قاد رئيس الوزراء الصومالي منذ توليه رئاسة الحكومة الصومالية في يونيو 2022، مرحلة حافلة بالإصلاحات السياسية،والاقتصادية، والأمنية حيث أسهمت في تعزيز استقرار الدولة وترسيخ مكانة الصومال إقليميًا ودوليًا.
وخلال أكثر من ثلاث سنوات أمضاها السيد حمزة عبدي بري في المنصب، استطاعت حكومته تحقيق اختراقات مهمة في الملفات المالية، والعلاقات الخارجية، والخدماتية، والأمنية، رغم استمرار التحديات الكبيرة في الميدان الأمني، وتعدد الضغوط السياسية والاجتماعية، والإقتصادية والتي ترافق مرحلة بناء الدولة. وتلك مهمة بالغة التعقيد في إدارة دولة تتعافى من أزمات متشابكة امتدت لعقود.
هذا التقرير يستعرض أبرز إنجازات حكومة حمزة بري خلال الثلاث سنوات الماضية، مع تقييم أثرها على الواقع الصومالي، في محاولة لتقديم صورة شاملة لمسار الإصلاح والتقدم الذي شهدته البلاد تحت قيادته.
أولاً: الإصلاح الاقتصادي واستعادة الثقة الدولية
سجّلت حكومة حمزة عبدي بري تقدماً ملحوظاً في مسار الإصلاح المالي والإداري، إذ نجحت في إعادة بناء الثقة مع المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بعد سنوات من الانقطاع والعزلة.
وأثمرت تلك الجهود عن وصول الصومال إلى ما يُعرف بـ “نقطة الإتمام” ضمن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC)، وهو إنجاز تاريخي أتاح للبلاد إعفاء جزء كبير من ديونها الخارجية المتراكمة منذ عقود.

كما توصلت مقديشو إلى اتفاقيات إضافية لإعفاء الديون مع “نادي باريس” وعدد من الدائنين الإقليميين، من بينهم الصندوق العربي للادخار والتنمية الاقتصادية (AMF) عام 2025، مما وفر للحكومة الصومالية هامشاً مالياً أوسع لتوجيه الإنفاق نحو قطاعات التنمية والبنية التحتية.
1. أطلق خططًا لإعادة إعمار البنى التحتية الأساسية مثل الطرق والمطارات والموانئ، بدعم من الشركاء الدوليين.
2. شهدت البلاد في عهده زيادة في الإيرادات المحلية نتيجة تحسين نظم الجمارك والضرائب.
3. شجع الاستثمار الأجنبي، خصوصًا في قطاعات الزراعة والطاقة والاتصالات، وسعى لخلق فرص عمل للشباب الصومالي.
4. نجحت الحكومة في إدارة السيولة المالية وتحكمها لمحاربة غسيل الأموال من قبل الحركات الإرهابية ،مع تحسين العلاقة مع المؤسسات المالية المحلية،والإقليمية، والدولية.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول في مسيرة الاقتصاد الصومالي، إذ أعاد إدماج البلاد في المنظومة المالية الدولية بعد عزلة طويلة، وفتح الباب أمام تدفق الاستثمارات والمساعدات المشروطة بالإصلاح والشفافية.
ثانياً: الملف الأمني – نحو دولة آمنة ومستقرة، وتحديات متجددة:

على الصعيد الأمني، أطلقت الحكومة الصومالية خلال الأعوام 2022–2024 حملات عسكرية واسعة ضد حركة الشباب الإرهابية، بالتعاون مع مليشيات محلية (معاوسلي) والقوات الإقليمية والدولية، في إطار استراتيجية وطنية تهدف إلى استعادة السيطرة الكاملة على الأراضي الوطنية.
1. أطلقت الحكومة عمليات عسكرية واسعة لتحرير مناطق واسعة من قبضة حركة الشباب الإرهابية في ولايات هيرشبيلي،وغلمدغ، وشبيلي الوسطى والسفلى، بالتعاون مع الجيش الوطني والقوات المحلية.
2. أعاد هيكلة الأجهزة الأمنية، ورفع من كفاءتها من خلال التدريب والتسليح وتوحيد القيادات الميدانية.
3. تعزز التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والولايات في إدارة الملف الأمني، مما أدى إلى تراجع مستوى الهجمات الإرهابية داخل العاصمة مقديشو وعدة مدن رئيسية.
وحققت تلك العمليات مكاسب ميدانية ملموسة في عدد من المناطق الوسطى والجنوبية، حيث استعادت القوات الحكومية مدناً ومحاور استراتيجية كانت تمثل معاقل رئيسية للمسلحين.

إلا أن هذه المكاسب واجهت تحديات أمنية متجددة وذلك باستئناف حركة الشباب الإرهابية شنّ هجمات محدودة مضادة خلال عامي 2024 و2025، الأمر الذي أعاد الملف الأمني إلى صدارة الأولويات الحكومية، بوصفه التحدي الأبرز أمام الدولة الفيدرالية.
ويؤكد الخبراء أن الإنجاز الأمني في الصومال لا يزال جزئياً ومحدوداً، وأن الحسم يتطلب استراتيجية مزدوجة تجمع بين العمل العسكري الشامل والإصلاح الإداري في المناطق المحررة، إلى جانب إعادة الإعمار وتعزيز الثقة المجتمعية في تلك المناطق.
ثالثاً: الحوكمة والإصلاح الإداري:
عملت الحكومة على تحسين الأداء المؤسسي ومراجعة كفاءة الوزارات والهيئات العامة عبر إطلاق لجان تقييم دورية، ووضع آليات لتعزيز الشفافية والرقابة على المال العام.
كما شهدت الفترة الماضية تطوير الأطر التشريعية المنظمة للعمل الإداري والوظيفي داخل مؤسسات الدولة، مع إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لضمان فاعلية أكبر للأجهزة المدنية والخدمية.
1. تبنى سياسة الحوار والتفاهم مع رؤساء الولايات الفيدرالية، الأمر الذي ساهم في خفض حدة التوتر السياسي وتعزيز وحدة الصف الوطني.
2. عمل على ترسيخ مبدأ الشفافية في إدارة المال العام ومكافحة الفساد عبر آليات رقابة مالية أكثر صرامة.
3. دعم العملية الدستورية، وساهم في تقدم المفاوضات بشأن استكمال الدستور الإنتقالي ليكون دستورا دائما في البلاد.
ورغم تلك الجهود، لا تزال تحديات الحوكمة قائمة، ولا سيما في ما يتعلق بتنسيق الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية والإدارات الإقليمية، نتيجة حداثة التجربة الفيدرالية، وتعقيد الدستور الانتقالي، إضافة إلى التأثيرات القبلية والسياسية التي تحد أحياناً من فاعلية المؤسسات.
رابعاً: البنية التحتية والخدمات العامة

ركّزت حكومة السيد حمزة عبدي بري على تطوير البنية التحتية الأساسية في العاصمة مقديشو والمدن الكبرى، من خلال مشاريع لتحديث مطار آدم عدي الدولي وميناء مقديشو، وتحسين شبكات الطرق والمياه والكهرباء في عدد من المناطق، ولا سيما في العاصمة.
وترافق ذلك مع برامج إنمائية متوسطة المدى تهدف إلى دعم البلديات وتطوير المرافق الحضرية في إقليم بنادر، بما يسهم في تحسين نوعية الحياة وتعزيز التنمية المحلية.
1. أطلق خططًا لإعادة إعمار البنى التحتية الأساسية مثل الطرق والمطارات والموانئ، بدعم من الشركاء الدوليين.
2. شهدت البلاد في عهده زيادة في الإيرادات المحلية نتيجة تحسين نظم الجمارك والضرائب.
3. شجعت الاستثمار الأجنبي، خصوصًا في قطاعات الزراعة والطاقة والاتصالات، وسعى لخلق فرص عمل للشباب الصومالي.
4. دعم برامج التعليم العام وإعادة فتح المدارس في المناطق المحررة.
5. عززت قدرات القطاع الصحي من خلال إنشاء مراكز طبية جديدة وتوسيع خدمات الرعاية الأولية.
6. أطلقت برامج وطنية لمكافحة الفقر وتحسين أوضاع الأسر النازحة والمتضررة من الجفاف.
ورغم محدودية الموارد، تشير بيانات رسمية إلى تحسن تدريجي في الخدمات البلدية والبيئية بفضل شراكات الحكومة مع مؤسسات تنموية محلية وإقليمية ودولية.
خامساً: الدبلوماسية الاقتصادية والانفتاح الخارجي
تبنت الحكومة الصومالية سياسة خارجية قائمة على الانفتاح الاقتصادي والتكامل الإقليمي، ساعية إلى إعادة بناء شبكة العلاقات مع الشركاء الإقليميين والدوليين.

وشارك رئيس الوزراء في مؤتمرات استثمارية متعددة، وعقد لقاءات مع مسؤولين من تركيا والإمارات وقطر والصين ودول شرق إفريقيا، بهدف جذب رؤوس أموال جديدة وتعزيز مكانة الصومال كمنصة اقتصادية صاعدة في القرن الإفريقي.
كما أسهمت عودة الثقة الدولية بعد إعفاء الديون في تحسين صورة البلاد لدى المانحين والمستثمرين، الأمر الذي انعكس على زيادة المنح والدعم الفني للمشروعات الحكومية التنموية.
ويرى المراقبون أن حكومة السيد حمزة عبدي بري حققت قفزة نوعية في مجالات الاقتصاد الكلي والعلاقات الدولية والأمن والحكم الرشيد، بعد سنوات من الجمود والعزلة، غير أن الطريق نحو الاستقرار والتنمية الشاملة لا يزال طويلاً ويتطلب تعزيز الشراكات المحلية والإقليمية والدولية.
خاتمة
على مدار ثلاث سنوات من القيادة المتزنة، رسّخ رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري نهج الدولة الفاعلة والمتوازنة، واضعًا أسس التحول من مرحلة الأزمات إلى مرحلة البناء. ومع استمرار الإصلاحات الجارية، تبدو الصومال اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق رؤيتها نحو الاستقرار والتنمية المستدامة.
ويجمع معظم المحللين على أن إنجازات الحكومة، رغم واقعها المعقّد، تمثل مرحلة انتقالية مهمة نحو ترسيخ أسس الدولة الصومالية الحديثة القائمة على مؤسسات مالية وإدارية أكثر كفاءة واستقلالاً، وأن استمرار هذا المسار مرهون بقدرة الحكومة على ترسيخ الأمن، وتحقيق العدالة، وتعزيز التنمية المستدامة في مختلف أنحاء البلاد.
** المراجع المعتمدة **
1. البنك الدولي: تقارير الإصلاح المالي والديون في الصومال (2022–2025).
2. وكالة “رويترز” و”الغارديان”: تغطية اتفاقيات إعفاء الديون والتمويل الدولي.
3. وكالة الأنباء الوطنية الصومالية (SONNA): بيانات الحكومة وتقارير الأداء.
4. تقارير مراكز أبحاث أمنية دولية (ISS Africa، EUAA، Soufan Center).
5. وزارة المالية والتخطيط الصومالية – بيانات رسمية منشورة 2023–2025.
6. موقع قراءات صومالية


















