من أراد أن يرى موسوعة لغوية تمشي على الأرض، وأن يشاهد مكتبة صومالية تمتلئ بكتب التراث والحكم والأمثال، فلينظر إلى الإسلان عيسى بن الإسلان محمد.
رجل إذا تحدّث، لم يخلُ كلامه من حكمة أو مثل، كأنها نقوش في الذاكرة لا تُنسى. حديثه ذكرٌ وحكمة، ولسانه فصيح، وعباراته بليغة، لا يتكلّف في القول، يتحدث بهدوء هو من طبعه وسجيّته، وكلامه كلام الشيوخ والسلاطين. في نبرته وقار، وفي ألفاظه هيبة، وقلّ من يجمع بين الهيبة والحكمة والهدوء حين يتحدث!!
يتحدث بأسلوبٍ لم أرَ له نظيرًا، كأنه اصطفى لنفسه طريقة فريدة يصعب تقليدها، والحق أنها ليست من اختياره، بل هي هبة من الله.
كلما رأيت الإسلان عيسى يتحدث للأمة، ويخطب لأعيانها ورجال الدولة، أو يسعى في صلحٍ بين عشيرتين، أو يخاطب القوم في لحظة عصيبة، تخيّلت أني أشهد مشهدًا من زمن الأجداد. كأنّي أرى خطيبًا من سلاطين الماضي، أو حكيمًا من كبار الشيوخ، يختار كلماته بعناية، وينطق بالحكمة حقا ، بصوتٍ هادئ، ونبرةٍ وقورة، وحضورٍ يبعث في النفس الطمأنينة والثقة.
كلما رأيت الإسلان عيسى يخطب في الناس ويتحدث إلى الأمة، تخيّلت أن طريقته في الحديث تحاكي تمامًا أساليب الأجداد والأسلاف في الخُطب وصياغة الكلام. كأنه بقية من زمن مضى، وذكرى من عهد الأجداد، كأنه امتداد للعصر الذهبي لتراثنا ولغتنا.
لقد أُوتي حكمة، ومن يُؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. ووهب فصاحة البيان، وإن من البيان لسحرًا. ورُزق الشجاعة، فإن له هيبة لا تخطئها عين من نظر إلى ملامح وجهه.
له كاريزما ووقار لا يفارقانه، وما رأى الناس شخصه مبتسمًا إلا نادرًا، فهو دائمًا تُسبقه الهيبة. صمته أبلغ من كلام كثيرين، لا يُكثر الحديث، وإذا تكلّم، لم يتحدث إلا فيما له صلة بالموضوع، فيُفيد ويُجيد، ويُبدع ويُوجز.
ومما اشتهر به هذا السلطان، وأحد أعظم شيوخ العشائر في القرن الإفريقي، معرفته العميقة بالبادية، والطبيعة، والكائنات الحية، والأدب الصومالي. فهو كنز من كنوز الحكم والأمثال في الصومال، وحديثه وحده كافٍ ليشهد على ذلك، إذ يُدلل كلُّ قولٍ له على سعة علمه، وعمق تجربته، وغزارة ما اختزنه من تراث الأجداد.
الكاتب عبدالرحمن راغي علي