انتخابات مينيابوليس: معركة سياسية بين العمدة جايكوب فري والسيناتور عمر فاتح
===
تفوق مالي ونفوذ سياسي مقابل حماس شعبي وانقسام مجتمعي
مينيابوليس – الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025م
تعيش مدينة مينيابوليس في ولاية مينيسوتا الأمريكية أجواءً انتخابية حاسمة مع انطلاق الانتخابات المحلية لاختيار عمدة المدينة، في سباق محتدم بين العمدة الحالي جايكوب فري والسيناتور الشاب عمر فاتح.
ورغم الحضور القوي لعمر فاتح في الأوساط الشابة والمجتمعات المهاجرة، فإن المؤشرات السياسية والميدانية تميل لصالح العمدة الحالي، الذي يتمتع بتمويل ضخم ودعم سياسي مؤثر، إلى جانب خبرته الطويلة في إدارة المدينة.
** تمويل غير متكافئ يحسم المشهد **
المال هو عصب السياسة الأمريكية، والانتخابات في مينيابوليس ليست استثناءً.
فالعمدة جايكوب فري يقود حملة انتخابية ممولة بسخاء من جهات متعددة، أبرزها اللجنة المعروفة باسم “لجنة العمل السياسي” (Action Political Committee)، التي خصصت موارد مالية ضخمة لدعم حملته وتمويل الإعلانات الدعائية، في حين تعاني حملة السيناتور عمر فاتح من محدودية التمويل وضعف الدعم اللوجستي والإعلامي.
هذه الفجوة المالية منحت فري تفوقاً كبيراً في الانتشار والتأثير على الرأي العام، خصوصاً عبر المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث استُخدمت الحملات الممولة لتشكيل صورة ذهنية قوية لصالحه، وأحياناً للنيل من منافسه.
** تحالفات سياسية رفيعة تدعم فري **
يحظى جايكوب فري بدعم سياسي ثقيل الوزن داخل الحزب الديمقراطي في الولاية، حيث أعلن كل من:
1- حاكم ولاية مينيسوتا، تيم وولز (Tim Walz)،
2- والسيناتور إيمي كلوبوشار (Amy Klobuchar)
دعمهما الصريح للعمدة الحالي، يمنحه زخماً سياسياً كبيراً في مواجهة منافسه.
فكلا الشخصيتين تمتلكان نفوذاً واسعاً في أوساط الناخبين الديمقراطيين البيض، مما يعزز قاعدة فري الانتخابية ويمنحه شبكة تأييد مؤسسية يصعب كسرها.
**انقسام الجالية الصومالية يقلل فرص عمر فاتح**
ورغم أن الجالية الصومالية في مينيابوليس تُعد من أكبر الجاليات الإفريقية وأكثرها تأثيراً، إلا أنها تواجه اليوم انقساماً واضحاً في توجهاتها الانتخابية، خاصة في حي سيدار-ريفرسايد (Cedar-Riverside) الذي كان يُعد معقلاً تقليدياً للدعم الصومالي.
هذا الانقسام أضعف وحدة الصوت الصومالي التي كان يُمكن أن تشكل ثقلاً حاسماً لصالح عمر فاتح.
في المقابل، استغل العمدة فري هذا الواقع ببراعة، حيث نجح في التقرب من المجتمع الصومالي خلال السنوات الماضية، وتعلم بعض العبارات الصومالية، مما ساعده في كسب تعاطف شريحة من الناخبين الصوماليين الذين يرون فيه سياسياً منفتحاً ومتواصلاً مع جميع مكونات المدينة.
**الخبرة السياسية والرمزية الانتخابية**
ويخوض جايكوب فري هذه الانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، بعد فوزه في جولتين سابقتين، ما يمنحه رصيداً سياسياً وخبرة إدارية تجعله أكثر قدرة على مخاطبة هموم الناخبين وإقناعهم ببرنامجه.
بينما يعتمد عمر فاتح على شعبيته المتنامية بين فئة الشباب والمهاجرين، إلا أن محدودية تجربته التنفيذية قد تشكل تحدياً في مواجهة منافس متمرس ومؤسسات داعمة قوية.
** توازن القوى: بين الطموح والتأثير **
وتمثل هذه الانتخابات اختباراً حقيقياً للديمقراطية المحلية في مينيابوليس، وتعكس طبيعة التحولات داخل المجتمع الأمريكي بين الأجيال الجديدة الطامحة للتغيير، والمؤسسات السياسية الراسخة التي لا تزال تتحكم في مفاتيح النفوذ.
وإذا كان عمر فاتح يمثل صوت التغيير والطموح المجتمعي، فإن جايكوب فري يجسد الاستمرارية والخبرة والاستقرار الإداري، وهي معادلة تجعل نتائج هذه المعركة الانتخابية أكثر تعقيداً من مجرد تصويت شعبي.
واخيرا: معركة الرموز والتوجهات
وفي نهاية المطاف، تُظهر انتخابات مينيابوليس هذا العام صراعاً بين جيلين ورؤيتين:
رؤية جديدة تسعى إلى التغيير الجذري وتمثيل المجتمعات المهاجرة، ورؤية تقليدية تستند إلى التجربة والتحالفات السياسية.
ومهما كانت النتيجة، فإن هذه الانتخابات ستبقى نقطة تحول مهمة في تاريخ المشاركة السياسية للمجتمع الصومالي في الولايات المتحدة، ورسالة إلى أن الحضور السياسي للمهاجرين بات واقعاً لا يمكن تجاهله.
✍️ إعداد وتحليل:
الاستاذ: برهان جعفر غاميدلي –محلل سياسي،خبير في الشرق الأوسط والشؤون العربية،والافريقية



















