عند متابعة التحولات في سوريا، وخاصة التطور الذي شهده أحمد الشرع وجبهة النصرة، لا يسعني إلا أن أستذكر عام 2009، حين وقف شيخ شريف شيخ أحمد، القائد السابق ل-“اتحاد المحاكم الإسلامية”في الصومال ، ذلك المشهد الذي لم يكن متخيَّلًا قبل ذلك بسنوات، يصافح وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون مرتديًا بدلة رسمية، بدلًا من زيه التقليدي.
تلك اللحظة لم تكن مجرد تغيير في المظهر، بل إعلانًا صامتًا عن تحول سياسي واستراتيجي عميق. انتقل شيخ شريف من ساحات القتال إلى أروقة السلطة، ليصبح الرئيس السابع للصومال، في مرحلة حرجة من محاولات إعادة بناء الدولة بعد سنوات من الفوضى. ومع مرور الوقت، انضم العديد من قادة الجماعات المتشددة إلى الدولة، حيث تولوا مناصب وزارية وقيادية، ما جعل الصومال نموذجًا مبكرًا لتحوّل الإسلاميين المسلحين إلى سياسيين.
التحولات السياسية في الدول العربية: نمط متكرر
شهدت العديد من الدول العربية خلال العقود الأربعة الماضية تغييرات سياسية متشابهة، حيث سقطت الأنظمة العسكرية ليحل محلها فراغ سياسي أعقبته صراعات داخلية، ثم صعود الحركات الإسلامية المتشددة، قبل أن تتدخل القوى الدولية لإعادة فرض النظام.
المراحل المتكررة في الدول العربية:
1. انهيار الأنظمة العسكرية:
مع تفكك الاتحاد السوفيتي، بدأت الشعوب العربية في التمرد على حكامها المستبدين. وكانت الصومال من أوائل الدول التي شهدت سقوط نظامها العسكري عام 1991، تلاها العراق في 2003، ثم موجة “الربيع العربي” التي أطاحت بأنظمة مصر، اليمن، سوريا، ليبيا، تونس، وأخيرًا السودان.
2. الفوضى والصراعات المسلحة:
لم تؤدِ الثورات أو “الربيعات” إلى استقرار سريع، بل إلى صراعات مسلحة بين الفصائل المختلفة، كما حدث في اليمن وليبيا والصومال والسودان، حيث تحولت الدول إلى ساحات حرب أهلية ممتدة لعقد أو أكثر.
3. صعود الحركات الإرهابية:
في ظل غياب الدولة، وجدت الجماعات المتشددة بيئة مناسبة للنمو، كما حدث مع القاعدة وداعش في عدة دول عربية.
4. التدخل الدولي وإعادة فرض النظام:
تدخلت القوى الدولية بطرق مختلفة، إما بالقضاء على الجماعات الإرهابية كما حدث في العراق، أو عبر احتوائها وإشراكها في العملية السياسية كما جرى في الصومال وسوريا والبقية في الطريق.
الصومال.. نموذج مبكر لاحتواء الإسلاميين
مرت الصومال بمسار مشابه لما شهدته الدول العربية الأخرى، لكن بفارق زمني:
• 1991: سقوط النظام العسكري
أطاحت الثورة بنظام سياد بري، لكن البلاد دخلت في صراع بين الفصائل المسلحة، مما أدى إلى عقد من الفوضى.
• بداية الألفية: صعود الجماعات الإسلامية
مع غياب الدولة، تمكنت الميليشيات الإسلامية، بقيادة اتحاد المحاكم الإسلامية، من السيطرة على مقديشو وأجزاء واسعة من وسط وجنوب البلاد.
• التدخل الدولي وإعادة ترتيب المشهد
واجه العالم هذه الجماعات بتدخل عسكري مباشر، لكن الحل لم يكن أمنيًا فقط، بل شمل أيضًا استراتيجية احتواء بعض القادة الإسلاميين وتحويلهم إلى فاعلين سياسيين، كما حدث عام 2009 عندما أصبح رئيس اتحاد المحاكم الإسلامية شيخ شريف رئيسًا للصومال.
• دمج الإسلاميين المعتدلين في الدولة
منذ 2009، أصبح الإسلاميون المعتدلون جزءًا من الدولة، حيث تولى قادة سابقون من الجماعات الإسلامية مناصب قيادية، مثل أحمد مدوبي، رئيس ولاية جوبالاند، ومختار روبو، وزير الأوقاف في الحكومة الفيدرالية الى جانب قيادات أخرى تولت مناصب رفيعة في الدولة وخاصة أجهزة الأمن
استنساخ التجربة السورية في الصومال!
هناك من يرى أن احتواء بعض الفصائل الإسلامية في سوريا قد يشكل نموذجًا جديدًا في المنطقة، لكن الصومال سبقت الجميع في هذا المسار. تجربة احتواء الإسلاميين وتحويلهم إلى سياسيين بدأت في 2009 مع شيخ شريف، الذي يمكن اعتباره النسخة الصومالية من أحمد الشرع.
لذلك، لمن يتساءل عن إمكانية تكرار السيناريو السوري في الصومال، نقول: لقد سبقكم الصومال إلى هذه التجربة، وكانت النتيجة واضحة: إسلاميون معتدلون داخل الدولة، ونظام سياسي يسعى للتوازن بين المصالح المحلية والدولية. وبناء على ذلك فإن الصومال استوفي هذه المرحلة عندما أصبح آخر المعتدلين وهو الشيخ شريف ، ولم يبق في الجماعات الإرهابية من هو أهل للاحتواء ما يجعل خيار الحرب الحل الأمثل للقضاء على هذه
الجماعات.
بقلم: الكاتب والاعلامي الصومالي علي نور صلاد