مقديشو على أعتاب تحول ديمقراطي تاريخي: العاصمة تستكمل تسجيل أكثر من 923 ألف ناخب استعداداً لانتخابات “شخص واحد، صوت واحد ”
============
في مشهد وطني يعكس نضجاً سياسياً متزايداً واستعداداً لممارسة ديمقراطية هي الأول من نوعها،تستعد العاصمة الصومالية مقديشو اجراء انتخابات مباشرة اثر تنظيم احتفالاً رسمياً بتاريخ 19 اكتوبر 2025م للإعلان عن النتائج النهائية لعملية تسجيل الناخبين، تمهيداً لإجراء أول انتخابات بلدية تعتمد نظام “شخص واحد، صوت واحد” منذ عقود.
هذا الحدث، الذي أقيم تحت إشراف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود، وبحضور رئيس إدارة إقليم بنادر وعمدة بلدية مقديشو الدكتور حسن محمد حسين (مونغاب)، يمثل منعطفاً حاسماً في مسار بناء مؤسسات الدولة الصومالية على أسس المشاركة الشعبية والشرعية الانتخابية.
** تسجيل أكثر من 923 ألف ناخب تشير إلى وعي متنامٍ وثقة متجددة **
حيث استعرضت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات خلال الحفل تقريرها الإحصائي النهائي، والذي أظهر تسجيل 923,220 ناخباً في العاصمة مقديشو، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد الحديث.
ويرى مراقبون أن هذه الأرقام تعكس تصاعد الوعي السياسي لدى سكان العاصمة، وازدياد الثقة في العملية الانتخابية كآلية سلمية للتغيير والمساءلة.
وقال رئيس اللجنة، السيد عبد الكريم أحمد حسن، إن المشاركة الواسعة في التسجيل تُظهر أن الشعب الصومالي “بدأ يتجاوز مرحلة الشك إلى مرحلة الإيمان بالمؤسسات وبأهمية صوته في صناعة القرار.”
الدكتور مونغاب: “العاصمة تكتب فصلاً جديداً في التاريخ الديمقراطي”
وفي كلمته خلال الحفل، وصف الدكتور حسن محمد حسين (مونغاب) هذه النتائج بأنها “إنجاز وطني وديمقراطي كبير”، مشدداً على أن مقديشو تستعد لمرحلة انتخابية والتي تُعيد للشعب حقه الدستوري في اختيار ممثليه المحليين بعد عقود من أنماط الحكم غير التمثيلي.
وأضاف الدكتور مونغاب “الانتخابات البلدية المقبلة ليست مجرد عملية تصويت، بل هي إعلان عن ميلاد عهد جديد من الحكم المحلي الرشيد والمساءلة والشفافية.”
كما دعا عمدة بلدية مقديشو العاصمة إلى توسيع حملات التوعية والتثقيف الانتخابي لضمان مشاركة شاملة للنساء والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، مشيراً إلى أن نجاح العملية الانتخابية يتطلب جهداً مجتمعياً واسعاً يوازي الجهد الحكومي.
** حضور سياسي ووطني يعكس وحدة الموقف تجاه الديمقراطية **
وشارك في الحفل عدد من الوزراء والنواب وقادة الأحزاب السياسية، إلى جانب شخصيات وطنية بارزة مثل عمر عبد الرشيد علي شرماركي، ومحمد مرسل شيخ عبد الرحمن، وشريف حسن شيخ آدم، ما أضفى على المناسبة طابعاً توافقياً نادراً في المشهد السياسي الصومالي.
ويرى مراقبون أن هذا التلاقي بين مختلف المكونات السياسية في مناسبة انتخابية هو مؤشر على بداية نضج سياسي جديد قد يسهم في تجاوز الانقسامات التقليدية التي أعاقت العملية الديمقراطية في البلاد لعقود.
** تحديات الواقع وآمال التحول **
وتأتي هذه الخطوة في وقتٍ تسعى فيه الصومال إلى تثبيت دعائم الحكم المحلي، وتوسيع المشاركة السياسية بعد سنوات من الصراع وعدم الاستقرار.
ويؤكد محللون أن نجاح انتخابات مقديشو سيمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على إدارة عملية ديمقراطية شفافة وآمنة، كما سيبعث رسالة ثقة للمجتمع الدولي مفادها أن الصوماليين ماضون نحو بناء دولة حديثة قائمة على المؤسسات.
وفي المقابل، تبقى التحديات الأمنية والتنظيمية قائمة، خصوصاً في ظل الحاجة إلى ضمان بيئة آمنة للناخبين ومرشحيهم، إضافة إلى متطلبات التمويل والإشراف اللوجستي، وهي عناصر تحتاج إلى دعم حكومي ودولي متكامل.
** نحو استعادة الثقة والشرعية الشعبية **
وفي ختام الحفل، أكد الدكتور حسن محمد حسين (مونغاب) على أن الانتخابات البلدية القادمة ستكون “نقطة انطلاق نحو بناء مؤسسات ديمقراطية تعبّر عن الإرادة الشعبية وتكرّس مبدأ تداول السلطة.”
وأضاف رئيس إدارة إقليم بنادر الدكتور مونغاب قائلاً “ما ننجزه اليوم في مقديشو سيُكتب في تاريخ الصومال كخطوة أولى على طريق الديمقراطية الحقيقية التي تحترم إرادة المواطن وتعيد له صوته وكرامته السياسية.”
ويبدو أن مقديشو اليوم لا تحتفل بالأرقام فحسب، بل تحتفل بالتحول الذهني والسياسي الذي بدأت ملامحه تظهر بوضوح في وعي المواطن الصومالي.
فما بين 923 ألف ناخب مسجل، وحكومة تسعى لترسيخ المسار الانتخابي، ومجتمع يطالب بحقه في المشاركة، يمكن القول إن الصومال تدخل فعلاً حقبة جديدة عنوانها “صوت المواطن هو أساس الشرعية، والديمقراطية هي طريق الاستقرار.”
** انعكاسات الانتخابات البلدية على المشهد السياسي الفيدرالي **
وتمثل الانتخابات البلدية المقبلة في مقديشو نقطة ارتكاز أساسية في مسار التحول السياسي في الصومال، إذ يُنتظر أن تترك تداعيات مباشرة على مستوى الحكم الفيدرالي،والعلاقات بين المركز والأقاليم.
ويرى خبراء أن نجاح التجربة الانتخابية في العاصمة سيعزز الثقة في قدرة الدولة على إجراء انتخابات شاملة على المستوى الوطني، ويمهد لتوسيع نموذج “شخص واحد، صوت واحد” إلى باقي الولايات الفيدرالية خلال المراحل المقبلة.
كما يُتوقع أن تسهم هذه الانتخابات في إعادة تشكيل الخارطة السياسية عبر بروز قيادات محلية منتخبة تمتلك شرعية شعبية حقيقية، وهو ما قد يغيّر من طبيعة التوازنات التقليدية التي طالما ارتكزت على المحاصصة السياسية والتمثيل العشائري.
ويؤكد محللون على أن نجاح مقديشو في إنجاز هذه الخطوة سيكون اختباراً حاسماً لمدى جاهزية مؤسسات الدولة الفيدرالية للانتقال من الشرعية الانتقالية إلى شرعية صندوق الاقتراع، بما يعيد الثقة بين المواطن والدولة ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة.


















