عبدالرحمن سهل يوسف
باحث في الشان الصومالي
هل بزغ فجر جديد في الصومال غداة انتخاب السيد محمد عبد الله فرماجو رئيساً للصومال في 8 فبراير/شباط الماضي؟ وهل الصومال قادر على دحر القوى الشريرة؟ وهل ابتكرت الدولة مفاهيم سياسية جديدة في بنية الحكومة؟ أم أن الحكاية هي من شابه أباه فما ظلم؟ وما أبرز التحديات الماثلة أمام الدولة؟
فاز السيد محمد عبد الله فرماجو في الانتخابات الرئاسية الصومالية التي أجريت في فبراير/شباط الماضي بسهولة بحصوله على 186 صوتاً، حيث أصبح الرئيس التاسع للصومال، ولقي انتصار “فرماجو” ترحيباً واسعاً من مختلف شرائح المجتمع الصومالي ومن المجتمع الدولي أيضاً، ورغم ما صاحب الانتخابات من عيوب فإنها كانت بمثابة عرس انتخابي في الصومال.
ويبالغ البعض من أنصار فخامة الرئيس محمد عبد الله عندما يرون في لحظة الانتصار بعثورهم على مفتاح الأزمة الصومالية! وأن الدولة الصومالية قد استعادت كامل قوتها؛ بل كأن الصومال قد ولد من جديد! ونادى أحدهم: “يا قوم أليس لي ملك الصومال، وهذه الخيرات الطبيعية والبشرية تحت تصرفي”، وأن بناء المؤسسة العسكرية قد حان وقتها، وسيتم القضاء على القوى الشريرة خلال 6 أشهر!
وأن استخراج خيرات البلاد المتنوعة قد دنا قطافها! وسيتم تحويل الأراضي الجدباء إلى جنة خضراء، وكأن لسان حالهم: انتهى عهد الجفاف السياسي والطبيعي، كما أن عنوان المرحلة المقبلة هو فرض هيبة الدولة على الكل، مع طي صفحة الخلافات بين الفرقاء المتشاكسين، وتحقيق العدالة الإجتماعية ضرورة وطنية بخلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل، مقابل وقف موجات الهجرة للشباب نحو الغرب، أو الشرق أيضاً!
إن رفع سقف التوقعات في عهد “فرماجو” هو سيد الموقف؛ وذلك لثلاثة أسباب، هي:
* أزمات البلاد المتراكمة منذ 1991م حتى بلغ السيل الزبى، وساءت أحوال الناس المعيشية مقابل عجز الدولة عن تقديم الخدمات العامة إلى المواطنين.
* الحملات الإعلامية الشرسة لتحالف المعارضة ضد كتلة الرئيس حسن شيخ محمود التي رفعت شعارات وطنية وأخرى قبلية بغية إنقاذ البلاد والعباد من التدخل الخارجي وفق أفكار المعارضة، وأجمع القوم على رمي السيوف والسهام على حسن شيخ دون مشروع سياسي يوحدهم.
* خروج آلاف المواطنين إلى شوارع مقديشو العاصمة وغيرها عقب فوز محمد عبد الله فرماجو في الانتخابات الرئاسية، ورفع شعارات وكلمات تلخص لحظات التغيير الموعود، وكأن أزمات الوطن قد حلت بنسبة 50% ولكن الأزمات متجذرة في المنابت والأصول!
ما يعني أن الأوضاع معقدة للغاية، والأرض لم تتسع للجميع، وعقلية المواطنين غير مرشحة للتغيير، والأنهار تجري إلى مجاريها السياسية القديمة، كما أن الإرث الثقيل السابق قد يثقل على كاهل القيادة الحالية، والملفات الشائكة لا تزال مبعثرة في مكاتبها! وحدّث عن شحّ الموارد المالية، وتباين الأفكار والمشاريع السياسيّة بين المكونات السياسيّة، وإقصاء كيانات سياسية معتبرة عن الحكم لأيديولوجيتهم وأفكارهم!
إن الحديث عن حسم الملفات الاستراتيجية كتحقيق الوحدة، وهزيمة الإرهابيين، والحد من الفقر- سابق لأوانه؛ حيث إنّها بحاجة إلى خطة خمسية أو أكثر، كما أن الجدل الدائر حالياً حول استراتيجية الحكومة لمواجهة
التحديات الأمنية المثيرة للاهتمام، والتي قد تصبح أول قنبلة سياسية قد تنفجر في وجه الحكومة إذا لم تتدارك الأمر قبل فوات الأوان.
أما تكوين الحكومة، فلا يختلف عن السابقة من حيث عدد الحقائب الوزارية، والمحاصصة العشائرية، إلا أن اللافت للنظر هو هيمنة أصحاب الثقافة الغربية على الحكومة، وإقصاء الإسلاميين أصحاب الثقافة العربية من التشكيلة، وعدم مراعاة التوازن في بعض المناصب القيادية، وتلك ورقة رابحة في يد المعارضة!
والسياسة الخارجية، لا تزال في طور النشأة والتكوين، حيث لم تتشكل بعد الرؤية الدبلوماسية للحكومة، وتعزيز الصومال علاقاته مع الدول الشقيقة والصديقة مهم للغاية، إلا أن أرجل الصومال وإثيوبيا واقفة على أرض رخوة، وآية ذلك انسحاب بعض وحدات الجيش الإثيوبي من مناطق استراتيجية وسط الصومال دون التنسيق مع الصومال، وهو ما يكشف جانباً من حالة الفتور الدبلوماسية بين الجانبين.
أبرز التحديات
أما التحديات الماثلة أمام الدولة الصومالية، فهي قديمة وجديدة في الوقت نفسه، وهي تراكمات نجمت عن انهيار الدولة في 1991م، وأثرت على حياة المواطنين ومستقبلهم؛ ومنها:
* الملف الأمني: ورغم وصول بعثة القوات الإفريقية في الصومال بداية 2007م، فإن التوتر في المشهد لا يزال سيد الموقف، وتأتي القضية الأمنية في صدارة الملفات المعروضة أمام الحكومة الصومالية الفيدرالية.
* الملف الاقتصادي: الصومال غني بموارده المتنوعة، إلا أن ضعف مؤسسات الدولة، وغياب رؤية تنموية في العقد الأخير أدى إلى ركود اقتصادي عام، وهو ما يؤدي إلى الصراع على الموارد المالية البسيطة المتاحة!
* الأجهزة القضائية: وهو من أخطر القضايا؛ حيث إن فصل الخصومات بين المواطنين في العهد الجديد يتطلب إصلاح الهيئات القضائية أولاً، علماً بأن إرجاع الحقوق لأصحابها سيخلق الثقة من جديد بين الصوماليين.
* التوافق الوطني: أزمة التجاذبات السياسية لا تزال تراوح مكانها، ورغم أن الحكومة الحالية كان من المفترض أن تكون حكومة مصالحة ذات قاعدة عريضة، فإنها اكتسبت خصوماً سياسيين في وقت مبكر جداً، وهو ما يؤدي لانفجار خلافات سياسية والتي ستطول الحكومة خلال عام أو أقل.
* التعاطي مع الملفات الخارجية: وهي من المعضلات الاستراتيجية؛ بسبب وجود تضارب المصالح بين قوى إقليمية وأخرى دولية في الصومال، وبالتالي فلا مفر من التعامل مع تلك البيئة المتناقضة مع إبداء المرونة الدبلوماسية، ومراعاة مصالح الوطن.
وخلاصة القول، فإن الصومال يشهد حالة مخاض عسيرة، ولكن لا أحد يعرف كيف سيكون شكل المولود الجديد المرتقب.
المصدر: هافينغتون بوست إنترناشونال
http://www.huffpostarabi.com/abd-al-rahman-sahl-yusuf/-_11373_b_16321704.html