” *فوبيا القصاص*”
-قبل أيام- كتبت منشورا في غاية اللطف، أطالب فيه *وزيرا صوماليا* أن يقدم اعتذارا عن تصريحاته في وقت كانت بعض تصريحاته وفق العرف الإسلامي *تعتبر من القذف الذي يستوجب القصاص لا الاعتذار، ، فلماذا لم أطالب بالقصاص؟ *.
وهنا شعرت بتناقض بين *موقفي المعلن وقناعاتي الداخلية*، فتولد في داخلي صراع بين البحث عن سلامة الشخصية ومراعاة الصورة العامة ومسايرة اللطف الاجتماعي أو التجرد والخضوع التام للوضوح الإسلامي بقوانينه وحدوده وحقوق.
*وبعد قليل من تأمل تجلى لنا ان مشكلتي هي مشكلة المجتمع الصومالي*، الذي يختار اللطف والدبلوماسية على أن يخضع للوضوح الإسلامي والقانوني،
وهذا اللطف الاجتماعي فتح *باب استقبال جرائم أخلاقية لم تكن يوما في قاموس مشكلاتنا مثل الاغتصاب الجماعي*، لأن اللطف يصنع خريطة قوانين هي مزيج من المعلومات الزائفة وتحيزات والأهواء وتبريرات السطحية مع بعض نصوص الدينية، من أجل *إقناعنا بأن الحياة داخل مجتمع الصومالي أسهل باللطف الاجتماعي وأخطر من أن تواجه بالقوانين الواضحة والعقلانية*، ولكن لماذا؟
المفكر عبد الوهاب المسيري -رحمه الله- يقدم لنا أرضية معرفية يمكن أن ننطلق منها، فهو يفترض ما يسميه “*التبادل الاختياري للمجتمع التراحمي* “، فالمجتمع الصومالي وفق هذه الفرضية *يميل إلى ثنائية في التفسير وتحليل المواقف*، فالحق عندما يكون خارج (محيطه التراحمي ) له تفسير واضح ومنطقي يوافق وضوح الشريعة الإسلامية، وعندما يكون الموقف داخل أسواره الاجتماعية فهو *يفضل أن يختار ما كان بسيطا من القوانين، وأن يعوض من الضرر ما يمكن تعوضه بالعقاب النقدي لا بالعقاب البدني* إلا عندما يعجز عن تسكين المشتكي.
فالقصاص الذي فيه حياة مثلا هو *المقدس -نظريا- لكنه لا يقترن بالعمل*، والخطاب الديني في حقوق المادية الصريحة يكون خطابا روحانيا وممارسات غير شاملة…
وذلك لأن المبدأ الذي يتحاكم على أساسه المجتمعات التراحمية هو (*الشرف) بمفهومه الاجتماعي* الضيق، فكلما تعاظم الشعور بالشرف ارتفع في المقابل مشاعر التسامح، غض الطرف *والسكوت عن الجرائم، والسكوت هو أقوى تعبير يشرعن فساد المبادئ*، ويمهد المجتمع لاحتضان *عالم الجرائم بأنواعها الأربعة وهي الجرائم (الدينية – وجرائم الآداب– وجرائم الاجتماعية – وجرائم السلامة*).
فحقيقة اللطف الاجتماعي *هي فوبيا اجتماعية ( social phobia)* تتعلق *بالصورة الواهمة عن صلة الرحم والرغبة المستمدة في إثبات التفوق العائلي* وأن كان على حساب المبادئ والثوابت الإسلامية، *فنحن نخاف من الاعتراف، ونرتعب من إقامة ساحات القصاص*، ونرضى بطمأنينة زائفة على الحقيقة الصعبة ، *وما الحكمة صومالية الشهيرة (FIQI TOLKII KAMA JAMO TAGO) إلا صورة من صور فوبيا المواجهة*.
*د.فاطمة حوش*