مقدمة البحث:
في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها الصومال منذ عقود، تسعى الدولة جاهدة لاحتواء هذه التحديات عبر تحشيد الدعم الخارجي والداخلي. ورغم تلك المحاولات الرامية إلى تحسين الوضع الأمني، إلا أن التقدم في هذا المجال لا يزال محدوداً. وتبقى قضية التطرف والتشدد أحد أخطر التهديدات التي تعيق استقرار البلاد وتعرقل مسيرتها نحو التقدم، حيث يمثل التطرف العنيف تهديدًا ليس فقط على المستوى الأمني، بل يمتد تأثيره إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يستدعي استجابات حازمة وشاملة.
ولذا، فإن الحكومة الصومالية تبذل قصارى جهدها لمكافحة هذه الظاهرة من خلال وضع استراتيجيات متكاملة تشمل المحاور الفكرية، والعسكرية، والمالية، والتنموية، بهدف التصدي لجذور التطرف ومعالجة آثاره المدمرة للاستقرار.
ومن جهة أخرى فإن الحكومة تسعى إلى تعزيز سيادة القانون، ونشر قيم التسامح والاعتدال، ومحاربة الأفكار السلبية التي تغلغلت ودست في نفوس بعض الفئات من المجتمع الصومالي، كما تقوم بتكثيف الجهود التنموية والتي تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية التي أدت صعود التطرف الفكري إلى أعلى المستويات في الصومال، مثل الفقر، والبطالة، والجهل، فإن تلك الجهود تمثل إطارًا شاملاً لتجاوز هذا التحدي وتحقيق السلام المستدام في البلاد.
وعلى هذا فإن هذه الدراسة تسلط الضوء على هذه الجهود وتقيّم مدى فعاليتها في الحد من التطرف وتحقيق الأمن بشكل عام.
مشكلة البحث:
يمثل التطرف الفكري أحد أبرز التحديات التي تواجه الصومال، حيث عانى المجتمع من آثاره العميقة أمنيًا وسياسيًا. على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة خلال العقدين الأخيرين، لا تزال هذه الظاهرة تشكل تهديدًا مستمرًا، مما يثير التساؤل حول مدى فعالية السياسات الحالية في مكافحة التطرف فكريًا وعسكريًا واقتصاديًا.
أسئلة البحث:
- ما مفهوم التطرف الفكري الحديث؟
- ما هي جهود الحكومة الصومالية في محاربة التطرف؟
- كيف تؤثر الجهود الفكرية والعسكرية والمالية للحكومة على مكافحة التطرف؟
- ما التحديات التي تواجه الحكومة في تفعيل استراتيجياتها؟
- ما مدى نجاح الحكومة في تجفيف مصادر تمويل الجماعات المتطرفة؟
- هل تسهم الحملات الفكرية في تقليل انتشار الأفكار المتطرفة بين الشباب؟
أهداف البحث:
- تحليل مفهوم التطرف الفكري الحديث.
- دراسة الجهود الحكومية لمكافحة التطرف بمختلف أبعاده.
- الكشف عن التحديات التي تواجه الحكومة واقتراح حلول عملية.
- مقارنة النهج الصومالي مع تجارب دولية لاستخلاص الدروس المستفادة.
أهمية البحث:
- الجهود الفكرية: يبرز البحث أهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة الأيديولوجيات المتطرفة من خلال تعزيز قيم الوسطية والاعتدال.
- الجهود العسكرية: يوضح البحث دور العمليات العسكرية في تقويض نفوذ الجماعات الإرهابية، تحرير المناطق، وتعزيز الأمن والاستقرار.
- الجهود المالية: يعرض البحث التدابير الحكومية لمكافحة تمويل الإرهاب من خلال مراقبة الأنشطة المالية غير المشروعة ودعم الاستقرار الاقتصادي.
فروض البحث:
- تقلل الجهود الفكرية من انتشار الفكر المتطرف.
- العمليات العسكرية تحد من تأثير الجماعات المتطرفة.
- التعاون الدولي يعزز فعالية جهود الحكومة.
منهجية البحث:
- المنهج الوصفي التحليلي: لتحليل الجهود الحكومية.
- المنهج المقارن: لمقارنة استراتيجيات الحكومة مع تجارب دول أخرى.
حدود البحث:
- الحدود زمانية: 2022-2024.
- الحدود مكانية: جمهورية الصومال الفيدرالية.
- الحدود الموضوعية: جهود الحكومة الصومالية في مكافحة التطرف.
الدراسات السابقة:
- عرض الدراسة الأولى/اسم الباحث: علي أحمد عبد الرحمن. /عنوان الدراسة: “دور الحكومة الصومالية في مواجهة الإرهاب”. /السنة والمؤسسة: 2020، جامعة مقديشو. /نوع الدراسة: ماجستير (غير منشورة).
يهدف البحث تقديم دراسة حول استراتيجيات الحكومة الصومالية في مكافحة الإرهاب وتحليل نقاط القوة والضعف فيها، واستخدم الباحث المنهج الوصفي التحليلي، حيث توصل الباحث في نتائجه: قد تم تركيز الجهود الحكومية بشكل رئيسي على الجانب العسكري مع ضعف التركيز على البعد الفكري والتمويلي.
- عرض الدراسة الثالثة/اسم الباحث: محمد يوسف حسن. /عنوان الدراسة: “الجهود الإقليمية والدولية في مواجهة الإرهاب في القرن الإفريقي”. /السنة والمؤسسة: 2021، جامعة القاهرة. /نوع الدراسة: دكتوراه (منشورة). هدفت هده الدراسة إلى تقييم جهود التعاون الدولي والإقليمي في مكافحة الإرهاب بالتركيز على الصومال، مستخدما المنهج المقارن والتحليلي. ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث هي أن التعاون الدولي يعزز فعالية جهود للدولة، إلا أن عدم التنسيق المحلي يعوق تحقيق الأهداف.
هيكل البحث:
“يشمل ثلاثة مباحث رئيسية: النتائج، التوصيات، والخاتمة.”
- المبحث الأول:الإطار العام لمفهوم التطرف وآثاره السلبية
- المبحث الثاني:جهود الحكومة الصومالية في مواجهة التطرف
- المبحث الثالث:جهود الحكومة الصومالية في مواجهة التطرف مقارنة بالتجارب دولية
- النتائج ،والتوصيات، الخاتمة:.
المبحث الأول:الإطار العام لمفهوم التطرف وآثاره السلبية
مفهوم التطرف: التطرف يعني الميل إلى أحد الطرفين والخروج عن الوسطية والاعتدال. ووفقًا لما ورد في لسان العرب لابن منظور: “الطرف هو الجهة البعيدة أو الحد الأقصى، ويُستخدم مجازًا للإشارة إلى مجاوزة الحد”([1]) أما اصطلاحًا، فقد عرّفه مجمع الفقه الإسلامي للتطرف:”التطرف هو ميل فكري وسلوكي يدفع الأفراد أو الجماعات إلى تجاوز الضوابط الشرعية والاجتماعية، باستخدام أساليب عنيفة لفرض آرائهم”.([2])كما يُعرَّف التطرف قانونيًا بتبني مواقف متشددة تهدد الأمن الاجتماعي والسياسي. أما ابن تيمية فقد أوضح أن الغلو “هو مجاوزة الحد في الأمر، ناتج عن الجهل بالنصوص الشرعية”([3])
أسباب التطرف الفكري:
يُعَدُّ التطرف الفكري ظاهرة معقدة تنجم عن تداخل عدة عوامل. فيما يلي أبرز الأسباب المؤدية إلى التطرف، مرتبة بشكل متناسق وموجز:
- الجهل بأصول الدين: يُعد من أبرز أسباب التطرف، إذ يؤدي الجهل إلى التعامل السطحي مع النصوص الشرعية. يقول الإمام الشاطبي: “كل من اقتصر على ظاهر الشريعة دون التعمق في مقاصدها يسير إلى التشدد والابتداع”([4])
- . التأويل الخاطئ للنصوص: أشار ابن القيم إلى أن “الجهل بالتأويل الصحيح للنصوص يُعد من أعظم أسباب الفتن في الدين”([5])
- . العوامل النفسية والاجتماعية: يشعر بعض الأفراد بالعزلة والتهميش الاجتماعي، مما يدفعهم نحو البحث عن الانتماء في جماعات متطرفة.
- التأثيرات العائلية: غياب الحوار داخل الأسرة وضعف التواصل بين أفرادها قد يؤدي إلى انحراف فكري لدى الشباب.
- العوامل الاقتصادية: الفقر والبطالة قد يدفعان الأفراد للانضمام إلى جماعات متطرفة بحثًا عن تحسين أوضاعهم المعيشية.
- العوامل السياسية: يشعر بعض الأفراد بالظلم والقمع السياسي، مما يدفعهم إلى تبني أفكار متطرفة كرد فعل.
- دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي: تُسهِم بعض المنصات الإعلامية في نشر الأفكار المتطرفة، مما يؤدي إلى زيادة انتشارها بين الأفراد.
آثار التطرف السلبيةعلى الدين والمجتمع:
- تشويه صورة الإسلام وتصويره كدين عنف.
- استهداف الشباب واستغلال طاقاتهم في العنف.
- إضعاف الوحدة الاجتماعية بسبب خطاب الكراهية.
- انتشار التكفير وإباحة دماء الأبرياء.
على الأمن الوطني:
- زعزعة الاستقرار بسبب الهجمات الإرهابية.
- استنزاف موارد الدولة عبر المواجهات العسكرية.
على الاقتصاد:
- تدمير النشاط التجاري والمرافق العامة.
- زيادة الفقر والبطالة، مما يسهم في استقطاب الشباب.
- على الجانب النفسي والاجتماعي:
- تفاقم القلق والخوف بين المواطنين.
- اضطرابات ما بعد الصدمة بين الضحايا.
المبحث الثاني:جهود الحكومة الصومالية في مواجهة التطرف
المبادرات الفكرية والتوعوية
عملت الحكومة الصومالية على مواجهة التطرف عبر تعزيز الفكر المعتدل، بالتعاون مع العلماء والدعاة لتوضيح مقاصد الشريعة الإسلامية ونبذ الإرهاب. كما أغلقت الحسابات المرتبطة بالجماعات الإرهابية على الإنترنت، مما قلّص انتشار خطاب الكراهية.([6])
إعادة التأهيل
أنشأت الحكومة مراكز لإعادة التأهيل، استهدفت الأفراد المتأثرين بالفكر المتطرف. تضمنت البرامج تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز التفكير النقدي، مما ساهم في إعادة دمج الشباب في المجتمع.([7])
التعاون الدولي
تم تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية لتنفيذ برامج تهدف إلى تعزيز الاستقرار، بما في ذلك تخصيص موارد لإعادة تأهيل الشباب ومكافحة التطرف الفكري.([8])
دور وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:
لعبت الوزارة دورًا محوريًا في تعزيز الوسطية من خلال فعاليات مثل مؤتمر علماء الصومال (2023-2024)، الذي ركّز على مواجهة الفكر المتطرف وتوحيد العلماء خلف الدولة لتحقيق المصلحة العامة للأمة الصومالية.([9])
العمليات العسكرية والأمنية:
أطلقت الحكومة بين 2022 و2024 أكثر من 2500 عملية عسكرية استهدفت الجماعات الإرهابية، مما أدى إلى تحرير 120 منطقة ومقتل 5000 عنصر إرهابي. كما ساهمت الجهود الشعبية، خاصة في ولاية هيران، في رفع معنويات القوات وتعزيز الاستقرار.([10])
مكافحة تمويل الإرهاب
أقر البرلمان الصومالي قانونًا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عام (2016)، عرّف الجرائم ذات الصلة وحدد العقوبات. أسهمت هذه الجهود في إغلاق مئات الحسابات البنكية المرتبطة بتمويل الجماعات الإرهابية. كما تم التصدي للضرائب القسرية التي فرضتها الجماعات تحت مسميات زائفة مثل “الزكاة” و”التبرعات الخيرية” .([11])
التحديات أمام جهود مكافحة التطرف
- ضعف البنية التحتية الأمنية.
- انتشار الفكر المتطرف عبر الإنترنت.
- الفقر والبطالة كعوامل رئيسية للتجنيد.
- تعقيد التضاريس الجغرافية وصعوبة تنفيذ العمليات.
- ضعف التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والسلطات المحلية.
إعادة الأمل في المناطق المحررة:
ضمن برنامج “إعادة الأمل”، بذلت الحكومة الصومالية بقيادة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري جهوداً متواصلة لتأهيل المناطق المحررة من سيطرة الجماعات الإرهابية المتطرفة. وقد شملت هذه الجهود تقديم الخدمات الأساسية وإعادة تأهيل البنية التحتية، بهدف دعم استقرار المواطنين وتعزيز ثقتهم بمؤسسات الدولة.
التعليم:
نجحت الحكومة في إعادة فتح المدارس المغلقة منذ سنوات، مثل تلك الموجودة في مدن الكوثر، عيل طير، حرطير، وسل. كما تم تأهيل المدرسين وتحديث المناهج الدراسية. ونتيجة لذلك، شارك طلاب المناطق المحررة، لأول مرة منذ سنوات، في الامتحانات الحكومية، مما ساهم في تحقيق التكافؤ التعليمي وتعزيز ارتباط الطلاب بالنظام التعليمي الوطني.
الصحة:
أعادت الحكومة تشغيل المستشفيات المغلقة، مثل مستشفيات علي جدود وآدم يبال، وافتتحت مراكز صحية جديدة تقدم خدمات طبية مجانية. كما نظمت حملات توعية بالأمراض المنتشرة وقدمت اللقاحات في مناطق مثل مقكر ومحاس، مما رفع من مستوى الصحة العامة.
الأمن:
لتعزيز الأمن، أنشأت الحكومة مراكز شرطة جديدة في المناطق المحررة، مثل مدينة عيل برف، وبدأت تدريب كوادر أمنية محلية. إضافة إلى ذلك، وُضعت خطط لإعادة فرض النظام القانوني ومحاسبة مرتكبي الجرائم، مما ساهم في تعزيز الشعور بالأمن بين المواطنين.
الخدمات العامة
شهدت المناطق المحررة تحسينات كبيرة في البنية التحتية، حيث أنشأت الحكومة محطات كهرباء ومشاريع لتحسين شبكات المياه والصرف الصحي. كما وفرت خدمات الإنترنت لأول مرة في بعض المناطق، مثل مدينة بحظو. بجانب ذلك، تم توزيع المواد الغذائية ومستلزمات الإغاثة لتلبية احتياجات السكان المتضررين.
التنمية الاقتصادية والاجتماعية
وفرت الحكومة تمويلات لدعم المشروعات الصغيرة، مما ساعد على تنشيط الاقتصاد المحلي. كما أطلقت برامج لتأهيل المتضررين من الصراعات، خصوصاً النساء والأطفال، لإعادة دمجهم في المجتمع.
الأثر العام لهذه الجهود:
أدت هذه التدابير إلى رفع مستوى المعيشة وتعزيز الاستقرار في المناطق المحررة. وظهرت نتائج ملموسة، مثل مشاركة الطلاب في الامتحانات الوطنية، والتي كانت رمزاً لوحدة البلاد واستعادة السيادة الوطنية. إضافة إلى ذلك، ساهمت هذه الإنجازات في تعزيز ثقة المواطنين بالمؤسسات الحكومية ودعمهم لجهود الدولة في مواجهة التطرف.([12])
تحسين الأمن في العاصمة مقديشو: تحليل وتقييم
شهدت العاصمة مقديشو تطورات أمنية ملحوظة خلال السنوات الأخيرة بفضل الله ثم بفضل الجهود الحثيثة التي بذلتها قوات الأمن الصومالية، إضافة إلى الدعم والتوجيه من القيادة العليا. وقد ارتكزت هذه النجاحات على خطط استراتيجية محكمة تضمنت استخدام أنظمة مراقبة متطورة، تعزيز الإجراءات الأمنية، والتعاون الوثيق بين المواطنين والجهات الأمنية. أسهمت هذه التدابير في تقليل الهجمات الإرهابية بشكل كبير، مما أعاد الاستقرار النسبي للعاصمة وأعاد الثقة بين المواطنين والسلطات.وفيمايلي من أبرز أسباب تحسين الأمن.
أولا: دور أنظمة المراقبة في تحسين الأمن
قامت السلطات الأمنية بتطبيق نظام شامل يعتمد على تركيب كاميرات مراقبة في المواقع الحيوية والطرق الرئيسية، مع ربطها بمراكز عمليات مركزية تديرها الأجهزة الأمنية. وفقاً لتقارير أمنية، أسهم هذا النظام في الكشف السريع عن الأنشطة المشبوهة وتحديد منفذي الهجمات الإرهابية. ومن أهم النتائج الإيجابية لهذه المبادرة انخفاض ملحوظ في نسبة التفجيرات والاغتيالات، مما أدى إلى إضعاف قدرة الجماعات الإرهابية على التحرك بحرية داخل المدينة. كما فرضت الحكومة غرامات صارمة لضمان الالتزام بهذا النظام من قبل المؤسسات والمواطنين.
ثانيا:الإجراءات الأمنية المشددة وتعزيز السيطرة
وضعت السلطات نقاط تفتيش ثابتة في المواقع الاستراتيجية داخل مقديشو، إلى جانب تسيير دوريات أمنية متحركة على مدار الساعة لمراقبة الطرق الرئيسية. واهتمت هذه الإجراءات بمنع تهريب الأسلحة أو تسلل العناصر الإرهابية إلى العاصمة، ما أدى إلى تقليل التهديدات الأمنية بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، فرضت الحكومة تسجيل الوافدين والمقيمين في العاصمة، بالتعاون مع الشرطة المحلية، لتكوين قاعدة بيانات شاملة تُستخدم لتتبع أي تحركات مشبوهة.
ثالثا: التعاون بين المواطنين والسلطات
لعب المواطنون دوراً محورياً في تحسين الوضع الأمني من خلال التعاون مع الأجهزة الأمنية والإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة. هذه المشاركة المجتمعية كانت عاملاً حاسماً في إحباط العديد من المخططات الإرهابية، كما ساعدت في تعزيز الثقة المتبادلة بين السكان وقوات الأمن.
رابعا:تحديات واجهتها الأجهزة الأمنية:
رغم هذه الجهود، لم تتوقف الجماعات المتطرفة عن محاولة تعطيل الأمن في مقديشو. وتشير تقارير أمنية إلى أنها لجأت إلى:
- تنفيذ هجمات على نقاط التفتيش الأمنية.
- استهداف أفراد الأمن والمسؤولين المحليين.
- تهديد المواطنين والتجار المتعاونين مع السلطات.
- تخريب كاميرات المراقبة.
ومع ذلك، تمكنت الأجهزة الأمنية، بدعم مجتمعي قوي، من التصدي لهذه التحديات وتدمير العديد من شبكات الجماعات الإرهابية داخل العاصمة.
- النتائج الإيجابية:
شهدت العاصمة مقديشو انخفاضاً كبيراً في معدلات الهجمات الإرهابية خلال السنوات الثلاث الماضية، مما أسهم في عودة الحياة الطبيعية تدريجياً. كما بدأت الأنشطة الاقتصادية تنتعش مع عودة المستثمرين إلى العاصمة، وازدهرت الأسواق المحلية، مما ساعد في تحقيق بعض مظاهر التنمية واستعادة الثقة المجتمعية. النتيجة العامة تُظهر هذه الجهود أن التقدم الأمني في مقديشو لم يكن محض مصادفة، بل كان نتاج تخطيط استراتيجي محكم ودعم مجتمعي واسع النطاق. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التحسن تتطلب استمرار التعاون بين جميع الجهات المعنية، ومواجهة أي تحديات جديدة قد تظهر في المستقبل.([13])
رؤية الباحث في مواجهة التحديات
يرى الباحث أن النجاح يتطلب:
- تعزيز القدرات الأمنية من خلال تحديث المعدات وتدريب الكوادر.
- معالجة الأسباب الجذرية كالفقر والبطالة وضعف التعليم.
- تعزيز الشراكات الدولية لتبادل الخبرات.
- إصلاحات حكومية لمكافحة الفساد وزيادة الشفافية.
تقييم عام للباحث: على الرغم من تحقيق الحكومة الصومالية تقدمًا ملموسًا في مكافحة التطرف واستعادة الاستقرار، إلا أن التحديات الهيكلية والاقتصادية والاجتماعية تتطلب استراتيجيات مستدامة وشراكات فعّالة لضمان الاستقرار على المدى الطويل.
المبحث الثالث:جهود الحكومة الصومالية في مواجهة التطرف مقارنة بالتجارب دولية
تعد مكافحة التطرف من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الصومالية، حيث تتطلب مواجهته مقاربات شاملة تشمل الأبعاد الفكرية، العسكرية، والاقتصادية. وللاستفادة من تجارب الدول الأخرى، نستعرض أبرز نماذج مكافحة التطرف في السعودية، العراق، ليبيا، نيجيريا، ومصر، مع تحليل الدروس المستفادة وإمكانية تطبيقها في الصومال.
التجارب الدولية في مكافحة التطرف
1.السعودية
اتبعت المملكة العربية السعودية مقاربة شمولية تضمنت أبعادًا فكرية وأمنية وتنموية.
- الجهود الفكرية: إنشاء مركز “اعتدال” لمكافحة الفكر المتطرف، وتنظيم حملات توعوية لتفنيد الأفكار المتطرفة.
- الأمنية: تنفيذ عمليات نوعية لتفكيك الخلايا الإرهابية، وتعزيز التنسيق الأمني محليًا ودوليًا.
- التنموية: إطلاق برامج لإعادة تأهيل المتطرفين مثل مركز “المناصحة” مع توجيه الشباب نحو التنمية.
- تقييم التجربة: النجاح يكمن في التنسيق بين التدابير المختلفة، لكن التحدي الأساسي هو ضمان استدامة الجهود.
2.العراق
عانى العراق من التطرف نتيجة الصراعات السياسية والطائفية.
- الجهود العسكرية: تحرير المدن الكبرى مثل الموصل والأنبار بمساعدة التحالف الدولي.
- الفكرية: إطلاق خطابات معتدلة بالتعاون مع المؤسسات الدينية لتفنيد الأيديولوجيات المتطرفة.
- تقييم التجربة: النجاح العسكري تحقق، لكن العراق يواجه تحديات إعادة الإعمار ومعالجة تداعيات النزوح الجماعي.
3.ليبيا:
عقب سقوط نظام القذافي، واجهت ليبيا تحديات الإرهاب والجماعات المسلحة.
- الجهود العسكرية: حملات لتحرير المدن الكبرى بمساعدة ميليشيات محلية ودعم دولي محدود.
- التنموية: برامج لإعادة تأهيل المناطق المحررة ودعم التنسيق الإقليمي.
- تقييم التجربة: غياب الحكومة المركزية يعوق تحقيق نتائج مستدامة.
4.نيجيريا:
واجهت نيجيريا تهديد جماعة “بوكو حرام” منذ عام 2009.
- الجهود العسكرية: انضمام نيجيريا إلى القوة المشتركة متعددة الجنسيات.
- التنموية: إطلاق برامج “الندم والتأهيل” لإعادة دمج المتطرفين، وتحفيز التنمية في المناطق المتأثرة بالفقر.
- تقييم التجربة: رغم تقليص نفوذ “بوكو حرام”، ما زال الفساد والفقر يمثلان تحديًا كبيرًا.
5.مصر:
واجهت مصر تصاعد النشاط الإرهابي بعد عام 2011، خاصة في سيناء.
- الأمنية: تنفيذ عمليات عسكرية موسعة لتفكيك الجماعات الإرهابية.
- الفكرية: دور الأزهر الشريف في تجديد الخطاب الديني، وإطلاق حملات إعلامية للتوعية.
- التنموية: تعديل المناهج التعليمية لإدراج قيم التسامح، وتنفيذ برامج إصلاح اقتصادي.
- تقييم التجربة: نجحت مصر في تقليل العمليات الإرهابية، لكن استمرار الجهود مطلوب لمواكبة التطورات.
الدروس المستفادة للصومال من التجارب الدولية.
يمكن للصومال الاستفادة من هذه التجارب من خلال:
- تطوير القوات المسلحة عبر التدريب والتسليح، كما فعلت مصر، وتوحيد الجهود الأمنية، مستفيدة من تجربة السعودية.
- تفعيل برامج تنموية لتحسين مستوى المعيشة والسيطرة على موارد الدولة، كما استفادت ليبيا والعراق من حماية الثروات الوطنية.
- تعزيز الوسطية والاعتدال من خلال حملات توعية مجتمعية وبرامج تعليمية، مستلهمة من جهود السعودية ومصر.
- نبذ الانقسامات القبلية وتعزيز التماسك الاجتماعي، كما حققت نيجيريا نتائج إيجابية بتمكين الفئات المهمشة.
نتائج البحث:
من خلال تحليل جهود الحكومة الصومالية في مواجهة التطرف، تم التوصل إلى نتائج مهمة تسلط الضوء على الوضع الحالي وتحدد النجاحات والتحديات. وفيما يلي أبرز النتائج:
- تحسن القدرات الأمنية والعسكرية:
حققت الحكومة الصومالية تقدمًا في العمليات العسكرية ضد الجماعات المتطرفة، بدعم إقليمي ودولي ساهم في تحرير مناطق عديدة من سيطرة هذه الجماعات.
- أهمية التعاون الإقليمي والدولي:
التعاون مع المؤسسات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة لعب دورًا كبيرًا في تعزيز جهود الحكومة من خلال الدعم الأمني والمساعدات التنموية.
- ضعف البنية التحتية في المناطق المحررة:
على الرغم من تحرير بعض المناطق من الجماعات المتطرفة، إلا أن غياب الخدمات الأساسية والبنية التحتية يشكل تحديًا لاستقرارها ويزيد من احتمالية عودة التطرف.
- الفقر والبطالة كعوامل للتطرف:
الفقر والبطالة، لا سيما بين الشباب، من الأسباب الرئيسية لاستقطاب الجماعات المتطرفة، مما يجعل التنمية الاقتصادية ضرورة استراتيجية لمكافحة التطرف.
- غياب استراتيجية شاملة ومستدامة:
الجهود الحكومية تركز بشكل كبير على الحلول الأمنية، مع غياب معالجة الأبعاد الفكرية والاجتماعية التي تسهم في مكافحة التطرف بشكل مستدام.
- دور المجتمع المحلي:
للمجتمع المحلي، بما يشمل شيوخ القبائل والقادة الدينيين، دور محوري في نشر الوعي بمخاطر التطرف، لكن استغلال هذا الدور لا يزال محدودًا.
- ضعف النظام التعليمي:
ضعف التعليم، خصوصًا في المناطق الريفية، يتيح للجماعات المتطرفة نشر أفكارها بين الفئات المستضعفة، مما يجعل تطوير النظام التعليمي أولوية.
- إعادة تأهيل المتطرفين السابقين:
جهود الحكومة في هذا المجال غير منهجية، مما يعرض المتطرفين السابقين للعودة إلى التطرف.
- نقص التمويل والدعم اللوجستي:
تعاني الحكومة من ضعف الموارد اللازمة لتنفيذ استراتيجيات مكافحة التطرف بفعالية.
التوصيات:
- تطوير المناهج التعليمية لترسيخ قيم التسامح والتعايش، مع شراكات المؤسسات الدينية المعتدلة.
- تنفيذ مشاريع تنموية توفر فرص عمل للشباب وتحسن الظروف المعيشية في المناطق المهمشة.
- تحسين كفاءة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية من خلال التدريب والتعاون الدولي.
- إنشاء برامج شاملة لدعم المتطرفين السابقين نفسيًا واجتماعيًا وإعادة دمجهم في المجتمع.
- تطوير شراكات مع الدول المجاورة والمجتمع الدولي لدعم جهود الحكومة في بناء المؤسسات وتحقيق الاستقرار.
- تمكين شيوخ القبائل والقادة المحليين من نشر الوعي وتعزيز ثقافة السلام.
- إطلاق حملات إعلامية تسلط الضوء على مخاطر التطرف وتبرز القيم الإيجابية للمجتمع.
- بناء نظام قضائي شفاف يضمن محاسبة العناصر المتطرفة وتحقيق العدالة لتعزيز ثقة المجتمع.
الخاتمة:
إن جهود الحكومة الصومالية لمواجهة التطرف تعكس إرادة واضحة للتصدي لهذا التحدي الكبير. ومع تحقيق تقدم في العمليات الأمنية والعسكرية، تظل هناك حاجة ملحة لتبني استراتيجية شاملة ومستدامة تعالج جذور التطرف، بما يشمل الفقر، البطالة، والتعليم.
إن تعزيز التعاون الدولي والإقليمي، إلى جانب تطوير البنية التحتية والخدمات العامة، يعد أساسيًا لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة. كما أن دعم المجتمع المحلي وإطلاق مبادرات لإعادة تأهيل المتطرفين السابقين يمثلان خطوات ضرورية لبناء مجتمع متماسك قادر على رفض التطرف.
ختامًا، يبقى الأمل معقودًا على تضافر الجهود المحلية والدولية لتعزيز الأمن والاستقرار في الصومال، وضمان مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
هوامش:
[1] ) (ابن منظور، لسان العرب. ج9، ص179)
[2]) أبحاث مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السابعة، ص 89.
[3] ) (ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج12، ص234).
[4] ) (الشاطبي، الموافقات، ج1، ص35).
[5] ) (ابن القيم، إعلام الموقعين، ج1، ص69).
[6] ) (تقرير الأمم المتحدة، 2023، ص21).
[7] ) (تقرير وزارة الأمن الداخلي الصومالية، 2024).
[8] ) (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 2023).
[9] ) (تقريروزارة الأوقاف، 2024).
[10] ) (تقارير العمليات العسكرية، 2022-2024).
[11] ) (القانون الصومالي، المادة 2 و3، 2016).
[12] ) بيانات وتقارير حكومية حول برنامج “إعادة الأمل”، 2022-2024).
[13] ) (مصادر متعددة: تقارير أمنية رسمية، تصريحات حكومية متعلقة بالتحسين الأمني، 2022-2024).