من فشل الدولة إلى أمواج الموت: من المسؤول عن ظاهرة التهريب في الصومال؟
تُعدّ “الهجرة غير الشرعية”، المعروفة في السياق الصومالي بمصطلح “التهريب” (Tahriib)، من أخطر الظواهر الاجتماعية التي ابتُلي بها المجتمع الصومالي منذ انهيار الدولة المركزية عام 1991. فقد دفعت الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية المتدهورة آلاف الشباب إلى خوض مغامرات محفوفة بالمخاطر، هربًا من واقع أليم أفرزته الفوضى السياسية، وتطلعًا إلى مستقبل أفضل.
في هذه المقالة، نسلّط الضوء على أبعاد هذه الظاهرة، ونستعرض أسبابها العميقة، وآثارها الفردية والمجتمعية، مع الوقوف على جذورها الفكرية والسياسية في ضوء المبادئ العامة للشريعة الإسلامية.
يمكن تعريف “التهريب” بأنه: “خروج غير مشروع للمواطن الصومالي من وطنه، سواء بإرادته أو تحت ضغط الضرورة، مدفوعًا بانعدام الاستقرار السياسي والأمني، وما ترتب عليه من انهيار اقتصادي وضيق في سبل العيش”؛ فيغامر هذا المواطن بحياته وماله وكرامته، طلبًا لحياة كريمة وفرص عمل أو تعليم لم يجدها في بلده الأم.
ورغم أن “التهريب” يمثل تهديدًا صريحًا لمقاصد الشريعة الخمسة (الدين، النفس، المال، العرض، والعقل)، فإن فئة الشباب – بحكم واقعهم المؤلم – هم الأكثر عرضة للوقوع في شباك عصابات تهريب البشر، المعروفة محليًا بـ”Magafayaal”، حيث يُستدرجون إلى رحلات شديدة الخطورة، تبدأ بإمكانية فقدان الحياة، وتصل إلى النهب، والاختطاف، والتعذيب، ولا تنتهي عند حدود التفكك الأسري، أو الصدمات النفسية والاجتماعية الناتجة عن الانتهاكات، والتشرد، والانفصال القسري عن الأسرة والوطن.
وقد تصاعدت هذه الظاهرة بشكل لافت عقب انهيار الدولة الصومالية، وبلغت ذروتها مع اشتداد الحروب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، ثم ما لبثت أن تفاقمت مع كل موجة اضطراب سياسي، أو تردٍّ أمني، أو استفحالٍ للفساد والمحسوبية داخل مؤسسات الدولة.
ومن الواضح أن هذه الكارثة لن تجد طريقها إلى الحل ما لم يُعالج الخلل العميق في البنية الفكرية والسياسية للدولة؛ إذ أُفرغت الوظيفة العامة من مضمونها الشرعي والوطني، وأُعيد تعريفها كوسيلة للكسب السريع وخدمة المصالح الفردية أو الحزبية أو القبلية.
فالتهريب لا يمكن اختزاله في عبور غير قانوني للحدود، بل هو عرض مرضي لخلل بنيوي عميق، وانعكاس لفشل مزمن في المنظومات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فالاضطراب، والفساد، وانهيار القيم الدينية والوطنية، تمثل أبرز العوامل التي تدفع الشباب إلى ما يمكن وصفه بـ”الانتحار البطيء”، في رحلة أُطلق عليها زورًا اسم “الهروب إلى الحياة”.
ولن يكون من الممكن مواجهة هذه الكارثة ما لم يتحقق إصلاح سياسي جذري يعيد تعريف الوظيفة العامة باعتبارها مسؤولية شرعية ووطنية، ويوفر للشباب حياة كريمة داخل وطنهم، ويستعيد ثقتهم بمستقبل لا تحكمه قوارب الموت، ولا يُختم بقبرٍ بلا اسم وراء الحدود.
بقلم: علي أحمد محمد (المقدشي)

















