في ظهيرة يومٍ عادي من أيام العاصمة الصومالية مقديشو، تحوّل تقاطع “سوبي” المزدحم إلى مشهدٍ من الرماد والدمار، حين انفجرت شاحنة مفخخة محمّلة بمواد شديدة الانفجار في قلب المدينة، لتكتب واحدة من أحلك الصفحات في تاريخ الصومال الحديث.
وحركة الشباب المتطرفة هي المسؤولة عن هذا التفجير المأساوي حيث خلال لحظات، تحولت الشوارع النابضة بالحياة إلى ساحة فاجعة كبرى؛ مئات الأرواح أزهقت، وأجساد كثيرة لم تُعرف هويتها بسبب قوة الانفجار الذي التهم المباني والمركبات وكل ما جاوره. وأعلنت السلطات لاحقًا أن عدد الضحايا تجاوز خمسمئة شهيد ومئات الجرحى، في أكبر تفجير تشهده البلاد على الإطلاق.
لم تكن المأساة مجرد حدث أمني؛ بل كانت صدمة وطنية أعادت للأذهان ثمن الحرب والإرهاب الذي طال الأبرياء في وطنٍ أنهكته المعاناة. غمرت الدموع وجوه الأمهات اللواتي يبحثن عن أبنائهن بين ركام المستشفيات، بينما ارتفعت رايات التضامن من كل بيت في مقديشو، ومن كل دولة مدت يدها للصوماليين في محنتهم.
وأعلنت الحكومة الصومالية الحداد الوطني ثلاثة أيام، وامتلأت شوارع العاصمة بمسيرات الحزن والوحدة. أما العالم، فقد وقف مشدوهاً أمام حجم الكارثة، وأعرب عن تضامنه مع الصومال الذي ما زال يسعى للتعافي من جراحه.
دروس من الألم
علّم تفجير سوبي الصوماليين معنى الوحدة أكثر من أي وقت مضى. فقد وقف الناس على اختلاف قبائلهم ومناطقهم كتفًا إلى كتف، يجمعهم الحزن على الضحايا والإصرار على بناء وطنٍ آمن.
وبات يوم 14 أكتوبر يُحيى سنويًا في مقديشو بوصفه “يوم التضامن الوطني”، تخليدًا لذكرى الأبرياء الذين فقدوا حياتهم بلا ذنب، وتذكيرًا بأنّ الصومال، رغم أوجاعه، لا يزال حيًا يقاوم.
ورغم مرور ٩ سنوات من التفجير، إلا أنه ما زال تفجير سوبي رمزًا للألم والصمود في آنٍ واحد والذي يذكّر الصوماليين بأن الحياة أقوى من الدمار، وأن إرادة شعب مقديشو لا تنكسر مهما اشتدت العواصف.
إن تفجير سوبي لم يكن مجرد حادث إرهابي؛ كان جرحًا في قلب الأمة، ونداءً للعالم بأن الصومال يحتاج إلى السلام أكثر من أي شيء آخر.
ورغم مرور السنوات، يظل ذلك اليوم شاهدًا على مأساة كبرى، وعلى شجاعة مدينةٍ لم تعرف الاستسلام.