في مقال له عن التدخل الأمريكي في الصومال عام ١٩٩٣، أشار الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل إلى لمحة مهمة عن أسباب مأساة الصومال، وأزاح الستار عن اللاعبين الكبار والصغار الذين كانوا سببا لتلك المأساة حيث قال:
“وعندما أصبح الاتحاد السوفيتي صاحب النفوذ في العاصمتين المؤثرتين في القرن الأفريقي: أديس أبابا ومقديشو، لجأت الولايات المتحدة إلى الدول العربية الإسلامية التقليدية- بالذات السعودية التي انضمت إليها مصر – وجرى استغلال تناقضات قديمة تخلفت من تاريخ مظلم ودام، واندلع نوع من صراع الذئاب بين الكابتن “هيلامريم” قائد انقلاب إثيوبيا ضد “هيلا سلاسي” -وقد وضع “هيلا مريم” صورته بين “ماركس” و”لينين” و”ستالين”- وبين الجنرال “محمد سياد بري” الذي راح يطرد خبراء الاتحاد السوفيتي من الصومال، ويحرم مارشالاته من السباحة في مياه المحيط الهندي في شهر ديسمبر، آملا في مساعدات دول إسلامية وعربية معينة.
وتحول الصراع بين الكابتن الاثيوبي والجنرال الصومالي -في خريف الحرب الباردة- إلى حرب مشتعلة على أرض القرن الافريقي إلى النهاية، بين نظامين ورجلين، ثم كلا النظامين وكلا الرجلين حاولا في حربهما أن يستثيرا النزاعات العنصرية والقبلية والشخصية، وكلاهما أيضا راح يستزيد من تورط دول الإقليم كي تساعد، وتمول، وتقدم السلاح وتؤجج الحرب.
……
وفجأة انتهت الحرب الباردة، وانسحب الاتحاد السوفيتي من القرن الافريقي، وسقط بالتالي هؤلاء الذين كانوا يعتمدون على مساندته ونفوذه، واختفى من الساحة كل من “منجستو هيلا مريم” و “محمد سياد بري”.
ونتيجة لهذا التغيير في طبيعة الصراع خففت القوى الإقليمية -السعودية ومصر وغيرهما- من تدخلاتها في الحالة الصومالية.
…….
كانت المأساة في واقع الأمر جرحا من جراح الحرب الباردة، لم يكلف أحد نفسه عناء تطهيره أو تضميده أو علاجه، وإنما مضى الكل إلى شواغلهم في حقبة جديدة، وتركوا الصومال مع جرحه المفتوح، وزحفت وحوش المرض والجوع والفوضى.
……..
ربما نظرية المؤامرة لا تصلح لتفسير التاريخ، ولكن نظرية الإحسان لا تصلح هي الأخرى لتفسيره. (أ، هـ- مع الاختصار)”
أو ما زلنا لم نستفد من التاريخ ومآسيه؟
وقال الشوقي: اقرأوا التاريخ اذ فيه العبر*ضَل قوم ليس يدرون الخبر
Post Views: 41