كنت أنظر غروب الشمس إلى مختفاها ؛ وانا اتمشى سارحا مكتئبا في ضاحية مسقط رأسي ؛ ومهاجرا صخب المدينة وغبارها المنتشر في جميع الأجواء ؛ لعلي اجد سلاما منفصلا ولو دقائق معدودة ومحدودة ..
كنت أتسائل حينها ؛ ما وجه الشبه بينك وبين هذا الضوء الساقط ؟ وهل هذا الإحمرار له صلة بحياتك ؟ وهل أنت مقبل على الإختفاء إلى العدم كما تفعل الشمس ؟ أم أنه مازال هناك امل للظهور كالشمس من جديد في يوم غد؟
اتسأءل في حين لم ينفع التسائل ؛ وفقد السؤال نفسه طعمه ؛ ولم تقوى نفسي ان تفسر وتبرر ؛ لأن كل تلك التصرفات الآدمية غابت عن نفسي إلى الأبد …. ولكن دعني اخبرك واعطيك واذكر لك سيرتي الذاتية ؛ ولكن ليس من اجل عمل وإنما من اجل أن تعرف ما لم يعرفه الموظفون في الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة عني … لعلي أجد منك تقديرا إنسانيا وتكريما آدميا ؛ فهذا انفع من تجاهل قضى على آخر إحساس لي وتخلص من بقايا ثقة كنت أحتفظ بها ..
ولدت في بادية قاصية ؛ بحيث الرعي والزراعة مهنة الكل وحتى الصغار لهم سهم في هذا العمل ؛ والكل في هذا الروتنين مواظب ..وككثيرين من بني قومي ؛ عملت مع والداي الزراعة والرعي ، وكسبت حياة الجلد والصعاب ؛ إلى أن تمكنت من سياسة الأنعام ورعايتها وقوي شوكي.. إنتقلت إلى المدينة ؛ وإستقريت فيها لأبدأ فيها فصلا من فصول الحياة الطويلة فيها ..
إلتحقت بإحدى المدارس النظامية ؛ لأرسم خطوات حياتي في صفحات بيضاء ناصعة ؛ لاتعرف عن تقلبات عالم المتحضر ؛ وضياعه اللا متناهي ؛ والذي يضيع سنوات طويلة في الفصول جالسين في كراسي مدعين أنهم يفعلون ذلك من اجل كسب معارف ؛ يا إلهي ؛ ما اخدع اهل البلد والحضر بتلك الأنظمة اللافائدة منها بتاتا ، غير أنها تعني فقط حياة عسكرية بزي مدني ..
كنت افهم رويدا رويدا ؛ اوجه الحياة ؛ فتعودت عاداتها ؛ وإنتقلت في عالم التعليم مرحلة بعد أخرى إلى أن تمكنت من إكمال دراستي الثانوية ؛ وطويت صفحة أخذت وقتا ليس باليسير من حياتي .. ثم بدأت بالبحث وتقديم الطلبات والمشاورات حول ماذا سأتخصص ؛ وبأي جامعة ؛ داخلية ام خارجة عن الوطن ؛ كل تلك الأسئلة وغيرها كانت تدور في خاطري ؛ إلى أن وفقت أن انتقل إلى المهجر لأتلقي دراستي بإحدى الجامعات العريقة وبتخصص علم النفس ؛ تطبيقا بنظرية “تعلم ماتحب وستعمل بما تحب ” .. ذهبت السنوات ومرت الأيام وتذوقت مرارة الحياة ومسراتها ، إكتسبت علوما واناسا مازالوا إلى الآن في فؤادي حاضرين ..
فتخرجت وخرجت من المهجر ؛ ورجعت بأمل ؛ وكنت ارى الوطن بمثابة جنة في ارض الله ؛ وكان بلد أحلامي طوالي تلك السنوات ، فأتيت متبخترا واثقا من نفسي ؛ وتخرج مني ابتسامات عريضة ؛ وبريق مصطنع بكبرياء مني ؛ ظانا من داخلي أنني حزت المأمول ووصلت نهاية الطريق ؛ ومستقبلا مشرقا كنت أتصوره دوما منذ أن اتيت من باديتي …
وكالكل اعددت وبصياغة جميلة منتقاة سيرتي الذاتية ؛ يظهر فيها جميع ما قمت به من اعمال اكاديمية وتعليمية ؛ وكنت أردد نظراتي لتلك الأوراق مرة بعد أخرى متفرجا عليها بجمالها وحسن إعدادها .. فاودعتها في كل مكتب توظيف تابع لكل مؤسسة عرضت فرص عمل ؛ وكنت اذكر تلك الأخبار بين جلسات أقراني وكأنه إنجاز.. ناداني البعض وتجاهلني الآخرون ؛ دعيت لإمتحانات لابأس بهم والذي يكون خاتمتهم بأنهم سيتصلون بي ؛ في حين لم يتحقق أي من تلك المقولات ؛ إلى أن راجعت وغيرت وحررت اوراقي مرات ومرات ؛ ولكن لم ينفع ذلك إلى انه زاد الطين بلة …حزنت فتحيرت ففكرت وتشوشت …جريت وراء الوسطاء القبليين والمصلحيين وغيرهم ؛ ولكن لا جدوى يذكر.
حياتي صارت بقايا آدمية فارغة ؛ لا وظيفة ولا مستقبل افتخر ، وتعليقات الأسرة والقرابة يهز سمعي ويتساقط علي كوابل من السهام المسمومة ، لا اعرف ماذا افعل .. هل ظلمني العلم ؟ ام المجتمع ؟ ام انه إمتحان جديد من الحياة ؟ وهل اخطأت في عطائي السخي للعلم والمعرفة طوال تلك الفترة ؟ أم أنه خدعة الحضارة المعاصرة ؟
محظوظون هم اصدقائي ؛ الذي لاقوا نفس مصيري ؛ ولكن المال انقذهم من وحشية الحياة وفوضوية الوطن وحسد الحاسدين ؛ بعدما وفر لهم اهاليهم بعضا من رأس المال لمزاولة مايحبون ؛ ولكي يسدوا ثغرة التي تركها عدم التوظيف لكي يدخلوا في عالم جديد ومحتلف تماما عن احلامهم ؛ والمكاتب المكيفة والبدلات الجميلة …
مسكين أنا … ايها القارئ ؛ هذاه سيرتي الذاتي المكتوبة بماء الوقت ؛ وشكرا على وقتك وصبرك على إستماعك فهذا كان افضل من مئات سير ذاتية اودعتهم في مكاتب لم اعد اتذكرها …