العلماء والدعاة الصوماليون في المهجر مع قلة عددهم وعدتهم يقومون بعمل جبار في توعية المجتمع وتثقيفه وتوجيهه وتعليمه ودعوته من أجل الحفاظ على دينه وأخلاقه وعاداته الإسلامية ، وهم الدرع الحصين والملجأ الحقيقي للجالية بعد الله تعالى .
وقلة عدد العلماء والدعاة المؤهلين للقيام بالدعوة والتعليم وممارسة دور المصلح المحنك المجرب أمر مشاهد وملموس في أرض الواقع ، ولا تخطئ العين البصيرة عندما تَجول بصرها في جنبات وزوايا المراكز والمساجد الصومالية في المهجر،
ولأجل حاجة المجتمع إلى العلماء والدعاء تطفل إلى الساحة الدعوية أدعياءبضاعتهم من العلم الشرعي مزجاة أو معدومةبالمعيار الشرعي ،لا يحجزهم حياء ولا يردعهم وازع ديني ، حتى خلا لهم الجو، فبيضواواصفروا ، وأصبحت المنابر مفتوحة أمامهم ، لأن العلم الشرعي وحده لم يعد شرطا للتصدر بل أصبحت أمور أخري تتقدم عليه ، مستغلين بسبب انصراف أهل الديانة والخلق من العمل في هذا الجو الموبوء ، مما جعل العامة يعتقدون بأن هؤلاء هم العلماء الحقيقيون ، وما عداهم فلا العلم تحصلوا ولا الصدارة تمكنوا حسب الواقع المعاش اليوم .
الساحة الدعوية الصومالية في المهجر هي الساحة الوحيدة التي استبيحتلأنها لا حارس لها ، فدخل فيها من ليسمن أهلها، حتى اختلطت الأوراق وأصبحت العامة لا يستطيعون التفريق ببن العملة الرسمية والمغشوشة ، وبين التبر الحقيقي والملوث ، فترقى الأدعياء إلى مقام العلماء، وتدحرج أهل العلم إلى مصاف العامة ،لأسباب كثيرة لا يمكن سىردها في هذه العجالة .
وهذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الساحة الدعوية الصومالية يفوق بكثير عن الفوضى العلمية التي اشتكى منها العلامة المحدث الألباني رحمه الله تعالى قبل أكثر من أربعين سنة ، ولو عاش إلى زماننا لكان له كلام آخر .
تعقد المساجد والمراكز الصومالية في أرض المهجر مؤتمرات سنوية وملتقيات علمية موسوية ومحاضرات دورية يشارك فيها عدد من العلماء والدعاة الصوماليين في الداخل والخارج فرادى وزرافات،ويساهمون في إثراء الندوات الفقهية والاجتماعية أمام الحضور ، ويتمازحون بينهم في قاعات الطعام ويتبادلون النكت والحكايات عند اللقاءات العابرة ، ويتقاسمون المسكن أو يتجاورون في أغلب الحالات، وعندما تشاهد ضحكاتهم وبياض أسنانهم تشعر بأن المحبة قد ملئت في قلوبهم ، وأن التعاون والتكاتف الموجود بينهم قد وصل إلى منتهاه ، وأن زمن الخلافات والمناكفات قد ولى من دون رجعة .
ولكن الواقع الموجود يقول غير ذلك ويحكي بأن العلاقة البينية بين العلماء والدعاة الصوماليين في القفافي والمهجر وفي بلد الأم ليس على ما يرام ، وأن مأساة حقيقية تختفى وارء هذه الضحكات المصطنعة والكلام المعسول الذي يقال على عتبات أعواد المنابر وفوق منصات المحاضرات والمؤتمرات .
وهذا الخلاف والتشردم الموجود بينهم أمر نسبي لا يجوز إطلاقه وتعميمه ، بل يختلف من بيئة لأخرى ، ومن منطقة وبلد لمثلهما ، ومن جماعة وحركة على مثيلاتها ، ومن شيخ وداعية عن آخر ، ولكنها حقيقة ماثلة أمام كل من يعرف ما يدور خلف الكواليس من تدابر وتقاطع وعدم انسجام لا تستطيع المجاملات المصطنعةاخفاءها بكل يسر وسهولة بل فلتات اللسانوتعبيراته الخافتة والنظرات الغائرة تقول إنالأمر أعقد وأكبر جرحا من أن تداويهأوتعالجه ابتسامات عابرة لا يتجاوز مداها مدة جلوس المسافرعلى مقاعد انتظار الرحلات ( الترانست ).
السعي لإيجاد منصة للحوار بين الدعاة والعلماء الصوماليينأمر ضروري وواجب أخلاقي في الوقت الراهن ، لأن الساحة الدعوية تعاني من فوضى لا خطام لها ، والحوار مفقود حتي بين أبناء الحركة والجماعة الواحدة فضلا عن من لا ينتمي إليها ، ولا يمكن الحديث عن أي شيئ آخر قبل تأسيس منتذى للحوار من أجل الحوار وقبول الجلوس والحديث مع الآخر ، لأن الذين عجزوا عن تبادلوجهات النظر مع من يشتركون في انتماء حركة وتنظيم واحد بل يفضلون اتباعأسلوب الأوامر والقرارات لا يقدرون المناقشة والمحاورة الهادئة .
وأما الحوار من أجل التوافق أو التعاون أوتقريب وجهات النظرأمر سابق لأوانه ولم يحن وقته بعد ، وأن الساحة لم تخط خطوة واحدة إلى النضج ولو بالتفكير ، ولذا الانشغال بهذا النوع من النقاش مضيعة للوقت ، ويدخل تحت ما قيل : من طلب شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه .
والغريب في الأمر بأن الجميع يقر ويعترف بأن العلاقة بين الدعاة ليست على ما يرام وأنها تتراجع إلى الوراء بدل أن تتقدمإلى الأمام ، ولا يجوز أن يستمر الحال إلى ما لا نهاية له ،ولكن الكلام يتوقف عند هذا الحد ، ويحجم كل واحد منهم عن اتباع أقوالهأفعالا ، لعها تجد أذانا صاغية .
وينبغي السعي إلى محاولة فتح قنوات الاتصال ولو عن طريق المجاملة ، من أجل كسر الحاجز النفسي الموجود بين الفضلاء وإزالة سوء التفاهم والأحكام المسبقة التي طالما كانت العقبة التي تحول بين تلاقى الأفكار وتبادل الأراء . ومن العقبات التي تقف أمام تحقيق هذا الهذف النبيل يتمثل في أمرين إثنين:
أولاهما : الحركات الإسلامية الصومالية التي تعتقد بأن مثل هذه الحوارات قد تؤدي إلى فقدان بعض مكتسباتها وحضورها في الساحة ولذا لا تحبذ بمثل هذه الاطروحات .
والثاني : المصالح الشخصية لبعصالدعاة الذين يتوجسون بأن قبول هذا النوع من الحوار قد يكون سببا لفقدان بعض امتيازاتهم .
وأخيرا تعيش الساعة الدعوية الصومالية في الهجر حالة من الانفصام وفقدان التآلف ، وليس من الديانة أن يستمر هذا التهاجر والتباعد والتدابرالذي لا مبرر له بدون البحث عن علاج وبلسم يليق بمقام الدعاة والعلماء ، ولذا يجب على العقلاء البحث عن صيغة مناسبة لتأسيس منصة حوارية بين العلماء والدعاة ، من أجل التوصل إلى أرضية مشتركة تقود إلى التفاهم بينهم ، لتستعيد الدعوة نشاطها وحيويتها ، وليستعيد الدعاة هيبتهم ومكانتهم بين المجتمع .
اللهم اصلح بين علمائنا ودعاتنا .
















