تقرير خاص عن تجربة نادرة في التناغم بين مؤسستي الرئاسة ورئاسة الوزراء
=====================
يُكمل معالي دولة رئيس الوزراء الصومالي السيد/حمزة عبدي بري اليوم ثلاث سنوات وأربعة أشهر في قيادة الحكومة الصومالية الفيدرالية منذ أن عيّنه فخامة الرئيس حسن شيخ محمود في 15 يونيو 2022، في لحظةٍ سياسيةٍ حاسمة شهدت فيها البلاد تحولات أمنية، واقتصادية معقدة.
هذه الفترة، التي تُعدّ من أطول فترات بقاء رؤساء الوزراء في تاريخ الصومال الحديث، شكّلت تجربة سياسية فريدة عنوانها الاستقرار، والانسجام، والفاعلية التنفيذية.
** تناغم غير مسبوق بين القصر الرئاسي ومكتب رئاسة الوزراء الصومالي **
ومنذ تأسيس الجمهورية الصومالية الثالثة في مطلع الألفية الجديدة، شكّل الخلاف بين الرئاسة ورئاسة الوزراء أبرز معالم السياسة الصومالية، حيث كان الصدام بين الطرفين غالبًا ما ينتهي بإقالة رئيس الوزراء، وتجميد المشاريع الوطنية، وإعادة خلط الأوراق داخل مؤسسات الدولة.
ولكن تجربة الرئيس الدكتور حسن شيخ محمود في ولايته الثانية بدت مختلفة كليًا، إذ أظهر الرجلان — الرئيس ورئيس الوزراء — قدرة نادرة على التفاهم والتكامل السياسي، ما جعل العلاقة بين المؤسستين نموذجًا يحتذى به في المنطقة.
ويرى مراقبون أن العلاقة الشخصية القديمة التي تجمع بين الرجلين الممتدة لأكثر من عشرين عامًا من العمل المشترك في الساحة الدعوية والسياسية ساهمت في بناء جسور ثقة متينة بينهما، وأبعدت شبح الخلافات التي لازمت التجارب السابقة.
** منذ تعيينه رئيسا للوزراء مسارٌ متزن وإنجازات في بيئة معقدة **
ومنذ توليه المنصب، ركّز رئيس الوزراء حمزة عبدي بري على تعزيز كفاءة المؤسسات الحكومية، وتفعيل برامج الإصلاح المالي والإداري، إضافة إلى دفع عجلة الأمن والتنمية في مختلف الولايات الفيدرالية.
كما أشرف على إطلاق مشاريع للبنية التحتية، وتوسيع التعاون مع الشركاء الدوليين في مجالات التعليم، والطاقة، وإعادة الإعمار.
وعلى الصعيد السياسي، نجح السيد حمزة عبدي بري في الحفاظ على علاقات متوازنة مع الولايات الفيدرالية، رغم التباينات السياسية، الأمر الذي اعتُبر إنجازًا في بلد تتداخل فيه الولاءات المحلية والإقليمية.
ويؤكد مسؤولون حكوميون أن “سياسة الهدوء والمرونة” التي يتبعها رئيس الوزراء الصومالي مكّنته من إدارة الخلافات بحكمة، وحماية استقرار الحكومة من أي اهتزازات داخلية.
** مقارنة مع التجارب السابقة: من التوتر إلى التفاهم **
التاريخ السياسي الصومالي القريب حافل بالأزمات بين الرئاسة ورئاسة الوزراء،ففي الولاية الأولى للرئيس حسن شيخ محمود (2012–2017)، تعاقب على المنصب ثلاثة شخصيات في مكتب رئيس الوزراء في غضون فترة الرئيس حسن السابقة، حيث كانت الخلافات الحادة حول الصلاحيات والسياسات التنفيذية سيدة الموقف ما دفع البرلمان إلى التدخل عبر حجب الثقة من رئيسي الوزراء الأولى والثاني لإنهاء الازمة المتصلة في أروقة السياسة والمصالح.
أما اليوم، فإن تجربة السيد/ حمزة عبدي بري تمثل انعطافة سياسية مهمة، حيث نجح في تجاوز هذا النمط التقليدي من الصراع المؤسسي، مقدّمًا نموذجًا لحكومة تعمل بروح الفريق الواحد.
ويقترب رئيس الوزراء الصومالي السيد/حمزة بري من معادلة الرقم القياسي لأطول فترة حكم لرئيس وزراء في تاريخ الصومال الحديث، بعد رئيس الوزراء الأسبق حسن علي خيري الذي استمر في منصبه ثلاث سنوات وخمسة أشهر (من 23 فبراير 2017 حتى 25 يوليو 2020).
** الجمهورية الثالثة… من تقليد الصراع إلى ثقافة الاستقرار **
ومنذ انعقاد مؤتمر جيبوتي الذي أرسى أسس الجمهورية الصومالية الثالثة، ظلت الأزمة البنيوية في النظام السياسي تتمثل في غياب الانسجام بين رأسي السلطة التنفيذية، وهو ما كان يقوّض أي محاولة لتحقيق التنمية المستدامة أو استكمال بناء مؤسسات الدولة.
ولكن العلاقة بين الرئيس الدكتور/ حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء السيد/حمزة عبدي بري أعادت الأمل في إمكانية ترسيخ ثقافة سياسية جديدة، قوامها الحوار، والتنسيق، وتوزيع الأدوار بوضوح ضمن إطار الدستور الانتقالي.
ويرى محللون أن هذه التجربة قد تُمهّد لحقبة جديدة من “الاستقرار الحكومي”، الذي يمثل شرطًا أساسيًا لإطلاق إصلاحات أعمق في الاقتصاد، والأمن، والسياسة الخارجية.
** بين الثقة والاختبار المقبل **
ومع اقتراب رئيس الوزراء الصومالي السيد حمزة عبدي بري دخول عامه الرابع في الحكم، تترقب الأوساط السياسية في مقديشو ما إذا كانت تجربة الانسجام السياسي ستصمد أمام التحديات المقبلة، وعلى رأسها ملف الانتخابات المقبلة، واستكمال مراجعة الدستور، وتعزيز اللامركزية الإدارية.
غير أن المؤشرات الحالية توحي بأن الاستقرار الذي تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية لم يكن وليد المصادفة، بل نتاج وعي سياسي متبادل وإدارة رشيدة للتوازن بين السلطات،
وهو ما يجعل من تجربة السيد/ حمزة عبدي بري واحدة من أنجح التجارب الحكومية في تاريخ الصومال الحديث، ومؤشرًا على أن الصومال يسير بخطى واثقة نحو ترسيخ دولة المؤسسات والقانون.