهم موقفك وأخبرهم انك خرجت من جماعة الشباب ثم اعرض لهم نيتك في التعاون معهم لسحق المتطرفين. واذا فعلت ذلك فأنا لا أشك انهم سيبعثون إليك دعوة خاصة لزيارة قاعدتهم العسكرية للتباحث حول سبل التعاون فيما بينكم والطريقة المثلى لمساعدتك. وهذه الزيارة ستكون بمثابة مفتاح لأبواب العواصم الاخرى في أديس أبابا ونيروبي وغيرها من العواصم العربية مثل الرياض ودبي والقاهرة. فحينها لن تكون مثل هذا الرجل المتواضع القابع امامي وسوف يكون لك شأن وستصبح معادلة صعبة في السياسة الصومالية. وعندي شيي اخر اسرك به وهو انني أقول في نفسي احيانا ان الشباب كانوا على حق حينما قالوا بكفر الحكومات في بلادنا. تصور يا شيخ مختار ان احدا من هولاء الروساء الصوماليين لا يحسن الصلاة بدءا من الرييس فرماجو ورئيس وزرائه خيري وانتهاء برؤساء الأقاليم شريف حسن وغاس وواري، ولا احد منهم بحسن قراءة الفاتحة لذلك انا أؤمهم بالصلاة في جميع مناسبات اجتماعاتنا وأعدك انك اذا انضممت إلينا فإنني اترك لك الإمامة واتخلف الى الصفوف الخلفية فتؤمنا جميعا، وانت ان تعرف ان الإمامة في الصلاة أمامة دينية وهي أفضل من الإمامة السياسية الدنيوية وسيجتمع لك بذلك الأماميتين الدينية والدنيوية.
-بارك الله فيك صديقي شيخ احمد وكثر الله من امثالك. سؤالي الأخير سيدي احمد- واعتذر ان أكثرت عليكم الأسئلة- كيف توصلتم الى هذا الفهم الحديد للإسلام؟ وهل نزل عليكم قران جديد بعد ان انسحبت من صفوف الشباب؟ ومامصير عقيدتنا السلفية التي تربينا عليها اذا طبقنا فهمك الجديد للإسلام؟
– ابتسم شيخ احمد فقال له: يا شيخ مختار، هون عليك الامر فإنني توصلت الى هذا الفهم منذ ان وقعت جريحا في معارك المحاكم ضد الاثيوبيين وكنت على شفا الموت لولا ان عناية الله أنقذتني. وترسخ هذا الفهم منذ أصبحت رئيساً لولاية جولا لاند. ومنذ ذلك اليوم الذي وقعت جريحا في معارك المحاكم قررت ان أخذ نصيبي من الدنيا فلا احد منا يدري ما يفعل به بعد الموت ايكون الى حفرة من حفر النار او روضة من رياض الحنة. دعنا نبادر ونستمتع بما نملك من متع الدنيا. اما سؤالك عن مصير عقيدتنا السلفية فهذا جوابه واضح وكنت اظن انني شرحت ذلك فيما مضى. والمعادلة هنا بسيطة يا صديقي فانك اذا أردت ان تكون ملك باي وبكول فانس السلفية واحذف مصطلحاتها من الكفر والفسق والبدعة وتطبيق الشريعة من قاموسك، فأنت لا يمكنك ان تجمع بين السلفية وبين رئاسة باي وبكول، فاختر أيهما شئت.
-لله درك يا شيخ احمد، ما أحسن فهمك، فأنا معك في هذه السفينة. نحن جربنا معا الشباب وجهادهم فلنجرب معا الرئاسة وأهواءها.