بين قبيلتي الهوية والدَّرُود: صراع السلطة ومهددات الوحدة في الصومال
—
منذ لحظة استقلال الصومال في عام 1960، ظل الصراع السياسي والاجتماعي بين قبيلتي الهوية والدَّرُود يشكّل أحد أبرز عوامل الانقسام التي عصفت بمشروع الدولة الوطنية. وعلى الرغم من غموض الجهة التي أشعلت هذا الصراع، فإن المؤكد أن هاتين القبيلتين ظلّتا على مدى العقود شريكتين، وإن بدرجات متفاوتة، في تغذيته وتأجيجه، حتى أصبح واحدًا من الأسباب الجوهرية لانهيار الحكومات المتعاقبة، وتآكل مؤسسات الدولة، وتفكك اللحمة الوطنية.
لقد ألقت هذه الخصومة بظلالها القاتمة على تاريخ البلاد، بدءًا من الحكومات المدنية الأولى، مرورًا بسقوط الدولة الثورية التي حكمت البلاد بقبضة حديدية بين عامي 1969 و1991، وانتهاءً بالحالة الراهنة التي تتسم بالتشظي السياسي والانهيار الأمني. وبعد مضي أكثر من أربعة عقود على بداية هذا الانهيار، لا تزال آثار ذلك الصراع حاضرة بقوة في المشهد الصومالي، وتتمدد تداعياته في صور جديدة لا تقل خطرًا عن سابقاتها.
“ومن أبرز التحديات المستجدة التي تُهدد الكيان الوطني الصومالي، طموحات الانفصال التي تتبناها بعض القوى المنضوية تحت ما يُعرف بـ”القبيلة الوسطى”، وفي مقدمتها قيادات من عشائر الإسحاق، التي تسعى إلى فرض واقع انفصالي في شمال البلاد دون توافق وطني أو غطاء دستوري. ويُنظر إلى هذا المسار الانفصالي على نطاق واسع بوصفه أحد أخطر مصادر التهديد لوحدة الدولة الصومالية، لما ينطوي عليه من إقصاء لمكونات محورية، وفي مقدمتها قبيلة الدارود، وما يمثّله من إخلال بتوازنات تقاسم السلطة، وإعادة رسم الخريطة السياسية خارج إطار التوافق الوطني الحالي.
وفي الجهة المقابلة، تمثّل الجماعات المتطرفة، وفي مقدمتها ما يُعرف بـ”الخوارج”، تهديدًا وجوديًا بالغ الخطورة على الدولة الصومالية بأسرها، غير أن وطأة هذا الخطر تتركز بشكل خاص على قبيلة الهوية، إذ تستهدف تلك الجماعات المناطق التي تشكّل الامتداد الجغرافي والاجتماعي الرئيس للقبيلة، الأمر الذي لا يهدد استقرار هذه المناطق فحسب، بل يضعف قدرة القبيلة على الحفاظ على كثافتها السكانية وتوازنها ضمن معادلة تقاسم السلطة الوطنية، وقد يفضي، في حال تفاقم الوضع، إلى تغيّر ديموغرافي خطير يمسّ بنية القبيلة ومكانتها داخل الكيان الصومالي.
وبهذا، يبدو أن المشروعين – الانفصالي والمتطرف – وإن اختلفت وسائلهما، يشتركان في هدف واحد: تقويض وحدة الدولة الصومالية، وإعادة تشكيلها وفق أسس فوضوية تقطع الطريق على أي مشروع وطني جامع. وهو ما يجعل من التعاون بين القيادات الواعية والنخب الفكرية في قبيلتي الهوية والدَّرُود ضرورة وطنية قصوى، لا بد منها لمواجهة هذا الخطر المزدوج.
إن المطلوب اليوم ليس مجرد تهدئة مؤقتة للصراع، بل مقاربة استراتيجية شاملة تُبنى على الحوار، والمكاشفة، والمصالحة التاريخية. فغياب التفاهم واستمرار الاحتراب لن يؤدي إلا إلى مزيد من التآكل والتفكك، في حين أن استعادة الثقة وبناء شراكة حقيقية بين المكونات الكبرى في البلاد هو السبيل الوحيد لإنقاذ الدولة من السقوط التام.
ختاما: في ضوء ما تقدم، تبرز الحاجة الملحة إلى أن تتحمل القيادات القبلية والسياسية والثقافية في الصومال، ولا سيما في قبيلتي الهوية والدَّرُود، مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب والوطن. فاستمرار التنازع، في ظل ما تشهده البلاد من مشاريع انفصال وتمدد لجماعات العنف، لا يخدم سوى أجندات الفوضى والتقسيم. أما المصير المشترك، فهو رهنٌ بإعلاء صوت الحكمة، وتغليب المصلحة العامة، والعمل المشترك على إحباط المشاريع الهدامة التي تستهدف الدولة من الداخل والخارج على حد سواء.