الصومال بين عجز الداخل وعبث الخارج
يعيش الصومال في خضم أزمة سياسية خانقة، يتجلى فيها غياب الإرادة الحقيقية للتغيير، في ظل مشهد يتسم بالجمود وغياب الابتكار في مقاربة التحديات. فالواقع السياسي في البلاد يعيد إنتاج ذاته بطريقة مأساوية، حيث تمضي الحكومة الحالية على خُطى سابقتها، مكررة ذات السياسات التي ثبت فشلها، دون مراجعة جادة أو محاولة لتجاوز الأخطاء السابقة. وفي الجهة المقابلة، تنتهج المعارضة نفس الأساليب التقليدية التي جُرّبت مراراً دون أن تحقق تغييراً يُذكر، مكتفية بالنقد دون تقديم رؤية بديلة واقعية أو مشروع سياسي ناضج.
إن ما نشهده اليوم هو تجلٍ واضح لأزمة في التفكير الاستراتيجي لدى النخبة السياسية، التي باتت أسيرة لدوائر مغلقة من الصراع والمكايدات السياسية، غير قادرة على إنتاج مشروع وطني جامع يُلبي طموحات الشعب، ويُخرج البلاد من حالة التآكل المؤسسي والضياع الاستراتيجي. هذا التكرار العقيم للأخطاء، وعدم تجديد أدوات العمل السياسي، أضعف ثقة المواطن في كل الأطراف السياسية، ودفع بالشباب إلى خيارات أكثر يأساً كالهجرة غير النظامية، أو الانخراط في صراعات عبثية.
النتيجة الطبيعية لهذا الوضع كانت تراجعاً اقتصادياً مقلقاً، وفقداناً للفرص التنموية، وارتفاعاً في معدلات البطالة والفقر، وتلاشي آمال المغتربين الصوماليين في العودة إلى وطنهم والمساهمة في بنائه. لقد أصبحت البلاد، في نظر كثير من أبنائها، غير قادرة على منحهم الحد الأدنى من الاستقرار أو الكرامة.
وفي ظل هذا الفراغ القيادي والفكري، توسعت دائرة العبث الداخلي، حيث تتزايد حالات التمرد السياسي داخل الولايات الفيدرالية، وتُطرح مبادرات تمديد غير دستورية من قبل بعض رؤساء الولايات، الذين فشلوا بدورهم في أداء مسؤولياتهم التنموية والاجتماعية تجاه سكان مناطقهم. هذه النزعة الانفصالية أو التوسعية في الصلاحيات تعمق الانقسامات وتزيد من هشاشة الدولة المركزية، في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الموقف وتكامل الجهود.
ومن جهة أخرى، فإن غياب المشروع الوطني وانقسام الداخل يفتحان الأبواب مشرعة أمام التدخلات الإقليمية والدولية، التي تسعى كل منها إلى فرض أجنداتها الخاصة وتوسيع نفوذها في الصومال، مستخدمة أدوات متنوعة تتراوح بين الدعم السياسي لفئات معينة، إلى الاستثمار في الانقسامات العشائرية والإثنية. وبدلاً من أن يكون الصومال فاعلاً في محيطه، أصبح ساحة لتصفية الحسابات وصراع المصالح بين قوى إقليمية ودولية لا ترى في البلاد إلا موقعاً استراتيجياً ومورداً قابلاً للاستغلال.
إن استمرار هذا المسار الخطير لا يهدد فقط الحاضر السياسي والأمني للصومال، بل يقوّض أيضاً أي فرصة مستقبلية للنهوض أو الاستقرار. فما لم تتشكل إرادة سياسية وطنية جديدة، تتجاوز الحسابات الشخصية والحزبية الضيقة، وتستند إلى قراءة علمية لتجارب الماضي واستشراف دقيق لمتطلبات الحاضر والمستقبل، فإن البلاد ماضية نحو مزيد من التفتت، وفقدان مقومات الدولة الحديثة.
ما يحتاجه الصومال اليوم ليس فقط تغيير الوجوه، بل تجديداً عميقاً في العقل السياسي، وانبثاق نخبة جديدة تحمل مشروعاً وطنياً شجاعاً، يعيد الثقة للشعب، ويعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويُعيد تموضع البلاد في محيطها العربي والإفريقي والعالمي بوصفها شريكاً لا ساحة مستباحة.
بقلم: علي أحمد محمد المقدشي

















