استحالة استلام حركة الشباب للسلطة في الصومال: قراءة في المعوقات البنيوية والسياسية والاستراتيجية
مقدمة
منذ أكثر من عقدين، تواصل حركة الشباب المتطرفة نشاطها العسكري العنيف ضد الدولة الصومالية وحلفائها الإقليميين والدوليين. ورغم ما أحرزته من نفوذ في بعض المناطق الريفية واختراقات أمنية في أطراف العاصمة مقديشو أحيانا، إلا أن فرضية قدرتها على استلام الحكم في الصومال تظل مستبعدة تمامًا. تهدف هذه الورقة إلى تحليل العوامل البنيوية والسياسية والإقليمية التي تجعل من استلام حركة الشباب للسلطة أمرًا غير ممكن في السياق الصومالي الحالي.
أولًا: الارتباط الأيديولوجي بتنظيم القاعدة.
لا تزال حركة الشباب ترتبط أيديولوجيًا وتنظيميًا بتنظيم القاعدة العالمي، وقد جددت ولاءها لزعيم التنظيم الحالي. هذا الانتماء يجعلها جزءًا من شبكة جهادية مصنفة دوليًا على أنها منظمة إرهابية. وعلى عكس نماذج أخرى (مثل هيئة تحرير الشام في سوريا بقيادة الجولاني)، لم تحاول الحركة إعادة تموضعها سياسيًا أو تقديم نفسها كفاعل محلي مستقل، مما يعزز من عزلتها الدولية ويقوض أي فرصة للحصول على شرعية داخلية أو خارجية.
ثانيًا: رفض النظام الدولي والنظرة العدائية للعالم.
تعادي الحركة النظام الدولي ومؤسساته، وترفض ميثاق الأمم المتحدة، ولا تؤمن بالعلاقات الدبلوماسية أو القانون الدولي الذي ينظم علاقات الدول. هذا الموقف لا يجعلها فقط غير مؤهلة للحكم، بل أيضًا يمثل تهديدًا مباشرًا لأي توازن إقليمي أو دولي، ما يعزز الاصطفاف الدولي ضدها، ويحول دون أي اعتراف بها حتى لو سيطرت ميدانيًا على العاصمة.
ثالثًا: العنف كمبدأ لا كوسيلة
تؤمن الحركة بالعنف المسلح كطريق دائم وليس كمرحلة انتقالية أو وسيلة ضغط. وهذا يُلغي تمامًا إمكانية تحوّلها إلى حركة سياسية براغماتية يمكن أن تدخل في مفاوضات أو تشارك في العملية السياسية. ويختلف هذا عن تجارب حركات متمردة تحولت إلى حركات سياسية، كحركة طالبان، التي استخدمت التفاوض وغطاء زمني طويل لتطبيع حضورها.
رابعًا: غياب المشروع الوطني الصومالي.
لا تعترف الحركة بحدود الدولة الصومالية، بل تؤمن بمشروع أممي إسلامي جهادي، وتشكل جزءًا من منظومة تتخطى الجغرافيا الصومالية لتصل إلى كينيا،وإثيوبيا، وتنزانيا،وأوغندا. وبالتالي، فهي لا تمثل خيارًا وطنيًا جامعًا، بل مشروعًا عابرًا للدول يناقض الهوية القومية الصومالية ويهدد وحدة الدولة.
خامسًا: عدم قابلية المقارنة مع تجربة طالبان.
رغم ما يشاع عن تشابه بين حركة الشباب وطالبان، إلا أن الفروقات جوهرية:-
1-طالبان خاضت مفاوضات طويلة مع أمريكا والقوى الإقليمية.
2-طالبان اعتمدت على قاعدة قومية (البشتون)، بينما تفتقر حركة الشباب إلى قاعدة شعبية قومية حقيقية في الصومال.
3-طالبان امتلكت خطابًا مرنًا في نهاية المطاف، بينما ظل خطاب حركة الشباب متصلبًا ومتطرفًا. 4- طالبان تؤمن بحدود دولة أفغانستان،كما لم تكن تشكل تهديدا لامن العالم.
سادسًا: التهديد للمصالح الإقليمية والدولية.
حيث تشكل الحركة تهديدًا مباشرًا لممرات التجارة الدولية، خصوصًا في البحر الأحمر وخليج عدن، كما تهدد مصالح الدول الغربية والإقليمية مثل إثيوبيا وكينيا. وتبعًا لذلك، تحظى الحرب ضدها بدعم دولي متواصل، يمنع أي سيناريو لاستلامها الحكم دون تدخل حاسم.
سابعًا: التحالفات المشبوهة مع محور طهران – الحوثيين
رصدت تقارير استخبارية مؤخرًا اتصالات بين الحركة والحوثيين في اليمن، ضمن ما يبدو أنه تقاطع مصالح ضد الولايات المتحدة وحلفائها. ورغم الاختلاف العقائدي الجذري (سني/شيعي)، إلا أن هذه العلاقة تضيف إلى سجل الحركة في العمل ضمن محاور إقليمية منبوذة دوليًا، مما يعمّق من عزلتها السياسية.
ثامنًا: تطور الدولة الصومالية وعلاقاتها الدولية.
ويمر الصومال اليوم بمرحلة جديدة من إعادة بناء الدولة:-،
1-شراكات أمنية وعسكرية قوية مع تركيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي.
2-تقوية مؤسسات الدولة وتحديث القوات الأمنية.
3-دعم تنموي واقتصادي متنامٍ.
4-تنسيق إقليمي في مكافحة الإرهاب.
كل ذلك يجعل من الصعب على أي فاعل مسلح مثل حركة الشباب أن يجد بيئة حاضنة أو مساحة للحكم.
خاتمة
لا تملك حركة الشباب أي مقومات واقعية أو سياسية أو استراتيجية تمكنها من استلام السلطة في الصومال. فارتباطها بتنظيم القاعدة، وتبنيها للعنف كعقيدة، ورفضها للنظام الدولي، وتمددها العابر للحدود، يجعلها حركة معزولة وغير شرعية محليًا ودوليًا. ومع تطور أداء الدولة الصومالية وشراكاتها الإقليمية والدولية، تتضاءل فرص الحركة أكثر فأكثر، وتتحول إلى تهديد أمني يُستوجب القضاء عليه لا التفاوض معه.
عبدالرحمن سهل يوسف















