قرير_عن_المجلس_المقاصدي لعرض الكتب ومدارستها 4
الكتاب_الرابع_القواعد_الكبرى لسلطان العلماء العز بن عبد السلام (قواعد_الأحكام_في_مصالح_الأنام)_ الجزء الأول:
نظم مركز المقاصد للبحوث والدراسات ضمن خطته السنوبة لهذا العام 2021م بالأمس الاثنين 31/ مايو/ 2021م الساعة 2:00 ظهرا، المجلس المقاصدي الرابع لعرض الكتب ومدارستها، وقد وقع اختيار المركز في هذا الشهر على #الجزء_الأول من كتاب قواعد الأحكام في مصالح الأنام لسلطان العلماء العز بن عبد السلام ليكون الكتاب الرابع في سلسلة الكتب التي خطط المركز عرضها ومناقشتها خلال هذا العام.
وقد انقسم المشاركون في هذا المجلس إلى ثلاثة أنواع: حضور في قاعة المركز ، وكان عددهم الثلاثين ونيفا ، والمتابعون عبر برنامج zoom ، وتجاوز عددهم الأربعين ، وأخيرا كانت فعاليات المجلس منشورة مباشرة على موقع الفيس بوك مما يسر لكثير من المهتمين في كل أصقاع العالم الاستفادة من النقاش العلمي والطرح الفكري الذي اتسم به المجلس.
أدار جلسة عرض الكتاب الدكتور محمد عبدالكريم المكاوي الباحث بالمركز ، حيث افتتحها بمقدمة تعريفية بالمركز وشرح أهدافه العامة ، وأهدافه الخاصة من إقامة هذا النشاط ، وهو نشر ثقافة المقاصد بين المثقفين القادرين على القراءة والاطلاع الحر ، وشحذ هممهم من أجل صقل مواهبهم وتنمية ملكاتهم في الدرس والتحليل.
تكون المجلس من #ثلاثة_محاور_رئيسة ، بدأ المحور الأول بعرض الباحث #الأستاذ_سالم_سعيد_سالم وتعقيب الشيخ #عبد_الشكور_معلم_عبد_فارح. النقاط الأساسية التي تم نقاشها خلال العرض والتعقيب كان الحديث عن كتاب القواعد الكبرى من حيث كونه مؤلفا ، وكذلك نبذة مختصرة عن حياة المؤلف العلمية والعملية وجهوده في الدعوة، وأيضا إطلالة سريعة على المعالم العامة للكتاب والمنهجية التي سار عليها المؤلف خاصة ما يتعلق بجانب المقدمات والممهدات .
سبب اختيار الكتاب:
تطرق الباحثان إلى سبب اختيار المركز لهذا الكتاب ، وذلك نظرا لما يتضمنه من طفرة مجددة في مجال التأليف والتأصيل والتقعيد المقاصدي . حيث يعتبر من أعظم الكتب التي عنيت بمقاصد الشريعة وأحكامها ومن أقدمها ، ويرى بعض العلماء أن الإمام العز – رحمه الله – أول من فتح باب التأليف في المصالح والمفاسد الذي هو لب علم المقاصد ، تم تبعه من جاء بعده عيالا عليه، حيث عمد العز في هذا الكتاب إلى قاعدة المصالح التي طالما كان نطاق الحديث فيها ضيقا – في كتب الفقه لدى المتقدمين – فوسع القول فيها ، حتى ظهرت معالمها ظهورا ترتب عنه ما ترتب من بروز مبحث المقاصد لدى الشاطبي ثم الذين يلونه من المؤلفين . فمركزية المصلحة في تراث العز كانت تحولا في الصناعة الأصولية المقاصدية والفقهية بصفة عامة.
نبذة_عن مؤلف الكتاب:
استفاض الأستاذ سالم سعيد سالم في الحديث عن حياة الإمام العز الذي عاش في الفترة ما بين 577 – 660هـ وعاصر الدولة المملوكية والأيوبية في سوريا ومصر . عاصر فترة شاع فيها التقليد في الأمة ، وساد الانحطاط في المجال السياسي والعقدي والاقتصادي ، مما عكس على تفكيره وتنظيره بصفته عالما مصلحا يكافح من أجل إصلاح الأمة وإخراجها من النفق المظلم حتى اشتهر بألقاب عدة مثل: #سلطان_العلماء كونه صاحب الكلمة المسموعة في الأمة ، أوالأمر النافذ بهدم أوكار الفساد ، ويلقب أيضا #ببائع_الأمراء في المزاد العلني لفائدة المصلحة العامة مقابل إثبات شرعيتهم ، حيث اتخذ الإمام منهجا مغايرا في الإصلاح العام ، قوامه: الاقتداء بقدوة المصلحين محمد صلى الله عليه وسلم في جمعه بين العلم والعمل .
والإمام العز شافعي المذهب أشعري العقيدة كما جاء في التراجم عنه ، لكن كتابه هذا يكشف عن استقلاليته الفكرية ونكيره على التحجر والتقليد الفقهي ، كما على الفساد والاستبداد السياسي ، إلى جانب أعمال ومؤلفات عديدة من أكثرها نفعا وأكبرها أثرا الكتاب الذي تم عرض الجزء الأول منه اليوم.
#منهجية_العز_في_القواعد_الكبرى من خلال العرض الموجز الذي قدم في المجلس:
– الاهتمام بالجانب التطبيقي والعملي للأصول والمقاصد ، وترك ما لا طائل تحته من التمنطق والمحاججة الكلامية.
– استنطاق النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وتوظيفها بكثافة لتوضيح المسائل مهتما بالنبع الصافي وملكته العلمية المستقلة مع الابتعاد عن نقل الكتب قيود المذهبية الضيقة .
– التنوع في تناول المسائل ( الفقه والعقيدة والتصوف ).
– منهج المناظرة العملية في المناقشة (افتراض الاعتراضات).
– الإطناب والتكرار وتنويع الأساليب في الموضوع الواحد
– اعتماد مبدإ التعليل المصلحي .
– الموازنة والترجيح بين المصالح والمفاسد.
– بناء الكليات على الجزئيات.
أهداف_الكتاب_ومقاصده:
الغرض من الكتاب كما ذكر الأستاذ سالم:
– بيان مصالح الطاعات والمعاملات وسائر التصرفات
– بيان مقاصد المخالفات
– بيان مصالح المباحات
– بيان ما يقدم من بعض المصالح على بعض ، وما يؤخر من بعض المفاسد عن بعض.
#وجملة_القول: فإن جوهر الفكرة عند الإمام هو أن الأحكام الشرعية معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد ، كما نوه إليه الشيخ عبدالشكور في تعقيبه على الأستاذ سالم ، سواء كانت منصوصة أو لم تكن ، ومع ذلك فإن الإمام يقرر أيضا أن هنالك أحكاما شرعية ليست معللة ، وتسمى تعبدية؛ أي ليس لها علة معلومة ولا مصلحة مفهومة، وإنما يُعمَل بها من باب التعبد والعبادة والامثتال لله سبحانه، لا أقل ولا أكثر.
المحور_الثاني_فقه_الموازنات
ثم انتقل المجلس إلى المحور الثاني، وكان من تقديم الشيخ #حسن_معلم_داود مدير مركز دار الحديث والسنة في مقديشو ، وتعقيب #الدكتور_محمد_حاج رئيس مركز المقاصد للبحوث والدراسات، وشمل العرض والتعقيب موضوع فقه الموازنات والأولويات في القواعد الكبرى، الذي يشمل:
– #قاعدة في الموانة بين المصالح والمفاسد
– #قاعدة في تعذر العدالة في الولايات
وقد نبه الشيخ حسن في مستهل حديثه إلى عدة أمور:
#الأول: أن التعارض هو أكثر مباحث العلوم، وهو أغلب مثارات الإشكالات العلمية، ويقل أن يوجد في علم من العلوم مسألة بحاجة إلى بحث خالية من تعارض في أدلتها أو عللها وأسبابها، ولولا التعارض لكان الناس كلهم علماء فقهاء!.
#الثاني: أن شريعة الإسلام مبنية على تحقيق مصالح الناس، وذلك من رحمة الله بعباده، ومعنى ذلك أن كل حكم ثبت كونه من الشرع ففيه المصلحة المبتغاة، وأن الله لا يَشرع حكمًا إلا لمصلحة.
#الثالث: أن كلام العلماء في تعارض المصالح يرجع إلى باب تعارض الأدلة في علم أصول الفقه؛ لأن المراد بالمصالح هو: الأوصاف المعتبرة شرعًا والتي يصح جعل كلٍّ منها علة في القياس، فالمسألة راجعة إلى تعارض الأقيسة.
ثم بعد ذلك استفاض الباحث في مسألة تعارض المصالح كما تحدث عنها المؤلف، وقسمها إلى ثلاثة أقسام:
– تعارض المصالح المحضة.
– تعارض المفاسد المحضة.
– تعارض المصالح مع المفاسد.
وكان من أهم النقاط التي ركز عليها الباحث وأخذت حيزا مهما من تعقيب الدكتور محمد حاج مجال التطبيق العملي للموازنة بين قواعد المصالح والمفاسد ، وخاصة في باب الولاية، وذلك على المنوال الذي سار عليه مؤلف القواعد الإمام العز.
وقد ذكر الباحثان عددا من القواعد وأنزلاها على الواقع اليومي المعيش في هذا العصر ، مما أثرى النقاش ومكّن المشاركين في المجلس من الحصول على سياحة ثقافية مقاصدية استمتعوا فيها بجواهر فقهية، ونفائس مقاصدية ، ونتف علمية ، استطاع الإمام العز ان يستخرجها بواسطة ملكته الفقهية الواسعة، وعلمه الغزير، واستطاع الباحثان تقريب الأمثلة والتطبيقات إلى الأفهام وتبسيطها للمشاركين.
#المحور_الثالث_فقه_الحقوق:
انتقل الحديث إلى المحور الثالث والأخير للمجلس وكان بعنوان: #القواعد_الكبرى_وفقه_الحقوق، وشمل العرض القواعد الثلاث المتبقية من الجزء الأول، من كتاب القواعد الكبرى ، وكانت كالتالي:
– قاعدة في بيان الحقوق الخالصة والمركبة.
– قاعدة في الجوابر والزواجر.
– قاعدة في متعلقات الأحكام.
امتطى صهوة العرض وعرَض هذا المحور من كتاب القواعد الكبرى #الشيخ_الدكتور_عثمان_حسن_محمود، رئيس اللجنة العليا للفتوى في جمهورية جيبوتي السابق ، وأخذ المشاركين في جولة ماتعة حول القواعد السابق ذكرها، ثم كان دور التعقيب والنقاش من نصيب الشيخ الدكتور #حسن_شيخ_علي_ورسمى ، مدير مركز الآفاق للبحوث والدراسات.
في معرض حديثه عن قاعدة الحقوق الخالصة والمركبة، تناول الباحث أقسام الحقوق من اعتبارات عدة كما ذكرها المؤلف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الحقوق باعتبار أصحابها، ومن ذلك حقوق خالصة لله: كالمعارف والإيمان بما يجب الإيمان به، وحقوق مركبة من حق الله وحق العبد كالأذان والصلاة والزكاة والجهاد، وأيضا حقوق العباد وحقوق البهائم والحيوان على الإنسان.
ثم ذكر أمثلة في انقسام الحقوق إلى المتفاوت والمتساوي والمختلف فيه، وكان من أهم النقاط التي أثارها الدكتور عثمان ما انتشر في هذا العصر من الظلم الذي استشرى في أكثر بقاع الأرض وخاصة في بلاد المسلمين، وأيضا ظلم الحكام للدعاة وأهل العلم والصلاح وكل من له رأي حر لا يوافق هواهم.
نبه أيضا إلى سياسة الدول الكبرى في الكيل بمكيالين عند ما يتعلق بالمسلمين وغيرهم ، ولم يهمل الدكتور ذكر ما يشهده إخواننا المرابطون في بيت المقدس وأكناف المقدس من ظلم وعدوان من قبل الغاصبين الصهاينة المحتلين الذين يجدون كل العون والمساعدة ممن يسمون أنفسهم دعاة الحرية والحقوق الإنسانية، وبيّن بالدليل أن ذلك مجرد ادعاء باطل.
وقد تناول الباحث قاعدة في الجوابر والزواجر ، وذكر قول المؤلف: “إن الجوابر مشروعة لجلب ما فات من المصالح، والزواجر مشروعة لدرء المفاسد”، وعرج في ختام حديثه على قاعدة في بيان متعلقات الأحكام ، وذكر أنها تركز على ما يسمى في كتب أهل العلم #بالرقائق.
ثم جاء تعقيب الدكتور حسن بذكر أهم النقاط التي استدركها على العرض القيم الذي تفضل به الباحث، وركّز تعقيبه على ذكر أمثلة حية من واقع الناس المعيش، وختم حديثه بوصايا وتنبيهات قيمة تبرز أهمية الكتاب، حيث وقف على الخطوط العريضة والعناوين البارزة، ثم فصّل في النماذج وغاص في التطبيقات.
وقبل الختام تشرف المجلس المقاصدي الرابع بمداخلة قيمة من #المفكر_الإسلامي_الشيخ_عبدالرحمن_بشير_الجيبوتي، حيث أثرى النقاش ببعض النقاط المهمة عن محورية كتاب القواعد ودور مؤلفه الريادي.
ثم أثنى على جهد القائمين بالمركز والرسالة القيادية التي يتسم بها مثل هذا المشروع، وأيضا عبّر عن سعادته بالمشاركة والمتابعة لما أدركه من عرض المحاضر الأخير الدكتور عثمان وتعقيب الدكتور حسن، وأوصى الحاضرين وأرباب العلم الصوماليين بوصيتين مهمتين كما يلي:
– ضرورة التركيز على إيجاد فهم أعمق لمستجدات الساحة الدعوية والفكرية والعلمية ، وخاصة أرباب المشروع الإسلامي، وذلك عبر الانتقال من حالة الرضى بمنتجات الصحوة والبحث عن أدبيات جديدة من شأنها تشخيص الوضع الحالي الذي سماه الشيخ: “ما بعد الصحوة”، وأومأ إلى حتمية أن يكون ذلك بمنزلة اليقظة التي من خلالها سيتمكن علماء الأمة ومفكروها من النهوض بأمتهم والارتقاء بالوعي.
– أن ينصب اهتمام الباحثين الأكاديمين في حقول الفقه والأصول والمقاصد وغيرها من مجالات الدراسات الشرعية والعلمية الأخرى، أن ينصب اهتمامهم في الوصول إلى منهجية تتوسط بين مدرسة الأثر التي تركز على ظاهر النص ولا تتجاوزه ، مما قد يفقدها تكييف المسائل وإسقاطها على متطلبات النهضة والإجابة عن تحديات الأمة، ومدرسة الرأي التي غالت في تحكيم العقل وتسليطه على النص من دون برهان قويم.
#وفي_الختام خاطب الشيخ محمود شيخ إبراهيم سولي المشاركين وثمن جهود المركز ، وأثنى على فكرة إقامة مجالس عرض الكتب المقاصدية، ونوه إلى حاجة المجتمع الماسة لمثل هذه النقاشات والجلسات الحوارية التي تثري الجو العام بالعلم المفيد عوضا عما انتشر في الساحة الصومالية من منشورات وسجالات لا تسمن ولا تغني من جوع في أفضل حالاتها، مالم تكن تلك النقاشات مما يضر بصحة المجتمع الدينية والفكرية والأخلاقية على حد سواء، لذا فقد أكد الشيخ في مداخلته على وجوب إيصال هذه الكنوز المعرفية إلى قطاعات عريضة في المجتمع، وأن لا تكون حكرا على أهل العلم خاصة.
مقديشو – الصومال