الصومال ومصر: نحو شراكة استراتيجية في ظل تحديات متغيرة
مقدمة:
تُعدّ العلاقات بين جمهورية الصومال الفيدرالية وجمهورية مصر العربية من أقدم العلاقات العربية-الإفريقية، إذ تجمعهما روابط دينية،وثقافية وتاريخية ضاربة في الجذور.
وتفرض المتغيرات الجيوسياسية في القرن الإفريقي والشرق الأوسط اليوم ضرورة الانتقال من علاقات تقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة، تتناول مختلف المجالات الحيوية بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، ويعزز من استقرار منطقة القرن الإفريقي بأسرها.
أولًا: البعد السياسي والدبلوماسي
ويشكل التعاون بين الصومال ومصر أحد أهم مرتكزات العمل العربي المشترك في القرن الإفريقي. فمصر تُدرك تمامًا أهمية الصومال كموقع جيوسياسي يتحكم بأمن البحر الأحمر وباب المندب باعتباره يقع بجوارهما، كما أن القاهرة ظلت حاضرة تاريخيًا في دعم وحدة وسيادة الصومال، خصوصًا في المنتديات الإقليمية والدولية.
وفي المقابل، يجد الصومال في مصر حليفًا موثوقًا يمكن التعويل عليه لمواجهة التحديات المتمثلة في التدخلات الإقليمية، والتهديدات الإرهابية، وتثبيت دعائم الدولة المركزية. ويمكن لهذا التعاون السياسي أن يتطور إلى تنسيق دائم في ملفات إقليمية كالنزاع حول مياه النيل، والصراعات الحدودية في القرن الإفريقي.
ثانيًا: التعاون الأمني والعسكري
وتُعدّ مسألة الأمن من أولويات الصومال في ظل تهديدات حركة الشباب الإرهابية، وتحديات إعادة بناء المؤسسات الأمنية. ومن هذا المنطلق، يمكن أن تلعب مصر دورًا محوريًا في تأهيل وتدريب الجيش الصومالي، خاصة أن لديها خبرة عريقة في بناء الجيوش الإفريقية والعربية.
كما أن التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات حول الحركات المتطرفة، يُعدّ أمرًا بالغ الأهمية في ظل تشابك التهديدات عبر الحدود. وبالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للبلدين على الممرات المائية، فإن إقامة تعاون بحري في مجال أمن الملاحة البحرية ومحاربة القرصنة،والإرهاب سيكون له تأثير مباشر على الأمن الإقليمي والدولي.
ثالثًا: الاقتصاد والتكامل التنموي
ويمتلك الصومال إمكانات اقتصادية ضخمة غير مستغلة، لا سيما في مجالات الثروة الحيوانية، والزراعة، والصيد البحري. ويمكن لمصر أن تستثمر في هذه المجالات عبر شراكات مباشرة مع الحكومة الصومالية والقطاع الخاص. كما يمكن العمل على إنشاء موانئ مشتركة ومناطق تجارة حرة تسهم في خلق فرص عمل وتحقيق التكامل الاقتصادي.
وفي المقابل، يُمثل السوق الصومالي سوقًا واعدًا للمنتجات المصرية، بما يتيح فرص تصدير واسعة للسلع الدوائية والغذائية ومواد البناء. ومن خلال خطوط ملاحية منتظمة، يمكن تعزيز التبادل التجاري بين البلدين بما يخدم الأمن الغذائي والتجاري لكليهما.
رابعًا: التعليم والثقافة والدين
ولم تنقطع العلاقة التعليمية بين البلدين منذ عقود. وقد ظل الأزهر الشريف ومنحة “دارسي الأزهر” بوابة رئيسية للتأثير المصري في الصومال، ونشر الفكر الوسطي المعتدل. ومن هنا، فإن توسيع منح التعليم العالي، وافتتاح فروع للأزهر في مقديشو والمدن الكبرى، يُمكن أن يكون ركيزة لبناء جيل جديد يحمل القيم المشتركة بين الشعبين.
كما أن التعاون الإعلامي والثقافي، عبر تبادل الوفود وتنظيم الفعاليات المشتركة، سيسهم في تعزيز الفهم المتبادل، ويعكس صورة إيجابية للعلاقات الثنائية في الداخل والخارج.
خامسًا: البنية التحتية والطاقة
وتعاني الصومال من فجوة كبيرة في البنية التحتية، ما يشكّل عائقًا أمام التنمية. وهنا تبرز الخبرة المصرية في مشاريع الطرق والكهرباء وتحلية المياه، كفرصة سانحة لبدء مشاريع مشتركة تعود بالنفع على الجانبين.
كما أن مجال الطاقة الشمسية يمثل أحد أبواب التعاون، لا سيما في المناطق الريفية النائية التي تفتقر إلى الكهرباء. وتستطيع الشركات المصرية أن تنقل خبرتها وتقنياتها للمساهمة في تحسين الخدمات الأساسية في الصومال.
خاتمة:
إنّ بناء شراكة استراتيجية بين مصر والصومال لم يعد خيارًا تكميليًا، بل أصبح ضرورة تفرضها التحديات الإقليمية والتحولات الدولية. فالصومال بحاجة إلى دعم عربي حقيقي يُسهم في ترسيخ أركان الدولة، ومصر بحاجة إلى شركاء موثوقين في القرن الإفريقي لحماية مصالحها الأمنية والاقتصادية. من هذا المنطلق، فإن توسيع التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتعليمية يمثّل حجر الزاوية في علاقة ثنائية واعدة بين بلدين يرتبطان بالمصير المشترك والتاريخ الواحد.