رحلة عامرة من عهد الحكومات المدنية إلى أيام الولايات الفيدرالية
(أبرز سماته: التواضع والسخاء،والثورة والكفاح)
لزمته سبحته ولزم سجادته، صحب العلماء وجالس الحكماء، ألمّ بالثقافة الإسلامية بحكم انتمائه لأسرة دينية علمية، ذات توجه صوفي واتجاه سلوكي، تلقى تعليم الخلوة وترقى في مراحل الدراسة بين القرية والعاصمة ثم الرحلة حول العالم، وخاصة إلى قاهرة المعتز.
المرحلة الأولى:
كان دخوله للسياسة – رغم كونه استثنائيا- دخولا طبيعيا جدا، فالرجل كان أصغر نائب في البرلمان الذي حلّه العسكر بعد استيلائهم على الحكم 1969م، ثم أعاد الكرّة ليصبح موظفا حكوميا تم ترفيعه إلى وكيل وزارة الصحة.
عمل في التجارة ونمت ثروته، واندمج في جهود إسقاط الحكومة العسكرية، وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك حتى أسندت إليه قيادة جبهة u s c رغم أنه لم يدخل الأحراش ولم يحمل السلاح في الغابات.
المرحلة الثانية:
بعد انهزام سياد بري وسقوط حكومته تم انتخاب السيد علي مهدي محمد رئيسا للبلاد 1991م في جيبوتي، وهنا بدأت المرحلة الثانية من سيرته المديدة، وكان قد طلب من المجتمع الدولي والأمم المتحدة مدّ حكومته بالبترول والغذاء، فسخر كثير من المهرجين والمغرضين منه ولقبوه بـــ: علي نفط، فما لبث هؤلاء إلا أياما حتى علموا أن الرجل كان أذكى منهم، وذلك بعد اندلاع المجاعة التي حصدت أرواح الآلاف من الشعب الصومالي.
عند نشوب الحروب الأهلية بين رفقاء الأمس قيادات الجبهات المسلحة كان علي مهدي محمد نموذجا في التجاوب والمرونة، حيث لم يّدع إلى مؤتمر مصالحة إلا كان سباقا إليه، ولا جلس على طاولة مفاوضات إلا كان المبادر إلى التنازل، ولا دُعي إلى وقف إطلاق النار إلا كان ملتزما به.
في أكثر من مناسبة ذكر الفقيد أنه لم يكن طامعا في الكرسي، ولم يكن ناويا للبقاء عليه، ولكنه خاض حربا مفروضة عليه ليس له يد في وضع أوزارها، إذ خرجت من السيطرة وتغير عنوانها فصارت حربا قبلية يوقد نارها وينفخ كيرها كل شيطان مريد.
ما يجعلنا نصدق زعم الفقيد أنه في أول فرصة سنحت له، وفي أول محفل أتيح له، بادر إلى إفساح المجال لخوض تجربة جديدة والذهاب في طريق غير الأولى، فانسحب بمحض إرادته –مع حصوله على أصوات تمكنه من الاستمرار في المنافسة- في إحدى جولات التصويت والانتخاب، ليفوز بالرئاسة بعد عبد القاسم صلاد حسن 2000م.
المرحلة الثالثة:
لا شك أن علي مهدي محمد لم يعتزل السياسة ولم يبتعد عن أروقة صياغتها، ولكن كان غبا في الظهور آثر البقاء بعيدا عن الأضواء إلا عند الضرورة واللزوم، ولهذا كان يطل على الجماهير في المناسبات الكبرى والأحداث المصيرية، فقد كانت طلعات ملفتة في المصالحة والتقريب في الفترة بين 2007 إلى 2012م.
المرحلة الرابعة:
عاد الرجل بحيويته وقوته ورجع بعنفوانه وفتوته تحركة الحماسة وتضغطه الشهامة إلى سوح السياسة واعتلى صهوات منابرها مبشرا تارة ومنذرا تارة، وفينة مصححا وفينة ملوحا، فكان الرجل مغمورا عند العامة اشتهر لديهم بخطاباته ونشاطاته في ميدان المصالحة والتوحيد في عهد الرئيس محمد عبد الله فرماجو 2017م -2021م.
تركة الرجل المقسمة على الأمة:
– عدد من المساجد والأوقاف التي تبرع بها وبناها في عز حياته.
– إنفاقه على الفقراء والمساكين والأيتام في الزوايا والخلوات ودور الأيتام.
– رده للمال العام الذي وصل إليه.
– طلبه العفو من عامة المواطنين ومن شريحة الشباب لكونه طرفا في الحروب الأهلية التي أنهكت البلد.
– عفة لسانهK وعفوية خطابه، وتواضعه وسماحته.
ستون عاما قضاها في السياسة، كان تاجرا ورجل أعمال، وامتلاكه لأعلى برج في العاصمة يشهد على ذلك، إلا أن الفقيد نفى بنفسه صحة أن يكون البرج له، في الوقت الذي أكد فيه أنه لحرمه أم أولاده.
رحمه الله وغفر له…