من ذكريات الماضي وأيام الطفولة…… الجزء الأول
سيأتي يوم تنظر فيه إلى عمرك، فإذا بك وقد مضى وانقضى معظم عمرك، وذهب شبابك، وتتذكر أصدقاءك وقد تفرّقوا في أرض الله الواسعة، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر. ثم يمر بطيفك ذكريات كثيرة، تتذكر مسقط رأسك، وصباك، وطفولتك، وبراءتها، وعن جنون الشباب وطيش الفتوة، والكرة والأصدقاء، ورفاق القلم والتعليم، والمدرسين وقصص المشاغبين، ونكتةً ظريفة قالها أحدهم، ونصيحةً سمعتها من مدرس مخلص متفانٍ في عمله، ونصائح الأهل، وتضحيات الأقارب، وأحضان العائلة، والحب اللامشروط، وعن حبك الأول، والنظرة الأولى في الحب، ومغازلة الشباب لصبايا الحارة، ومعركة كسب قلب الحسناء، وحياء البنات في ذاك الزمن الغابر، وعن وضع الفتاة يدها وكتبها فوق صدرها حين تمشي خجلاً وحياءً.
تتذكر الزمن الجميل، ليالي المطر، الأدوات الجميلة في العصر الغابر مثل الساعة اليدوية والراديو، وموسيقى BBC القسم الصومالي، وصوت نجوم البي بي سي، الأسماء الكبار، وعمالقة الصحافة، وبرامج الأطفال يوم الجمعة، ومسابقات المدارس، والراديو، والقلوب الصافية، والمحبة بين الجيران، والأعراس التي كانت تقام في البيوت، والأعراس التي حضرتها، والأولاد الذين أنجبهم أولئك الذين تزوجوا حينها، إنهم رجال ونساء الآن، وروح العمل، والتضامن بين المدرسين، وتضحية المدرس، والتفاني في العمل، والبركة في الراتب، وعن البدو، والمزارع، وأحواض السباحة الطبيعية.
وتتذكر بمحبة عالم الكتب، الكتب المطبوعة والمجلات، وحضور حلقات العلم، والمقاهي الكبرى في المدينة، والطرق الرئيسية، والمراكز الهامة حينها في المدينة، ومحلات التصوير، وطرق التقاط الصور، والصورة “Black and White”، والعطلات والأسفار، والشيوخ، والندوات، والفتاوى، والخلافات بين طلبة العلم من الجماعات الإسلامية.
وتتأمل في ذكرياتك حول الروح الوطنية التي كانت في نفوس الشباب، وحلم الصومالي بعودة الدولة، والحروب وأخبارها هنا وهناك، والثياب، والمعارض الجديدة، والأعياد والمناسبات، واللوح، والحبر، والورق، والقلم، والقمر، والمصباح، والسراج، وظهور التلفون، والتلغراف “Taarka”، والمحلات التي كنا نسميها “Branches”، ووصول الهواتف إلى الأمة، وألعاب الثعبان في هاتف “Nokia”، و”الـMemory”، وكتب الحب، وقصائد العشق، وكتاب “كيف تتعلم العربية بدون معلم”، و”أهم كلمات من اللغة الإنجليزية”، ومطبعة عبد الواحد في مقديشو، وصوت المفسر عمر الفاروق، والشيخ محمد رشاد، والشيخ “Boqol-soon”، والورد الذي كان يقرأه الصوفية في المساجد بعد صلاة الفجر.
وتتذكر بكل حب ومحبة الخياط، وملابس “Eestaro”، والحذاء “Jambal”، وثوب الكبار “Fotoshaari”، والمسدس، وهواتف الأطفال، والحلوى، وتوزيع الحلوى و”Daango” في مساء الجمعة، وقصص الجدات، وحلم الطفولة، وقصص الأم، ونصائح الأب، ونقود الجدة، وهدايا الجد، وزيارات الأهل، وتجولك في يوم العيد في بيوت الأهل.
وتتذكر أيضًا التلفاز وقصة قدومه إلى البيوت، وذكريات صدام والفلوجة، واللاعب الذي قيل بأنه قتل أخاه، ووصايا كبار السن: “لا تشر بإصبعك نحو الغيوم”، والخباز، والخبز الإضافي المجاني الذي كان يقدم لنا بكل محبة “Suubiska”، والذهاب والإياب “Jarmaado iyo caraabo”، وعملية بيع الحليب “Caano-teelka”.
وتتذكر أيضًا ثمن الحليب في أيام الخير، والأطعمة الطبيعية العضوية، والشلن الصومالي الذي كان عملةً ذات قيمة في الأسواق، وفئة 500 شلن، والصرافين، وبائعي الشراب، والمتجولين الذين يبيعون اللوز، وحمل المرآة في الجيوب، والملابس الكبيرة الفضفاضة، وجلوس الكبار حول المسجد، ومنع الأطفال من الصلاة في الصف الأول، وأشهر الناس في ذاك الزمان وهو المعلم، وما كان له من احترام بين الناس، واحترام المجتمع لطالب العلم، وألقاب المعلم مثل “Awga”، والتكية “Mawlaca”، واحترام الطالب أثناء مروره في الطريق، وتوقف السيارات حتى يعبر الطلبة، وزيارة الأهل للأهل قبل عصر التكنولوجيا، ومراعاة الوقت.
وتتذكر أيضًا عادة سفر شخص من الأهل من بعيد “Socdaal” للاطمئنان على أخ أو صديق أو ابنة أو ابن أو حفيد، وعن الكرم الحاتمي، وكون الكرم فضيلةً قبل أن يصبح الجبن وسيلةً من أجل الثراء، وعن جلوس المتخاصمين للنقاش، وروح التنازل، وعدم الفجور في الخصومة، وخوف الناس من الحلف باسم الله تعظيمًا وتقديسًا، وخوفهم من شهادة الزور.
وتتذكر أيضًا المعارك بين أولاد الحارة “Kalareebta iyo sabaaxadda”، و”afargoolayda”، ومطاردة الثعالب، ومحاربة القرود، وذهابك إلى المدرسة قبل رؤية خيوط الشمس، ووقوف المدرس أمام المدرسة، وقراءة الطالب للأدعية التي تعلمها على يد هذا المعلم: “اللهم اكفنيهم بما شئت”، و”حسبي الله ونعم الوكيل”، و”بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”، والمثل المشهور: “العصا لمن عصى”.
وتتذكر هيبة المعلم في نفوس الناشئة والصغار، والاختفاء حين يمر المعلم بالطريق أو قرب الملعب حتى في يوم الجمعة، ومحاسبة المعلم لكل من يلعب كرة القدم، أو يتجول في السوق دون سبب، وكون المدرسة سجنًا حيث كان المعلم يحبس فيها الطلبة الذين لا يحفظون الدرس جيدًا، ويمنعهم من الذهاب إلى البيوت لأكل الفطور “Bareega” أو “Biririfta”، وتخريب الأولاد للقفل في المدرسة، وجهاز المخابرات في الفصل، والطلبة الجواسيس، والعقليات المدبرة لعمليات الشغب، ورائد الفصل الذي كنا نسميه “كبير”، والصداقة، وثقافة “Tabalcaaro”.
وتتذكر أيضًا أولاد الحارة، وفترة الشباب، وتعلم الغزل، ووجود شيء اسمه الحب، وكتابة رسائل الحب، وكتابة الرسائل في هاتف “Nokia”، والسهر ليلاً في الدردشة باستخدام “Tooshle” أو “Niicle” حاليًا، وعصر نوكيا، الهاتف المحترم الذي لم يفضح شخصًا.
وتتذكر أيضًا الاهتمام والحماس للتعلم والتعليم، والقراءة في المساجد، والقلب الكبير للمدرس، وطابور المدرسة، ونشاطات الطلبة، وأصحاب الصوت الجميل، وحفظ قصائد العرب، وحضور حلقات النحو.
وتتذكر، يا عزيزي، طبخات الأم، ورائحة المطبخ، والولائم، والسيارات التي تمر في الشارع في منتصف الليل وصوتها الذي يصل إلى مسامعك، وعدم نوم الأطفال في صباح الجمعة، والنوم المفاجئ في صباح يوم السبت، وذهابك للكرة صباحًا ومساءً بعد خلعك الزي المدرسي في عتبة الباب، بل وتخلع القميص قبل وصولك البيت بأمتار كثيرة.
وتتذكر النوم في الليل في وقت مبكر، وخلود الجميع للراحة بعد الاستماع إلى نشرة الأخبار من BBC، وقصة الكائنات الشريرة “Qorismariska” و”Juudaanka” في ليالي البرد والشتاء، والندى فوق الأوراق والزهور في الصباح الباكر، والماء الذي يتقطر من سقف البيت ويصنع خطًا مستقيمًا على فناء البيت الإسمنتي، والضباب في موسم الشتاء، والدخان الذي ينبعث من الفم.
وتتذكر أيضًا قول الأمهات: “بعد المغرب يتجول الشياطين ويبقى الأولاد في البيوت”، والمصابيح التي كانت تضيء المسجد صباحًا قبل عصر الكهرباء، واحترام الأخ الكبير وكل من هو أكبر منك عمرًا، وقيامك من الكرسي ليجلس عليه، وسماع كلمته، وألعاب “Cub iyo cir”، وألعاب “Jarakabood / Laandhuu / Tuug iyo laadar / giraagin la baaciyo / Taraqa / dhuudhuumashaalay”.
وتتذكر أيضًا الكرة “Four” و”Five”، و”Play Station”، و”Shaneemada”، وأبطال الأفلام الهندية، والأفلام، ومسلسلات رمضان مثل “الصحابة”، والشخصيات المهمة مثل عمر المختار، وعنترة بن شداد.
وتتذكر انتشار الأناشيد الإسلامية في تلك السنوات، مثل “Aaboow badaa galayaa”، والألغاز وحلها، والأطباء، والغرفة العجيبة التي كانوا يجلسون فيها، وتمثيل الطفل بأنه مريض حتى لا يذهب إلى المدرسة، والفرحة بعدم الذهاب بسبب مرض المعلم، أو الأمطار، أو لأي سبب طارئ آخر.
وتتذكر قراءة وجه المدرس كل صباح، وتغير مزاجه بين يوم وآخر، وقول الأهل: “لي العظم، ولك اللحم والشحم”.
وتتذكر أيضًا “Dareeriska” و”Subciska”، ونظرة الأمهات لعيوننا لمعرفة إن كنا قد ذهبنا للسباحة أم لا.
وتتذكر الولائم، وتضامن الجيران، وتجمع الشباب في المجالس، والسينما، والزواج، والخيول التي كانت ترافق موكب العروس والعريس “Galbiska”، ورقصة البنات والسيدات في الأمسيات في أيام الزفاف، ومعرفة حفلة العرس بكثرة التصفيق وصوت الطبل الذي لا يتوقف، ويأتي من أحد البيوت في الحي، والحلوى التي كانت توزع هناك، والبسكويت الصومالي، وبسكويت “أبو ولد” الأصلي من اليمن السعيد، والشراب، والعلكة، و”Saloolka”.
وأما نشرة الأخبار في الصباح الباكر، فقد كانت تأتي من ثلاثة مصادر مهمة:
الرجال يسمعون الأخبار بعد صلاة الفجر، وذلك حين يجتمعون خارج المسجد،
والنساء يسمعن الأخبار حين يجتمعن عند السيدة التي تبيع اللحم، يتبادلن الأخبار أثناء ذبح السيدة للماشية ونزع الجلد منها، وتقطيع شرائح اللحم وأعضائه، بعض السيدات يجلسن على أحجار هناك، وبعضهن يقفن، والجميع يسمع أخبار العالم في السابعة صباحًا من BBC.
















