جيجيغا بين الأمس واليوم: من عهد الانهيار إلى دروب النهضة.
في مثل هذا اليوم من عام 2018، كانت مدينة جيجيغا، عاصمة الإقليم الصومالي في إثيوبيا، تغرق في مشهد من الفوضى والخراب والدمار. وكان الرابع من أغسطس بداية مرحلة مفصلية في تاريخ المدينة، حيث سقطت الأقنعة، وظهرت على السطح تركة ثقيلة من الفساد والانحلال، ورثها الإقليم من فلول النظام السابق المتحالفة مع جبهة تحرير تجراي (TPLF).
وكانت الشوارع تعج بالرعب، والمحلات تُنهب، والأهالي يفرّون من بيوتهم خوفًا من القتل أو الاعتقال حيث كانت المدينة أشبه بساحة حرب، لكن بلا خصم واضح، فالعنف كان بلا هدف سوى إذلال الإنسان وتدمير ما تبقى من كرامته.
الإرث الثقيل: فساد، قمع، وانهيار!
طوال عقود، عانت جيجيغا من حكم فئة مستبدة كانت تسيطر على مفاصل الحكم والاقتصاد باسم “التنمية”، بينما كانت في الواقع أدوات للنهب والفساد. وكان الفقر مُعششًا، والبنى التحتية في حالة يرثى لها، والأخلاق العامة متهالكة.
ويتذكر الأهالي كيف كانت الرذيلة تُروَّج، والمخدرات متاحة، والتعليم متخلف، والعدالة غائبة.
أما التنمية فكانت مجرد شعارات تُقال على المنصات، في وقت كان فيه المسؤولون يعيشون حياة من الترف على حساب عامة الناس.
التحول التاريخي بعد 2018
ومنذ التغيير السياسي الذي شهده الإقليم في أغسطس 2018، بدأت مرحلة جديدة كليًا في حياة المدينة وسكانها حيث عادت الحياة إلى الشوارع، وبدأت المشاريع التنموية تشق طريقها إلى كل حي وشارع.
واليوم، وبعد سبع سنوات فقط، تبدو جيجيغا مدينة مختلفة تمامًا.
ووفق البيانات المتوفرة، تجاوز طول الطرق المعبّدة داخل المدينة 50 كيلومترًا، مقارنة بثلاثة طرق فقط كانت موجودة قبل 2018:-
1. الطريق الرئيسي من هرر إلى غودي – أنشأته الحكومة الفدرالية، وتم توسيعه لاحقًا.
2. الطريق من السوق القديم إلى مستشفى كَارَامَرْطا– أيضًا من إنجاز الحكومة الفدرالية.
3. الطريق من القصر الرئاسي السابق إلى ساحة سيّدكا – شُيد في عهد عبدي محمود المعروف “بإلي”.
أما اليوم، فإن شبكة الطرق تنمو بشكل متسارع، ما يؤكد حجم الاستثمار الفعلي في البنية التحتية، خلافًا للشعارات السابقة.
طفرة في التعليم: الجامعات نموذجًا
ولم تكن البنية التحتية وحدها محور التغيير، بل كان التعليم العالي واحدًا من أبرز القطاعات التي شهدت نقلة نوعية:-
1- جامعة جيجيغا وجامعة قَبْرِدَحَر تم بناؤهما بدعم من الحكومة الفدرالية.
2- جامعة قَبْرِدَهر، التي كانت في بدايات التغيير تعاني من ضعف في الإدارة والبنية التحتية، أصبحت اليوم واحدة من أبرز المؤسسات الأكاديمية في البلاد، وتتصدر الترتيب الوطني في التقدم المؤسسي.
غودي، قَبْرِدَهر، ودهغاحبور: مدن تتنفس التنمية
التحول لم يكن مقتصرًا على العاصمة، فمدن مثل غودي، التي كانت تُعرف سابقًا بالتهميش وانعدام الخدمات، شهدت انتعاشًا في البنية التحتية، حيث تم تعبيد الطرق، وتجهيز المطار، وتوفير مياه الشرب والكهرباء.
وفي قَبْرِدَهر ودهغاحبور، تم إطلاق مشاريع واسعة لتوفير شبكات المياه والكهرباء، وربطها بطرق حديثة ساهمت في فك العزلة التاريخية عنها.
العدالة للتاريخ: لا مقارنة بين النور والظلام!
من المخيب للآمال أن يحاول البعض اليوم الترويج لروايات تُساوي بين رموز القمع والنهب في الماضي، وبين من حملوا مشعل النور والتغيير في الحاضر.
إن محاولة إعادة تدوير الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تمحو الحقيقة، ولا تغسل العار المتراكم عبر 50 عامًا من الإذلال والإفقار.
التاريخ لا يُمحى، والمقارنة بين القامعين والمصلحين ليست سوى محاولة يائسة للهروب من الحقيقة.
خاتمة: جيجيغا على أعتاب مرحلة جديدة
إن من يزور جيجيغا اليوم، يرى مدينة تتغيّر، وسكانًا استعادوا الأمل. الطرق، الجامعات، المياه، الكهرباء، والمطار… كلها شواهد حية على أن ما يحدث ليس شعارات، بل واقع يُكتب بعرق المخلصين، لا دماء الضحايا.
ومن قلب العاصمة أديس أبابا، تبدو جيجيغا اليوم كنموذج مشرق لما يمكن أن يكون عليه إقليم كان يومًا ما غارقًا في الظلام، واليوم يشع نورًا.


















