اللقب واستخداماته في الصومال يختلف كليا عن الحال لدى الشعوب العربية، حيث اللقب لديهم عبارة عن جد أو قرية ينتمي إليها الشخص وتلازمه طول حياته وبعد مماته، بينما الصوماليون لا يستخدمون في أسمائهم الرسمية لقب أو أسماء للعائلة أو المناطق التي ينتمون إليها، في المستندات الرسمية يستخدمون غالبا الاسم الثلاثي المجرد( اسمه واسم ابيه واسم جده) وفي الحالات التي تتطلب التمييز يستخدم اسم الوالدة ( محمد أحمد عبدالله إبن مريم أبوبكر).
وأثناء دراستي في اليمن كان مدرس اللغة العربية يقرأ أسماء طلاب القاعة وكانوا أكثر من مائة وثمانين طالبا جميعهم يمنيون ما عدى ثلاثة صوماليين وطالب من تشاد، فكان اليمنيون يحملون ألقابهم الحاشدي والخولاني والخنبشي وبن محفوظ وباجنيد وغيرها، فلما وصل إلى اسمي سألني اسم العائلة فأخبرته اسم الجد الثاني وهو جوسار ومن يومها اشتهرت باسم محمد جوسار.
لكننا في الصومال اللقب يشير إلى وصف للشخصية قد يكون متصلا باوصاف جسدية مثل الطول والقصر والنحافة والبدانة، وقد تكون إشارة إلى عيب جسدي، وقد تعبر عن الذكاء والغباء والنشاط والخمول، وقد يكون عن البخل والجود والرحمة والغلظة وغير ذلك مما يتعلق بالشخصية، وغالبا ما يحتاج إطلاق اللقب على الشخص إلى مناسبة.
وهناك ألقاب الدلع التي تطلق الأمهات على صغارهن، ولم تبخل عني والدتي هذه الألقاب وكانت تطلق علي ألقاب عدة منها Cadde ومعناها الأبيض، Caano Jiilaal ومعناها حليب الصيف، لأن وقت الصيف يندر الحصول على الحليب، Cir Abaar da’ay أي المطر الذي يأتي بعد جفاف طويل، Aar toosay أي الأسد الذي استيقظ لتوه، وكلها ألقاب دلع لم تعد أذناي تسمعها منذ عقود.
وبالنسبة للألقاب كان أول لقب اكتسبه خارج البيت هو لقب (Luudaay) ومعناه الذي يمشي ببطء ولا يسارع الخطى، وقد أطلقه علي معلم الخلوة، والمناسبة كانت أنه بين الحي الذي نسكنه وبين موقع الخلوة مساحة خالية من المساكن تقدر بنحو نصف كيلومتر مربع يستخدمها فتيان الحي للعب الكرة، فطلبت والدتي من المعلم ان يرسلني مبكرا إلى المنزل، وأول يوم أرسلني المعلم مبكرا لم أذهب إلى المنزل مباشرة وإنما بدأت اللعب بالقرب من بيت المعلم، ولما رأيت أن المعلم قادم بدأت أتحرك نحو بيتنا فرأني المعلم من بعيد وظن أنني ما زلت في طريقي منذ أن غادرت الخلوة قبل فترة. وفي الصباح التالي لما كنت أغادر الخلوة قال المعلم يا لوداي ويلك لو لحقت بك وأنت تزحف، فضحك الطلاب على ذلك، ومن يومها اكتسبت شهرة محمد لوداي، وأصبحت مادة دسمة للتندر والضحك، فكان بعض الفتيان من أصحاب الخيال الواسع يزايدون على ذالك ويضيفون إليها حواش وهوامش، فكان احدهم يقول أن محمد لما يغادر الخلوة يحتاج ستة أشهر للوصول إلى بيتهم ويستغرق ستة أشهر أخرى للوصول إلى الخلوة، فيضحك الجميع.
وبعد انتقالي إلى خلوة أخرى كان لمعلم الخلوة أغنام في قرية قرسوني التي تقع مسافة ثلاثين كيلومتر نحو شمال غربي بلدوين، وكان يكلف كل يوم طالبين أو ثلاثة للذهاب إلى القرية وجلب قربة حليب مشيا بالأقدام ذهابا وإيابا، وفي أحد الأيام ذهبت أنا وطالبان آخران وفي الطريق عثرنا على قنفذ فأشرت إليه بالاسم الذي أعرفه بالقنفذ وهو ( Maako maakooy ) وإذا بزميليّ يطلقان موجة من الضحك وهما ينتميان إلى منطقة شبيلي الواقعة بين مستحيل وقلافي في الاقليم الصومالي في إثيوبي، ويعرفونها باسم ( Xidig dhul) مع العلم أن هذا الحيوان يشتهر في مناطق كثيرة من الصومال بما فيها العاصمة مقديشو باسم ( كولي علي بنجر. Kuuley Cali Banjar )..
والمشكلة لم تكن هناك فرصة لتقبل التنوع الثقافي بيننا فشرعوا يضحكون علي بسبب هذا الأسم، وبعد كل فترة وجيزة يبدأ احدهما ذكر الاسم فيقهقهون، مع العلم ان أهل شبيلي يشتهرون بخفة الظل وحس الفكاهة، فبدأوا يروجون للقب الجديد في داخل الخلوة وأوساط التلاميذ، لكنهم لم يفلحوا في إلصاق اللقب الجديد بسبب مغادرتي إلى المدينة .
وفي مطلع التسعينيات كنت في أواخر العقد الثاني من عمري وتزامن ذلك مع تحولات جسدية من فتى صغير بدين الى شاب نحيف وطويل فاشتهرت باسم ( Maxamed Dheere أي الطويل) ولا يزال هذا اللقب يكافح من أجل اثبات وجوده وخاصة لدى الهيرانيين، لكن لقب جوسار يحكم قبضته على الميدان .
وبالنسبة للقب لوداي أعتقد انه لم يأت من فرغ، وفعلا صدق من قال لكل منا نصيبا في اسمه، أنا بطبعي لم أكن شخصا يفضل الألعاب التي فيها إرهاق بدني مثل الجري ولعب كرة القدم أو المصارعة، وإنما كنت أبرع بالأعمال الذهنية وإلقاء النكت وحل الألغاز والجلوس مع الكبار والاستماع معهم لنشرات الاخبار الإذاعية مثل راديو مقديشو والبي بي سي الصومالية، وكنت أبرع في لعب ( Jarta & shaxda ) وهي العاب تقليدية قريبة من الشطرنجة غالبا ما يلعبها الكبار، كل ذلك ساهم في نمو وعيي وتطلعي لما هو حولي، وكان زملائي غالبا ما يستغربون المستوى الثقافي الذي وصلت إليه والمعلومات التي أشاركهم ومعرفة بعض الإجابات الجاهزة.