صادفت ظهيرة يوم الأربعاء خلال عودتي من العمل مظاهرة شعبية، قلتُ في نفسي ربما هذه استكمال لمظاهرات ” القات” التي شهدتها مدينة غرووي مؤخراً،
لكن الذي استوقفني هي مشاهدتي للربطة الحمراء المعصوبة على راسهم، ورنيم الصوت الذي ينطلق من حناجرهم، فالصوت الذي سمعته كان أعمق، كان أصدق، والوجوه لم تكون وجوه عادية بل وجوه اخفاها الغضب والخنق
أرهفت السمع للهتاف، ألمني الهتاف “شخصياً” فالصوت كان صوت خالي وخالتي، ترددت عن الكتابة كثيراً، قُلت ربما الحق لا يُجري على لساني، والحقيقة قد تغيب من فيض المشاعر لجزء الثاني، راودت القلم كثيراً وراودني، وتذكرت بأن الحقيقة والحق عندما يُنادي بها الشعب لا يزعمون فيها لا يظللون، بل الحقيقة موجودة في ذواتهم، الشعوب لا ترى وجوه متعددة للعدالة، لا ترى تفاصيل الصغيرة، لا يعني ذلك بأنها لا تفهم، بل لإنها تُومن بالكليات المشتركة، هي تضع لنفسها معيار “أسوة بغيري”، أسوة بغيري في الحياة ، أسوة بغيري في الحرية، الشعوب عبر كل الأزمان مثالية في مطالبها، وهذه المثالية ليست مثالية مطاطةً فلسفية، بل مثالية واضحة المعالم، معروفة المصدر، الشعوب عنيدة في ما تؤمن به، قد تخاف، وتُرهب، وقد تُجر للفتن والتوترات ونزاعات بين أفرادها، لكن عندما يكون الرهان على الأرض يستيقظ روح العناد فيها وتصرخ ” أنا السيد هنا”، هنا أرضي، هنا قانوني.
“إذا كنت محايدا في حالات الظلم فقد اخترت أن تكون بجانب الظالم “.” دزموند توتو”
“لاسعانود” ولسنوات عديدة كانت ضحية لظاهره الإفلات من العقاب، وهذا الإفلات شجع على تكرار الجرائم خاصة جرائم القتل، مما تسبب في فقد المدينة لكثير من رموزها وعلمائها، وأصاب السلم الأهلي بأضرار لا تُعد ولا تُحصى، أضف إلى ذلك هجرت بعض أبنائها إلى خارج المدينة بحثاً عن الأمان، مما أثقل كاهل المدينة اقتصادياً ونفسياً.
لاسعانود حُصرت في واقع أليم، وفي ظلم، وفي ظلام يرافق هذا الظلم، وفي صمتاً خارجي يتوطى مع هذا الظلم، لاسعانود لم تختار أن تكون جزء من حكاية مليئة بالأحداث التي نُسجت فيها وبها وعليها ،ولم تختار لتكون جزء من قصة وحلمً لا يناسبها، هي ببساطة وجدت نفسها في وضع تعاقدي بُني على الإكراه، وجدت نفسها في دائرة من الصراعات وتنافس الخارجي، الذي أوقعها بين فكي ومخالب الأسد ، حاولت لاسعانود أن تُساير تلك الحكاية، بدأت تُفكر كيف تُتقن فن الدبلوماسية المتحركة المُتبدلة، أن تعرف كيف تُغيير الأثواب، وأن تتكلم أكثر من اللغة، وتغيير من جلدها مرات ومرات، وبعد كل ذلك جهود لم تنجح، لم تستطيع ان تكون ألا نفسها.
لاسعانود اليوم بدأت باختيار الحِراك السلمي، وهو نوع من النضال الصعب الذي يحتاج إلى إرادة كبيرة، وثبات وضبط لا يتوفر لأي كان، لكنه حِراك يناسب الموقف، فالصراع بين أبناء الوطن الواحد يجب أن يكون سلمياً، وحتى تستمر السلمية فلتنهض الهمم والعقول في السعي وبسط بساط السلام وحقن الدماء بين المسلمين