“في أعين الآخرين”
في حوارٍ عُرض مؤخرًا مع الأكاديمي والكاتب السوداني الدكتور عادل عبد العزيز حامد، تناول فيه السمات العامة للشخصية السودانية، وأشار إلى أن هذه الشخصية تتصف بتركيبٍ المعقّد الذي يجمع بين البداوة والريف والحضر، وبين أنماط ثقافية متباينة ذات تأثيرات متنوعة، وهي شخصية ذات هوية هجينة، تجمع بين ما هو عربي وأفريقي، وديني وتراثي مما يجعلها غير قابلة للتنميط.
غير أن ما استرعى الانتباه بشكل خاص في هذا الحوار، هي المقارنة التي عقدها بين الشخصية السودانية ونظيرتها الصومالية. حيث وصف الأخيرة بأنها شخصية مرنة، تمتلك قدرة عالية على التكيف مع أنظمة المجتمعات الجديدة، بخلاف الشخصية السودانية التي تميل إلى الانكفاء على المألوف نفسيًا واجتماعيًا، وتواجه صعوبات ملحوظة في العمل الجماعي.
وفي سياق الحوار، أشار الأستاذ المحاور، ربعي سراج، إلى ملاحظة مهمة تتعلق بالجاليات الصومالية في الخارج، مشيرًا إلى أنها من بين أكثر الجاليات تنظيمًا وتأثيرًا.
هذه الملاحظة من الدكتور ومن المحاور تفسر جانبًا مهمًا من الشخصية الصومالية، وهي أنها شخصية ذات ببنية مجتمعية عضوية؛ بمعنى أن الإنسان الصومالي لا يُمكن تعريفه إلا بكونه فردًا ضمن جماعة. وهذه العضوية هي من تجليات البداوة، التي من خصائصها الاستعداد الجماعي للتحولات السريعة، مع قابلية التأقلم مع التغيير وفق شروط الجماعة.
وقد أشار الدكتور حامد إلى نوع من “العضوية المجتمعية” تشبه عضوية الإنسان الصومالي، وهي “الأسرة الممتدة” التي تُحيط بالشخصية السودانية. لكن الفرق بين العضويتين يكمن في أن الأسرة الممتدة توفّر للشخصية السودانية غطاءً نفسيًا واجتماعيًا، بينما العضوية المجتمعية في الحالة الصومالية لها دورًا أعمق وأشمل في حياة الفرد، يصل إلى درجة الهيمنة على خياراته ومساراته.
وعليه، فإن النجاح في السياق الصومالي غالبًا ما يُعدّ نجاحًا جماعيًا لا فرديًا، إذ لا يُسمح للفرد بتحقيق إنجاز مستقل عن الجماعة. ويترتب على هذه العلاقة أن نجاح أي فرد صومالي في الخارج يُعدّ إنجازًا للمجتمع الصومالي بأسره، كما أن أي نجاح في الداخل يُنسب مباشرة إلى الجماعة القريبة منه وهذه أحد العوامل المعيقة للتقدم للبناء الداخلي.
هذه الحلقة التي قُدّمت من خلال مقارنة خارجية للشخصية الصومالية، كشفت لنا أن الشخصية الصومالية التي نصفها بالشخصية لم تنل بعدُ ما حظها من البحث والدراسة والتنظير، لا سيما من قِبل الباحثين والعلماء الصوماليين أنفسهم. فمهما حاولنا أن نقرأ أنفسنا من خلال أعين الآخرين، تبقى هذه القراءات مجتزأة وناقصة. ومهما طُرحت سياسات تتعلق بتطوير هذه الشخصية دون فهم عميق لبنيتها الداخلية، ستظل تلك السياسات سطحية وساذجة، تفتقر إلى الأساس المعرفي اللازم للتأثير الحقيقي ولا يكون ذلك إلا في دراسة للشخصية الصومالية.
د. فاطمة حوش
27/9/2025