النبيل الأصيل يستر العيوب ، ولا ينكر من له فضل عليه ، وليس ناكرا للجميل ، ولا ينسى من أحسن إليه ولو مرة واحدة في العمر ، ويعتز بالصداقة كثيرا ، ويقدر الوفاء ، ويشتاق لمن يحبهم وإن لم يعبر حنينه هذا بالكلمات ، ويكره أن يجرح أحدا بكلام أو تلميح أو حتى أن يفهم شخص ما كلامه بشكل خاطئ بسبب طرف خاص يمر به ، ولا يكره المخطئ بل يكره الخطأ ، ويتجاوز عن العثرات، ولا يتبع العورات، ويرحم الصغير ويوقر الكبير، ويحترم المرأة ، ولا يحتقر انسانا بسبب مهنته أو مظهره أو أصله، ولا يتمنى الشر لأحد ، ويكتم غيظه ، ويسامح ويعفو عند المقدرة ، ولا يقبل العطايا وإن كان محتاجا لها ولكنه يردها بأدب ويحفظ هذا الصنيع الجميل لصاحبه ، وبالعكس لا يرد هدية من مال حلال.
والنبيل الأصيل يحترم ويوقر عزيز قوم ذل، ولا يشمت بعدوه إن دارت عليه الدوائر، ويفرح بمن يزوره ولو كانت زيارة عابرة ، ولا ينفك يمدح من سانده في يوم صعب عصيب ولو بكلمة، وإن أساء إليه شخص وكان له عليه فضل خجل أن يرد عليه فهذا عنده من نكران الجميل.
يبكي عندما يرى مشهدا فيه براءة وصدق وذكريات جميلة، ويبكي أيضا عندما يسمع أو يشاهد قصة حزينة، وهو دائم الابتسامة ، قليل الكلام ، رقيق القلب.
وأكره ما يكرهه النبيل هو المراوغ المنافق الذي يظهر للناس غير ما يبطن ، ويعاني الأمرين حين يجتمع مع هذا في مكان ما لأن الليئم يعكر صفوه ويكدر مزاجه ويثير غضبه ويستفزه بسوء أدبه وتذخلاته في ما لا يعنيه، ويحرجه بفضوله وثقته العمياء بنفسه لدرجة النرجسية.
والنبيل إذا مدحه شخص بما هو أهل له اكتفى بالإبتسامة وشكره من قلبه ، ولم يتكلف بالرياء وقول : إنك تحسن الظن بي ، ولكن إن بالغ أحدهم في الوصف شكره ثم اعتذر وقال : تلك الخصال أتمنى أن أكون أهلا لها ولكن هذا مقام لم أصل إليه.
والنبيل متواضع بشكل عجيب ، يخدم غيره ولا يشعر بأنه يجتهد في خدمتهم لأن هذا من خلقه وطبعه، ويخدمهم وهو سيدهم وأمير القوم خادمهم ، يخدمهم وهو شيخهم ولا يترفع عن خدمة من هم في حضرته.
والنبيل يصل الرحم ويعطي وليس من أهل المن والأذى ، يعطي الفتى ويرى أباه ولا يقول له : أعطيت ولدك مالا كان بحاجة إليه ، ويسأله أحدهم عن بنت يود أن يخطبها فيذكر لها محاسنها وصفاتها الحميدة وهي كريمة حقا ثم لا يخبر أباها أو أخاها هذا.
والنبيل تروي له قصة فيسمعها إلى آخرها وهو قد سمعها مرارا وتكرارا ، ويشرح له أحدهم مسألة نال فيها درجة الدكتوراة وكتب عنها عشرات الأبحاث ولكنه يستمع وكأنه يتعلم هذه المسألة لأول مرة ، وهذا ليس تكلفا ولا تصنعا ولكن هذا طبع في النفس وسجية.
وشخصية النبيل لا تقبل أن تذهب إلى وليمة دعي إليه في آخر ساعة إلا أن تكون دعوة من قريب لا يرد ، ومن جار فلا يحرج ، ومن صديق رفع بينكما كلفة الحرج.
والنبيل يبتلى ، فالأشرار قد كثرو وهو طيب القلب يتألم حين يرى من يغير حياة الناس من السيء إلى الأسوأ.
والنبيل يصبر على كلام الحساد ، وهمسات مجالس القيل والقال ، وتلميحات مبطنة عند من يتستر تحت “نصيحة صديق صادق صدوق ” ويصبر على مزح ثقيل فيه عداوة خفية ، ولا يترصد لسبق اللسان وإن كشف خبيئة خبيثة في النفس ، ولا يستمع لأناس يتحدثون همسا وإن كانو يغتابونه حقا، ويتغافل قصد وعمدا وهو يفهم كل شيء، بل يعرف ما يمكن أن يفكرو فيه لما عرف من النفس البشرية ولكنه يتجاهل ويخجل من أن يجادل قوما سود سوء الظن قلوبهم.