*”دول ام ولايات*”
المادة العلمية الوحيدة التي أطالب ان تكون جزء من المقررات التي أقدمها في الجامعة وايضاً ان تُصور تصورياً مرئياً وتُقدم للمهتمين من الشعب الصومالي *هي مادة (علم الاجتماع)* وتعلقي وطلبي الذي لا يقبل النقاش هو طلباً أنانياً يُشبع شغفاً داخلياً لم يكتمل، فعلم الاجتماع كان الخيار الثاني عند تقديمي للجامعة بعد تخصص علم النفس، وعلم النفس الاجتماعي كان خياري الأول في الدارسات العليا لكن شاءت الاقدار غير ذلك.
وبجانب الظرف الأناني الشخصي والاستمتاع الفكري التي تربطني بهذا العلم، *هناك قناعة داخلية بأن جُل مشكلات المجتمع الصومالي هي مشكلات اجتماعية نفسية بدرجة أولى وليست مشكلات سياسية قانونية اقتصادية كما نعتقد*.
وهذه القناعة هي التي تحولني فعلا إلى طبيب جراح عند تدريسها، وطلابي يتحولون معي إلى فريق طبي مساعد، *أضع بمعيتهم المعضلات الاجتماعية واحدة تلو الأخرى على طاولة التشريح ونبدأ بتفكيكها دون تحيز أو خوف ونحن نستظل بالنظريات العلمية*،وفي إحدى المحاضرات التي تضمنت صخبا ونقاشا حادا هي المحاضرة التي كنا نحاول أن *نجيب على السؤال التالي: هل نحن في ولاية أم في دولة*؟.
وصعوبة الإجابة هي *أن لهذا السؤال إجابة واضحة في الدستور والجيل الأكبر الذي عاصر الحروب يقر بإجابة الدستور ظاهريا ولكنه يمتلك في الخفاء إجابة مختلفة، والجيل الذي أمامي في الجامعة يحاول أن يصوغ إجابة مشوشة*، ليس لها صلة بما هو موجود عند الإجابتين السابقتين.
*فإجابة الدستور هي إجابة أنيقة، تحفظ ماء الوجه ونقنع أنفسنا بأننا تجاوزنا مرحلة الصراع وها نحن نبني وطنا متصالحا، ولكن على أرض الواقع الجيل الأكبر الذي بيده اليوم زمام الأمور يتحرك وفق إجابته الخفية، وهي إجابة مليئة بالخوف والحذر، فكل خطاباته تهديد وتحذير*.
صحيح الجيل الأكبر الذي يحكم الصومال اليوم في المركز أو في الولايات هم من حملة الشهادات العلمية، *لكنهم يحملون أيضا الرواسب الممالك الصومالية التي حكمت يوما، ويحملون أيضا المخالفات التي خالفها المستعمر بتطبيقه لسياسة (فرق تسد) حيث إنه بسياسته الناعمة فرقهم إلى قبائل أعداء، البعض منهم قربهم إليه وجعل لهم سطوة وسلطة مارسوا الاستعلاء على إخوانهم من القبائل الأخرى*، وبعد الاستقلال جلس الجميع على طاولة واحدة وهم يدعون المدنية والتحضر وفهما عميقا في الحقوق *دون مراجعات أخلاقية واعتراف بالأخطاء*.
فتكون النتيجة *أن يحكم الوطن جيلا متقن الشعارات الوطنية لكنه لم يتعاف نفسيا*، وأهم دلالة على عدم أتشافي تبرز في الحاشية التي تحيط بهم، *فهم لا يسورون أنفسهم إلا بأهل ثقتهم التي يضمنون لهم درجة من الأمان النفسي* بغض النظر عن مؤهلات هذه الحاشية، *فيتوري عن المشهد عقل الخبرة* والمنطق، *فندور في دوامة من المسرحيات الهزلية التي تختتم في فصلها الأخير بخروج ولايات على شكل دولة ودولة بعقلية ولاية. وجيل ناشئ صغير لا يعرف لــ أيهما ينتمي*.
*د.فاطمة حوش*
9/7/2025