ماذا يُخفي عنّا جيل “GEN Z” الصومالي؟
لم يُخطئ ابن خلدون حين قال إنّ البشرية تُجدّد نفسها مع مرور الزمن. فثورات الشباب من نيبال وسريلانكا ومدغشقر وإندونيسيا وبيرو، وصولًا إلى المغرب، هي أشكال غير متوقعة من هذا التجديد الذي يقوده جيل لم يكن في الحسبان، انتقل بصورة مفاجئة من خطاب سطحي وفارغ إلى خطاب متشبع بالوعي الحقوقي العميق، والرافض لأي خطط الانتظار، ونشعر–لأول مرة– أننا أمام جيل لا نعرفه تمامًا.
فهل يكون الشاب الصومالي هو التالي في سلسلة ثوّار Generation Z، ثوار بلا سابق موعد، خصوصًا أنهم الجيل الأكثر تظلّمًا من فشل الجيل الأكبر. فهل نرى قريبًا قيادة شبابية جديدة تُفكك القواعد القديمة وتُعيد الأمل بحياةٍ كريمة؟
في البداية، فإنّ جيل GEN Z الصومالي، أي المواليد بين عامي( 1996م–2012م)، لن يختلفوا كثيرًا عن أقرانهم في بقية أنحاء العالم، ولن يطول غيابهم عن المشهد العام. فهم جميعًا استثناءٌ ثقافيّ، منسوجون من تقاليد خرجت من الشاشات الصغيرة والكبيرة، يجمعون بين الواقع والخيال، متحرّرون من الماضي، مهووسون بالحاضر، يسعون للسيطرة عليه، يعشقون المواكبة والفورية، وينحازون لثقافتهم الخاصة، وهم الأكثرُ توقًا إلى التغيير وقلب الموازين القديمة.
لكن ردّة فعل هذا الجيل الصومالي قد تختلف عن نظرائه في بلدان أخرى. فهم يفتقرون إلى الإطار العام الذي يوحّدهم في شعورٍ جمعي واحد، مثل المغربي أو النيبالي مثلًا.
ذلك الإطار الذي يخلق ما يسمى ” المواطنة المتصوَّرة”؛ التي تعني أن يشعر الفرد بأنه مواطن في كلٍّ متكامل، يتحرّك ضمن منظومة مشتركة من القيم والسلوكيات، ويجمعه بأبناء جيله تاريخ مشترك أثرت في طفولتهم وفي مراهقتهم وتاريخ عوائلهم.
إذا استثنينا التاريخ والسلوكيات المشتركة، فإن إحساس الشاب الصومالي بـ”الوحدة والمصير المشترك” –الذي يُعدّ أساسًا لأي حركة ثورية– هو إحساسًا مشوَّشًا ومشوَّهًا. وهذا التشوية والتشويش هو مما أفرزته الفلسفة التعليمية غير المتجانسة والانقسامات الاجتماعية التي أدت إلى خلخلة في الوعي الجمعي للشباب الصومالي، الذي يُضعف (بالوقت الحالي )ببروز قاعدة شبابية وطنية موحَّدة تمتلك موقفًا واضحًا من البُنى التقليدية القائمة.
مع ذلك، لا يمكن القول إنّ بوادر الثورة غائبة تمامًا، (فأحاديث المائدة) فكما وصف الشاعر الإنجليزي صامويل تايلر كولريدج ” او ما نُسميها (نحن) نقاشات المقاهي وحوارات مواقع التواصل الاجتماعي هي شكل من اشكال “الثورة الصامتة” التي لا يلتفت إليها أحد، والقادرة على تمهيد للثورة الفعلية، لأنها تخلع عن المتحدّثين شيئًا فشيئًا سلطة الكيانات التقليدية، وتُنشئ وعيًا ثقافيًا وشعورياً مشتركًا، وهو ما يشكّل الشرارة الأولى في طريق أي ثورة حقيقية.
د. فاطمة حوش
11/10/2025