وداعا يا بونت لاند..كانت أيامك جميلة حقا !!
لقد كانت ولاية صومالية جميلة، كنا نحبها جميعًا، ولكن لكل شيء بداية ونهاية. أيامك باتت معدودة، أحببتُها كما أحب نفسي، ولكن ليس باليد حيلة. لقد سقطت بيدٍ غير أمينة، ودمّرها إنسانٌ واحد بإرادته، ولا يمكن إنقاذها بأي حال من الأحوال. ستبقى باقيةً لأيامٍ وشهورٍ وسنوات، ولكنها كشيخٍ طاعنٍ في السن، ستخسر كل يوم شيئًا جديدًا.
لقد وُلدنا وتربّينا تحت رايتك، ويؤسفني أن أرى أمتي تمرّ بما تمرّ به اليوم، ولكن ما باليد حيلة.
كان شعبها مثل شعب سلطنة عمان، شعبًا يُحب الهدوء ويكره الصراخ، يُفضّل التفاوض بدلًا من التفرّق، شعبًا يحلّ أموره بمنتهى الحضارة والهدوء. والآن، أرى شعبًا لا يُحب سماع الرأي والرأي الآخر، أرى شعبًا يغضب إذا سمع رأيا لا يعجبه ، وقد كان يضرب بهم المثل في الحضارة والحلم وتقبل الآخر. أرى شعبًا تغيّرت طباعه وعاداته، ويمرّ بلحظة تغييرٍ تاريخية.
أرى أبناء البلد يتسوّلون في المساجد، وقد عُرفوا بحب الفخر، وأن يموت أحدهم جوعًا وهو يتظاهر بأنه من أغنى أغنياء البلد. أرى الفقر ينتشر، وأرى عواقب الحصار الاقتصادي الذي فرضته الصومال على الولاية واضحةً وضوح الشمس. ولعلّ ذلك الحصار الاقتصادي لا يختلف كثيرًا عن حصار الغرب لإيران.
أرى هجرة العقول، والسلاطين، والأثرياء من الولاية. أرى العلماء وقد تجرّأ عليهم سفهاء الأمة. أرى أجيالًا شابة تستخفّ بالتعليم والعلم. أرى شبابًا لا أمل أمامهم، لا وظائف ولا طموحات، أراهم يسهرون ولا يُفكّرون.
أرى أمةً تتمزق من الداخل، وأجيالًا حُرمت من فرص المنح الدراسية في الخارج، ومن الالتحاق بالكليات العسكرية في بلدان متطورة، بسبب سياسات الولاية التي تُشبه سياسات كوريا الشمالية.
أرى ولايةً على أبواب الإفلاس، ماديًّا وحضاريًّا. أرى سقوط ولايةٍ بيد قادتها. أرى حكّامًا يهدمون ما بناه أسلافهم.
أرى أن الأمل ليس له وجود، وأرى أن النتيجة حتمية. أرى ما يُعانيه التجار والأثرياء من تضييق الخناق عليهم، ومن يأتي بفكرة أو مشروع يُتحرّش به حتى يتنازل عن بعض حقوقه.
أرى قيادة لا تستمع لأحد، ولا تحترم أحدًا، وتُحب أن تؤمر فتُطاع. أرى قيادة تشجّع مجموعة شبابية تبثّ الفتنة والكراهية بين أهل الولاية وبين سائر أهل الصومال.
أرى الثروات السمكية تُنهب في عز النهار، وأرى الصيد الجائر وقد استباح الساحل من قِبَل كل من هبّ ودبّ.
وأرى الصيد الجائر يشكّل خطرًا وجوديًّا على الكائنات الحيّة في سواحل الصومال، وخصوصًا سواحل بونت لاند؛ لقد استباح البحر كل من هبّ ودبّ.
أرى الموانئ والمطارات وقد صارت بيد غيرنا، وأصبحنا نحن فيها مجرّد عابري سبيل. صرنا غرباء في ديارنا.
أرى المستشفيات تشكو من قلّة الدعم، وتئنّ من غياب الكوادر الطبية والتدريبات والمنح الدراسية التي تُتيح للأطباء فرصًا للتخصص في جامعات مرموقة.
أرى الشباب المهندسين يجلسون في المقاهي، لا يملكون شيئًا، والمشاريع قليلة، ويخشون أن ينسوا ما تعلّموه لغياب الممارسة المهنية.
أرى التجّار يشكون من أعباء الديون، وقلة الزبائن، وتراجع حركة السوق، والضرائب التي أثقلت كاهلهم، وأصابتهم في مقتل.
أرى العشائر تُقرّر، واحدةً تلو الأخرى، الابتعاد تمامًا عن الولاية ونظامها، حتى تختار بنفسها من يُمثّلها في مجالس الحكومة والبرلمان على مستوى الصومال.
أرى شباب الولاية وقد أصبحوا أكثر من يُهاجر، ويُغامر بنفسه، ويموت في الصحراء الكبرى أو في البحار قبل أن يصل إلى أوروبا.
أرى المغتربين وقد توقّفوا نسبيًّا عن زيارة الولاية والأهل، لأن ظروف الناس صعبة، وحاجاتهم كثيرة. لم يعودوا يزورون البلاد مع أبنائهم، فقد ظهرت في الولاية أجيال تأثرت بعالم TikTok؛ كانوا يأتون أولًا ليتعلّم أبناؤهم اللغة والعادات، والآن يخشون أن يتعلّموا القبلية، والطعن، واللعن، والسهر.
رأينا الحزن في عيون الناس، لأن فواتير الكهرباء والماء، ورسوم الدراسة، أصبحت لا تُطاق.
رأينا البدو في حالٍ يُرثى لها، يأتي إليهم أناس من المدينة ضاقت بهم الحياة، ويطلبون منهم أن يعطوهم شاة أو شاتين لتسديد ديونٍ متراكمة.
رأينا الشركات تنقل أموالها إلى زامبيا، وأدغال أفريقيا، وأسواق القارة السمراء، بحثًا عن لقمة العيش والربح المعقول.
رأينا المشاريع وقد تعطّلت تقريبًا، وخسر الآلاف وظائفهم، فهاجروا البلاد. ولهذا، فقدت أسرٌ كثيرة دعمًا ماليًّا كان متوفرًا لهم بسهولة في يومٍ من الأيام.
رأينا عدد السكان يتضاءل، فقد بدأ أبناء الأقاليم الأخرى في العودة إلى مدنهم، وقد كانوا يشكّلون اليد العاملة في البلاد وأصحاب المشاريع الصغيرة.
















