فاز وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف على منافسه رئيس وزراء كينيا السابق ريلا أومولو أودينغا في انتخابات رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي السادس؛ وذلك بفضل القوتين الآتيتين:
*أولا- قوة دبلوماسية الشعوب* الواسعة لجمهورية جيبوتي بسبب الانتماءات الأربعة التالية:
*1-الانتماء الإسلامي*
فاز بهذا المنصب قبل الوزير الجيبوتي عددا من المسلمين الأفارقة وأختهم الطبيبة دلاميني زوما من جنوب أفريقيا فلسطين ومشعلة الحرب على إسرائيل وحليفتها أمريكا، وخلف منها زميلهما السيد موسى فقيه محمد من تشاد القائل في خطاب وداعه قبل أمس: إن ما تتعرض له قطاع غزة من دمار وحرمان يشكل عارًا على كل البشرية، مشددًا على وقوف الاتحاد الإفريقي بكل حزم مع الشعب الفلسطيني، مضيفا أن مما يفاقم الوضع في الشرق الأوسط الدعوات الصادرة لتهجير الشعب الفلسطيني من غزة، في إشارة إلى ما يدعو إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وهذا يدل على أن إفريقيا قارة مسلمة بفضل إسلام شعوبها، وانضمام عدد كبير من دولها إلى منظمة التعاون الإسلامي، وعليه انحاز قادة القارة السمراء لصالح المرشح المسلم من جمهورية جيبوتي الشقيقة.
*2-الانتماء العربي*
جمهورية جيبوتي وإن كانت الشقيقة الصغرى للدول العربية إلا أنه بفضل موقعها الجيوستراتيجي، وانتمائها الثقافي والاجتماعي إلى العروبة حصلت دعما قويا من دول الجامعة التي لا تمر بأسوء أحوالها بسبب القضية الفلسطينية التي تعد جمهورية جيبوتي من أفضل مناصريها وفق ما جاء على لسان كبير دبلوماسييها المتحدث عنه وهو العربي الأول في قيادة المفوضية حسب عنوان الجزيرة البارز: *محمود علي يوسف أول عربي يرأس مفوضية الاتحاد الأفريقي*
*3-الإنتماء الفرنكفوني*،
رغم ما تواجه الثقافة الفرنسية من التحديات حاليا من قبل شعوب مستعمراتها سابقا في غرب إفريقيا وشمالها؛ إلا أن كون جيبوتي من المستعمرات الفرنسية السابقة جلب حظا لمرشحها من الدول الإفريقية المتحدة بالفرنسية سيما العربية منهم.
*4-الانتماء الجيبوتي*
العفري والعربي والصومالي، ولهذه الانتماءات الثلاثة مقوماتها الوطنية، وقد سبق الحديث عن الانتماء العربي وأما الانتماء إلى المثلث العفري في كل من أريتريا وإثيوبيا وجيبوتي فيكتسب منها السيرة والسلالة، بالإضافة إلى أنتماء جيبوتي لبقية الشعوب في القرن الإفريقي صلة وثقافة.
أما الانتماء الصومالي فيشمل الركائز الخمسة للهوية المستركة: اللغة والدين والثقافة والتاريخ والوطن؛ وذلك أن جمهورية جيبوتي من أحد مكونات أطراف النجمة الخماسية البيضاء التي ترمز للعلم الصومالي، بل جيبوتي لها فضل كبير على قيام الجمهورية الثالثة في الصومال، ناهيك عن فضل الصومال على نضال الساحل الصومالي بأرض عيسى وعفر لاستقلالها من براثن الاستعمار الفرسي الجاثم على صدرها حتى بعد استقلال معظم المستعمرات الغربية منه في العالم.
ومن خصائص جمهورية جيبوتي بالإضافة إلى ما سبق: أنه بلد مسالم محايد يحاول أن يقف مسافة واحدة من الجميع، ويمد رجله قدر لحافه؛ وخير شاهد على ذلك التواجد الغربي والشرقي والعربي والإفريقي فيه، سياسيا وتجاريا وعسكريا وثقافيا.
*ثانيا-قوة التمتع بالمعايير المطلوبة*
مما مهد الطريق للوزير الجيبوتي على الفوز برئاسة مفوضية الإتحاد الإفريقي- قوة التمتع بالمعايير الآتية:
*المعيار الأول-وفرة التمثيل المتعدد*
لقد توفر لدى المرشح الجيبوتي الانتساب إلى أكثر من تجمع محلي وإقليمي وقطري ودولي، وإن كان يشارك منافساه في الانتساب إلى بعض التجمعات؛ إلا أنه تفوق عليهما بانتمائه إلى تجمعين قويين لا ينمتيان إليهما منافساه، وهما: الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
وما سبق في السطور أعلاه من الحديث عن فوائد الانتماءات المتعددة غنية عن إعادتها.
*المعيار الثاني: ثقة التمثيل المركزي*
خاض المرشحان حملة أنتخابية وصفت بمعركة سياسية، وبغض النظر عن الامتيازات التي يتمع كل منهما، وما بذلاه من جهود لإقتاع الناخب بمنح صوته؛ إلا أن المرشح الجيبوتي كان متفوقا على مرشحه الكيني بقوة مركزية التمثيل-وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة-؛ وذلك أن دولته وعلى رأسها رئيسها اسماعيل عمر جيلى رشحته عن ثقة وجدارة، وخاضت الانتخابات على قلب رحل واحد، وعلى الرغم من بدل الجهود الكبيرة في المال والوقت من قبل الرئيس الكيني سيموي وليام روتو- ولاسيما الليلتين الأخيرتين من وقت بدل الضائع في ملعب(فيلا قيرا) بأديس أبابا، وفعله مما هو مستحيل لدى رؤساء الأفارقة -وهو أن يرشح منافسه المعارض لمنصب كهذا- غير أن بعض المراقبين يقولون أن قصد (روتو) المبطن كان إبعاد(ريلا) من منافسته في الانتخابات القادمة ٢٠٢٧م التي يخطط لها(روتو) ان يفوز بأريحية تامة، خارج المرشح الدائم للانتخابات الكينية في الربع القرن الأخير؛رغم نحسه المستمر؛ ومما يفسر ذلك: الاستقبال الحار من نأئب الرئيس الكيني المقال(ريغاثي غاشاغوا) للمرشح ( أودينغا) أمس بعد عودته من خسارة أديس أبابا قائلا: أن بلاده بأمس الحاجة إلى مثله! وفق وسائل التوصل الاجتماعي.
*المعيار الثالث: السيرة الذاتية الحافلة بالخبرة مع الفتوة*
من بدهيات الترشح إلى مثل هذا المنصب الكبير: ان تكون ذا خبرة واسعة في السياسة؛ مما يعني أنه سبق وأن شغلت مناصب عليا قي بلادك، ويفضل إن تكون ذا علاقة بالدبلوماسية؛ ثم إن من يعمل على مثل هذا المنصب التنفيذي أن يتمتع بحيوية ونشاط، وقد سجل للمرشح الجيبوتي العلامتان[الخبرة والفتوة] كاملتين، بينما المرشح الكيني وإن كان سياسيا عظاميا أفنى عمره بقيادة المعارضة الكينية؛ بل ورث المعارضة عن أبيه؛ إلا أنه لم يشغل في الدبلوماسية كثيرا فضلا عن الخارجية، كما لا يتمتع بنشاط وحيوية لتقدم سنه.. ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسأم!
*المعيار الرابع: مرجع السيرة الغيرية*
لا يخفى على شرف علم القارئ ما للسيرة الذاتية من أهمية في إقتاع الناخب باختيار المرشح، ورب العمل لإشغال الموظف، ومن فقرات السيرة الذاتية ما يعرف باسم المرجع أو التزكية، وهو شخص أو مؤسسة تعرفك وترشحك إلى العمل ويسأل عنك لتقف معك.
ولعل الصومال يعد مرجعا مهما لكلا الرجلين لاشتراكهما معها في عدد من المرجعيات أهمها: أنهما من المحقين للترشح عن شرق إفريقيا، وكان يعول الكل على الصومال التي سحبت ملف مرشحتها ذات الحظوظ القوية السيدة فوزية حاج آدم نأئبة رئيس الوزراء ووزيرة خارجية الصومال الأولى المرسحة للمنصب ذاته؛ لتترشح الصومال إلى كرسي غير دائم في مجلس الأمن الدولي عن إفريقيا، وتنازلت لصالح دولة شقيقة يقال: إنها جيبوتي. ومن تابع حملات الرئيس الصومالي الدكتور حسن شيخ محمود في أروقة المفوضية وتهانيه الحارة للرئيس الجيبوتي على فوز وزير خارجيته، عرف حجة القائلين بفوز مرشح الصومال المفضل.
*وماذا يعني للصومال فوز مرشح جيبوتي في رئاسة مفوضية الإتحاد الإفريقي للصومال*؟
بعد المقدمتين الطويلتين نأتي إلى الإجابة عن سؤال المقالة في الخلاصتين التاليتين:
*الخلاصة الأولى*
الصومال رغم ما يعانيه من ضعف؛ إلا أنه أصبح في الآونة الإخيرة ذا أهمية قصوى للعالم والمنطقة بسبب انضمامها إلى مجلس الأمن الدولي كعضو غير دائم عن إفريقيا؛ مما أعطى دفعة قوية للحراك الدبلوماسي بعد سنوات من الغياب، والكل يطلب ود الصومال ووصالها، كما يعد الصومال من اكثر الدول المنتفعة والمتضرة في آن معا بقرارات مجلس الأمن الدولي؛ خاصة قراراته في الفصل السابع منه، قبل رفع حظر السلاح عنه وإعفاء الديون منه.
وفوز المرشح الجيبوتي برئاسة المفوضية الإفريقية تعنى أن المفوضية الإقليمية والمنظمة الدولية سيعملان لصالح الصومال في عدد من المجالات أهمها:
دور بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال (أوصوم)، وتفعيل دور مكتب البعثة الأممية في الصومال،
” أنسوم”؛ وذلك من أجل استمرار التمويل لدعم بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال وكيفية تعزيز الأمن فيه.
بخلاف ما إذا كان الفايز المرسح الكيني ريلا أودينغا الذي تعهد بسحب قوات بلاده من الصومال حال فوزه في وعود الانتخابات الكينية عام ٢٠٢٢م.
كما يعنى فوز المرشح الجيبوتي للصومال، تبديد المخاوف من مساس سيادة الصومال ووحدة أرضه وسلامته، بخلاف المرشح الكيني المعروف بسعيه إلى تفكيك الصومال إلى دويلات، وما موقفه من قضية ارض الصومال إلا نموذج أولي يتبعه نماذج تخطيطية.
وفي الختام أهنئ جمهورية جيبوتي الشقيقة ووزيرها المنتخب بالفوز المستحق، وكان الله في عونه على ملفات إفريقيا الساخنة، كملف كونغو الديمقراطية، والسودان، والملفات العالقة بين مصر وإثيوبيا وبينها وبين أيتريا، وغيرها، وذات العضوية المعلقة في وسط إفريقيا وغربها بسبب الإنقلابات…
ولا للهيمنة الغربية في إفريقيا فرنسية كانت أم أمريكية. وأعان الله كينيا على معارضة ريلا الجريح في انتخابات ٢٠٢٧م.
*كاتب وباحث في القرن الإفريقي
17 فبراير ٢٠٢٥م