إن احتفال حكومة إقليم الصومال الإثيوبي (DDS) بمرور 25 عامًا على تأسيس قوات الميليشيات المحلية، وما رافقه من خطاب سياسي قوي يؤكد دعمها وتعزيز قدراتها، ليس مجرد مناسبة رمزية، بل يعكس تحولات استراتيجية عميقة في بنية الأمن المحلي ومفهوم الحوكمة في الإقليم.
ويلقي هذا التحليل العميق على المحاور التالية:-
أولا:- من ميليشيا محلية إلى مؤسسة أمنية وطنية؟
وُلدت هذه القوات تاريخيا من رحم الحاجة المحلية لحماية سكان الاقليم الصومالي في المناطق الحدودية المتصلة بجمهورية الصومالالفيدرالية، وفي ظل غياب الدولة المركزية فيها، وتراجع حضور الأجهزة الأمنية الفيدرالية الإثيوبية لأسباب معتبرة مرتبطة بالنظام الفيدرالي،ومع مرور الزمن، تحوّلت القوات إلى كيان أمني منظّم، له هيكل واضح، زقيادة مركزية، ونظام تدريبي وتسليحي متكامل.
هذا التطور الاستراتيجي في الاقليم يعكس تحولًا من النموذج التقليدي للميليشيات العشائرية إلى قوة تُشبه في بنيتها قوات النظام، أو الحرس الوطني في دول أخرى.
ثانيا:- البُعد السياسي في دعم القوات.
حديث رئيس الإقليم السيد مصطفى محمد عمر عن “رفع الكفاءة والتجهيزات” للقوات لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع داخل إثيوبيا، حيث تتنامى النزعات الفيدرالية، ويزداد التوتر بين المركز والأقاليم،وبالتالي فإن دعم مثل هذه القوات قد يُفسَّر على أنه:
1- وسيلة لفرض السيادة على الإقليم داخليًا،وضبط الأمن
2- ورقة ضغط في معادلة التوازن الأمني والسياسي مع الأقاليم الإثيوبية المجاورة للاقليم الصومالي
3-أداة لمواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود مثل حركة الشباب،وتنظيم داعش، أو عصابات التهريب.
ثالثا: دور هذه القوات في محاربة الجريمة والنشاطات غير القانونية
وتشير التصريحات الرسمية إلى أن هذه القوات تلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة تهريب السلاح،والمخدرات،وتهريب البشر، وهي تهديدات منتشرة على الحدود الصومالية-الإثيوبية.
وبالتالي فان وجود قوة محلية ذات دراية جغرافية وثقافية بالمناطق الريفية،والحدودية يُعد عنصرًا فعالًا في مواجهة هذه التحديات، بخلاف الاعتماد فقط على الجيش الفيدرالي أو الشرطة المركزية.
رابعا:- رمزية الاحتفال… ورسائل خارجية وداخلية
1-داخليًا: هذا الحدث يعزز الهوية الوطنية المحلية ويزرع الفخر في نفوس الجنود والشعب. كما أنه رسالة دعم معنوي وتحفيز.
2- خارجيًا: الرسالة موجهة أيضًا لجيران الإقليم، سواء في الصومال أو كينيا أو حتى الأقاليم الإثيوبية الفيدرالية المجاورة حيث ان للإقليم ذراعًا أمنية فاعلة قادرة على حماية حدوده واستقراره.
خلاصة تحليلية
قوات الميليشيات المحلية في إقليم DDS لم تعد مجرد تشكيل تقليدي، بل أصبحت أداة أمنية استراتيجية في يد حكومة الإقليم.
و التحدي القادم هو تحقيق التوازن بين الفعالية الأمنية والشرعية المؤسسية، بما يضمن عدم تحوّلها إلى سلطة تعمل خارج الشرعية، بل يجب ان تكون جزءًا متكاملًا من منظومة الدولة الحديثة.